حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : أم ملك
-
[FT=Arial] حوار حَوْلَ حُكم الصلاة في مسجد فيه قبرٌ


الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد؛ فهذا الحوار منشور في ملف مضغوط على شبكة الإنترنت، وهذا الملف المضغوط يحتوي على نُسختَين مِن الحوار، إحداهما word والأخرى pdf، ولتحميل هذا الملف ادخُلْ على هذا الرابط ثم قُمْ بالتحميل، مع العلم بأن هذا الملف قابل للتحديث المستمر على نفس الرابط المذكور؛ وهذا الحوار يتناول عدة مسائل ، وهذه المسائل هي:
(1)ما هو القبر؟.
(2)ما هي المَقْبَرَةُ؟.
(3)هل القبرُ النبويُّ موجودٌ داخِلَ المسجد النبوي؟.
(4)هل أنْكَرَ أحدٌ مِن السلف إدخالَ قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟.
(5)هل يجوز بناء مسجد على غرفة بداخلها قبر؟.
(6)هَلْ يَجُوزُ تَوْسِعَةُ مسجدٍ إذا اقْتَضَتْ هذه التوسعةُ ضَمَّ قبْرٍ إلى داخِلِ المسجدِ؟.
(7)ما الفرقُ بين الواجبِ والمندوبِ والمُحَرَّمِ والمكروهِ مِن جِهةِ الطَّلَبِ أو التَّرْكِ (على سبيل الجَزْمِ والقَطْعِ والحَتْمِ والإلْزامِ والإجْبارِ)؟.
(8)ما فَضْلُ الصلاة في المسجد النبوي؟.
(9)هل (فضل الصلاة في المسجد النبوي) يندرج تحت الواجب أم تحت المندوب؟.
(10)ما المراد بقاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجة أو المصلحة الراجحة)؟.
(11)هل يَصِحُّ أن يُستغنى بصلاة الجماعة في البيت عن صلاة الجماعة في المسجد؟.
(12)ما حُكْمُ الصلاة في مسجد فيه قبر؟.
(13)هل بُطْلَانُ الصلاة في مسجد فيه قَبْرٌ يتعلَّقُ بوجود القبر في القِبلة؟.
(14)هل تَجوز الصلاةُ في مسجد فيه قبر، إذا كان هو المسجدَ الوحيد في القرية، أو إذا كان لا يوجد في القرية مسجد يَخْلُو مِن قبر؟.
(15)هل هناك فَرْقٌ بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد؟.
(16)هل وجود القبر ضِمْن مقصورة موجودة داخل المسجد يُزِيلُ المحذورَ؟.
(17)هل وجودُ القبر في ساحة المسجد الخَلْفِيَّة يَمْنَعُ مِن الصلاة في المسجد؟.
(18)ما هو حُكْمُ الصلاة في مسجد بُنِيَ بين المقابر أو بجوارها؟.
(19)ما هي المواضع التي تُصَلَّى فيها صلاةُ الجنازة؟.
(20)ما المُرادُ بقولهم "إعمالُ الدليلَين أَوْلَى مِن إهمال أحدهما ما أَمْكَن"؟.
(21)هل يجوز أن تُصَلَّى صلاةُ الجنازة في المقبرة؟.
(22)هل يجوز أن تُصَلَّى صلاةُ الجنازة في مسجد بداخله قبر؟.
(23)هل طالَبَ أحدٌ مِن العلماء المُتأخِّرِين صَرَاحَةً بإرجاع المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جهة القبر؟.
(24)هلْ أجَمَعَ علماءُ الأُمَّة على تحريم بناء المساجد على القبور؟.
(25)مَن هُم القُبُوريِّون؟.
(26)هَلْ تَصِحُّ الصلاةُ خَلْفَ القُبُوريِّين؟ وهل يُعْذَر بالجهل مَن وَقَعَ في الشرك الأكبر؟ وهل يُكَفَّرُ عَوَامُّ القُبُوريِّين بأعيانِهم أم بعُمومِهم؟ وهلْ يَجِبُ على عَوَامِّ المسلمين أن يُكَفِّرُوا القُبُوريِّين؟ وإذا كَفَّرَ المسلمُ قُبُورِيًّا فما الذي يَضْمَنُ له ألَّا يَبُوأَ هو بالكُفْرِ؟.
(27)كيف صَحَّحَ الشيخُ ابن باز الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كونه بداخله ثلاثة قبور (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبرَي صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)؟ وهَلْ هناك اعْتِرَاضَاتٌ تَرِدُ على هذا التصحيح؟.
(28)هناك مَن يُصَحِّح الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كونه بداخِلِه القبر النبوي، تأسيسا على قاعدة (ما حُرِّم سدًّا للذريعة يُباحُ للحاجَةِ أو المصلحة الراجحة)، فهَلْ هناك اعْتِرَاضَاتٌ تَرِدُ على هذا التصحيح؟.
(29)ما هو العامُّ، وما المُراد بقولهم "مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ"، وما هو التخصيصُ، وما هي الفُروقُ بين التخصيصِ والنَّسْخِ؟.
(30)كيف صحَّحَ الشيخُ الألباني الصلاةَ في المسجد النبوي، مع كَوْنِه بداخلِه ثلاثة قبور (قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)؟ وهَلْ هناك اعْتِرَاضَاتٌ تَرِدُ على هذا التصحيح؟.
(31)لماذا يَسْكُتُ مَنْ يَسْكُتُ مِن العلماء عن بيانِ بِدْعِيَّة بِناءِ القُبَّة الخضراء فوقَ القبر النبوي؟.
(32)هل تَمَكَّنَ الشيخُ محمد بن عبدالوهاب مِن إزالة القُبَّة الخضراء الموجودة فوق القبر النبوي، ولَمْ يَفْعَلْ؟.
(33)هلْ يَصِحُّ الاستدلالُ بدعوى الإجماع، أو بدعوى (لا نَعْمَلُ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نَعْرِف مَن عَمِلَ به)، ردًّا على مَن استدَلَّ على تحريم الصلاة في المسجد النبوي بعُموم أدِلَّة التحريم؟.
(34)هل يجوز أن تُصَلَّى النافِلَةُ في المسجد النبوي في أوقات النَّهْيِ، لِمَا هو مَعروفٌ مِن فَضْلِ الصلاةِ في المسجد النبويِّ؟.
(35)لو قال رَجُلٌ "أنا إذا صَلَّيْتُ في مسجد مِن مساجد مَكَّة الهادئة أَكُون أَخْشَعَ أكثر بكثير، وإذا صَلَّيْتُ في الحَرَمِ أَرَى زِحاما شَدِيدا جداً، وتَبَرُّجَ نساءٍ، أنا أَكُونُ أَخْشَعَ في صلاتي في مسجد مِن مساجد مَكَّة غير الحَرَمِ"؛ فَهَل الأفضلُ لهذا الرجُل أن يُصَلِّي في المسجد الحَرامِ؟.
(36)هناك مَن يَزْعُم أن إزالةَ القبة الخضراء التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم مُتَعَذِّرٌ حاليا، وأن إرجاعَ المسجد النبوي إلى ما كان عليه في عهد الصحابة مِن جهة القبر أيضا مُتَعَذِّرٌ حاليا، وذلك بسبب ما قد يَتَرَتَّبُ على ذلك مِن فِتَنٍ يُثِيرُها القبوريون، مِن اتِّهام العلماء والسَّاسَة الذين سيقومون على عَمَلِيّة التغيير هذه بأنهم يُبْغِضُونَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ولا يَرْعَوْنَ حُرْمَتَه صلى الله عليه وسلم، ورُبَّما خَرَجَ هؤلاء القبوريون بالسِّلاحِ على ساسَتِهم؛ ثم يقول هذا الزاعِمُ أنه رُبَّما يأتي جِيلٌ بَعْدَنا وَسْطَ ظُرُوفٍ أفضل مِن ظُرُوفِنا فيَتَمَكَّن مِن إزالةِ هذه المُنْكَرات؛ فهلْ تَرَى أن هذا الزَّعْمَ صَحِيحٌ؟.
(37)ما المُرادُ بقولِهم "ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ"؟.
(38)ما المُرادُ بمَفْهُومِ المُوافَقَةِ؟.
(39)أَسْكُنُ في قَرْيَةٍ صغيرة نائِيَةٍ يَغْلِبُ على أهلِها الفقرُ الشديدُ، في هذه القريةِ كان يُوجَدُ رَجُلٌ ليس لَدَيِه أولادٌ ويَمْلُكُ بَيْتَيْن مُتَجاورَيْن، قامَ هذا الرجُلُ بتَحويلِ أَحَد بَيْتَيْهِ إلى مسجدٍ، وبعْدَ فَتْرَةٍ مِن الزمَنِ ماتَ هذا الرجُلُ داخِلَ بَيْتِه، فدَفَنَه أقاربُه -وكان غالِبِيَّتُهم مِن المتصوفة- في قبرٍ داخِل الحُجْرَةِ التي ماتَ بداخِلِها -وكانت هذه الحجرةُ صغيرةً وغيرَ مَسقوفةٍ وفي أحَدِ أركانِ المنزلِ- ثم سدُّوا مَوْضِعَ بابِ الحُجْرَةِ بالطُّوبِ، فأصبحت الحُجْرَةُ بدون بابٍ، وبعْدَ فَتْرَةٍ أخرى مِن الزمَنِ احتاجَ أهْلُ القريةِ إلى تَوْسِعةِ المسجد، لأن المسجد أصبحَ لا يَسَعُ جميعَ المُصَلِّين، فطَلَبَ أهْلُ القرية مِن الدولة الموافَقةَ على ضَمِّ جُزْءٍ مِن الطريقِ الذي أمام المسجد إلى المسجد -حيث أن هذا الطريقَ كان واسِعا جدّا فوق الحاجَةِ- فرَفَضَت الدولةُ، فحاولَ أهْلُ القريةِ شِراءَ البيت الذي يَقَعُ خَلْفَ المسجد أو شِراءَ البيت المُجاور للمسجد مِن الجهةِ المُقابِلَةِ للجهةِ التي فيها البيت الذي دُفِنَ فيه الرجُلُ الذي حَوَّلَ أَحَدَ بَيْتَيْهِ إلى مسجد، ولكن أَهْل القريةِ لم يستطيعوا جَمْعَ المال اللازم لِشِراءِ أيٍّ مِن هذَيْن البَيْتَيْن المَذكورَيْن، فقامَ أقارِبُ المَيِّتِ الذي حوَّل أَحَدَ بَيْتَيْهِ إلى مسجد بالتَّدَخُّلِ في الأمْرِ، وعَرَضوا ضَمَّ البيتِ الذي دُفِنَ الميِّتُ في إحدى حُجُراته إلى المسجد، وذلك بشرط القبول بِضَمِّ البيت كاملا بما فيه الحُجرة التي فيها قبر المَيِّتِ، بحيث تصبح الحُجْرَةُ التي فيها قبر الرجُل داخِلَ المسجد، فاجتمعَ وُجَهاءُ القريةِ واجتهدوا الرَّأْيَ، فأخطأوا وقَبِلُوا، على الرَّغْمِ مِن اعْتِراضِ أَهْلِ العِلْمِ في القريةِ على ذلك، فأصبحت الحجرةُ التي فيها القبر داخِلَ المسجد، فَبَنَوْا حول الحجرة حِيطانا مُستدِيرةً ليس فيها بابٌ ومفتوحةً مِن الأعلَى ومرتفعةً بِقَدْرِ ارتفاع جُدْران الحجرة، ثم بَنَوْا حول هذه الحيطان حيطانا أخرى مثلها، ثم أحاطوا هذه الأخيرة بحيطان أخرى مثلها، ثم أحاطوا هذه الأخيرة بمقصورةٍ مستديرةٍ ومفتوحةٍ مِن الأعلى ومرتفعةٍ بِقَدْرِ ارتفاع جُدْران الحجرة، والمقصورة هذه عِبارة عن شبابيك مِن نُحَاسٍ وحَدِيدٍ متَّصِلَةٍ ومُقْفَلَةٍ مِن جميعِ جوانبها، فأصبح القبرُ مُحاطا بأربعة جُدران ومقصورة؛ والآن الوَضْعُ القائمُ داخِل المسجد هو وُجُودُ المقصورةِ المذكورةِ في أحَدِ أركانِ المسجدِ ولا يُمْكِنُ في الصلاة استقبالُها أو الوقوفُ عن يَمِينِها بل فقط يُمْكِنُ استدبارُها أو الوقوفُ عن يسارها، وفي نفس الوقت لم يَقُم أهلُ القرية بعَمَلِ أَيِّ شَكْلٍ مِن أشكال الزخرفة سواء للمسجد أو للمقبرة، وفي نفس الوقت فإن المُصَلِّين مِن أهلِ القريةِ مُتفهِّمون للأمر، فلا يَحصُلُ منهم عند هذا القبر ما يَحصُلُ مِن مخالَفاتٍ شرعيَّةٍ عند غيرِه مِن القبورِ الموجودةِ في المساجد الأخرى؛ والسؤال الآن هو ما حُكْمُ الصلاةِ في هذا المسجد الذي لا يُوجَدُ غيرُه في قريتِنا النائيَةِ الصغيرةِ، علما بأني أعتقدُ صِحَّةَ مذهب الشيخين ابن باز وسعد الخثلان مِن وُجُوبِ أداء الفريضة في المسجد؟.



المسألة الأولى

زيد: ما هو القبر؟.
عمرو: القبر هو حُفْرة في الأرض، دُفِن فيها مَيِّتٌ، ورُدِمَت بالتراب الذي خَرَجَ منها أثناء الحَفْر، فتكون بَعْدَ الرَّدْمِ مُرتفِعةٌ عن الأرض بمقدار شِبْر، ويكون هذا الارتفاعُ ناتجا عن أن الأرض تكون أَشَدَّ التِئاما مِمَّا إذا حُرِثَتْ ثم رُدِمُتْ، وناتجا عن الزيادة التي تَسَبَّبَ فيها إدخالُ جُثَّة المَيِّتِ في الحفرة وإدخال اللَّبِن (وهو الطُّوب المَعْمُول مِن الطِّينِ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ) الذي يُوضَع على لَحْدِ المَيِّتِ داخل الحفرة، ويكون هذا الارتفاع على هيئة سَنامِ البَعِير، لكي يُعرَف أن هذا قَبْرٌ.
وللتَّعَرُّفِ على صِفَةِ القبر بشَكْلٍ أَوْضَح يُرْجَى البحثُ عن عِبَارةِ (كيفية دفن الميت في البقيع) بَيْنَ الفيديوهات الموجودة على شبكة الإنترنت، ثم مشاهدة هذه الفيديوهات.
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع: فَيُعَمَّق في الحَفْرِ [يعني حفر القبر]، والواجبُ ما يَمْنَعُ السِّباعَ أن تَأْكُلَه، والرائِحَةَ أن تَخْرُجَ منه، وأما كَوْنُه لا بُدَّ أن يَمْنَعَ السِّباعَ والرائِحَةَ، فاحتراما للميتِ، ولِئَلَّا يُؤْذَّي الأَحْيَاءُ ويُلَوَّثَ الأجواءُ بالرائحة، هذا أقَلُّ ما يَجِبُ، وإن زادَ في الحَفْرِ فهو أفْضَلُ وأكْمَلُ لكن بلا حَدٍّ، وبعضُهم حَدَّه بأن يكون بِطُولِ القامَة [يَقْصِد أن يُعَادِلَ عُمْقُ القبرِ طُولَ الرَّجُلِ مُتَوسِّط الطُّولِ]... ثم قال -أي الشيخ ابن عثيمين-: السُّنَّة أن يُرْفَعَ القبرُ عن الأرض، وكما أنه سُّنَّةٌ، فإن الواقِعَ يَقْتَضِيه، لأن تُراب القبر سوف يُعادُ إلى القبر، ومعلومٌ أن الأرضَ قَبْلَ حَرْثِها أَشَدُّ التِئاماً مِمَّا إذا حُرِثَت، فلا بُدَّ أن يَرْبُو الترابُ، وأيضاً فإن مَكانَ المَيِّتِ كان بالأَوَّل تُراباً والآن صارَ فَضاءً، فهذا الترابُ الذي كان في مَكان المَيِّتِ في الأوَّل سوف يكون فوقَه. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعَمَّقُ الْقَبْرُ إلَى الصَّدْرِ، الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، كَانَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبَّانِ أَنْ يُعَمَّق الْقَبْرُ إلَى الصَّدْرِ، وَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِالْعَزِيزِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْفِرُوا قَبْرَهُ إلَى السُّرَّةِ. انتهى.
وقال الإسلام سؤال وجواب الذي يُشْرِفُ عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط عن تعميق القبر: والمَعتمَدُ أن الواجبَ مِن ذلك ما يَحْصُل به حقيقةُ الدَّفْنِ، وصِيانةُ الميتِ عن السِّبَاعِ والعَوادِي، ومَنْعُ رائحتِه مِن أن تَظْهَرَ خارِجَ القبر، فيَتَأَذَّى بها الأحْياءُ أو يَعَافُوا [أيْ يَكْرَهُوا] زِيَارَتَه، وهذا ليس له حَدٌّ في الشرعِ، وإنما هو بحسب الحال، وما زادَ على ذلك مِن الإتمام والإكمال فهو مَندوبٌ إليه، وليس بواجِبٍ. انتهى.
وقال النووي في المجموع: أجْمَعَ العلماءُ أن الدَّفْنَ في اللَّحْدِ وفي الشَّقِّ جائزان، لكن إن كانت الأرضُ صُلْبَةً لا يَنْهارُ تُرابُها فاللَّحْدُ أفضلُ، لِمَا سَبَقَ مِن الأدِلَّة، وإن كانت رِخْوَةً تَنْهارُ فالشَّقُّ أفضلُ. انتهى. قلت: اللَّحْدُ هو تَجْوِيفٌ داخِلَ القبرِ يُحْفَرُ في الجانِب القِبْلِي [أي الذي يَلِي القِبلةَ] مِن الأَسْفَل، ويكون هذا التَجْوِيفُ مُتَّسِعَا بالقَدْرِ الذي يَسْتَوْعِبُ المَيِّتَ حالَ رُقُودِه على جَنْبِه الأيمن مُسْتَقْبِلا القِبلة؛ وأما الشَّقُّ فهو مثل اللَّحْدِ إلا أنه يكون في وَسَطِ قاع القبر لا جانِبه؛ فإذا اختارَ الدافِنُ اللَّحْدَ، فعندئذ يُوضَع الميتُ في اللَّحْدِ على جَنْبِه الأَيْمَن مُستقبِلاً القِبلة بِوَجْهِهِ، ويُوضَع تحت رَأْسِه شيءٌ مُرْتَفِعٌ لَبِنَة أو حَجَر أو تُراب، ويُدْنَى مِن جِدار القبر لِئَلَّا يَنْقَلِب على وَجْهِهِ، ويُنَصَّب عليه لَبِنٌ مِن خَلْفِه نَصْبًا لِئَلَّا يَنْقَلِبَ إلى خَلْفِهِ، ويُسَدّ ما بَيْنَ اللَّبِنِ مِن خَلَلٍ -أَيْ مِن فَتَحَاتٍ أو فَراغاتٍ- بالطِّينِ لِئَلَّا يَصِلَ إلى الميتِ الترابُ مباشرةً أثناء رَدْمِ القبر، ثم يُهالُ الترابُ لِرَدْمِ القبر؛ وأما إذا اختارَ الدافِنُ الشَّقَّ فإنه يَضَعُ الطُّوبَ اللَّبِنَ على جَانِبَي الشَّقِّ مِن أَجْلِ ألا يَنْهَدَّ الرَّمْلُ فيَنْضَمّ الشَّقُّ على المَيِّتِ، ثم يضَعُ الْمَيِّتَ في الشَّقِّ، ثم يُسَقِّفُ الشَّقَّ بالطُّوبِ اللَّبِنِ لِئَلَّا يَصِلَ إلى الميتِ الترابُ مباشرة أثناء رَدْمِ القبر، وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ، ثم يُهالُ الترابُ لِرَدْمِ القبر.
وفي هذا الرابط على الشيخ ابن باز، سُئِلَ الشيخُ: أيُّهما أفضلُ اللَّحْد أم الشَّقّ؟ وما هو ارتفاع القبر؟. فأجاب الشيخُ: في المدينة كانوا يلحدون وتَارَةً يَشُقُّون القبرَ، واللَّحدُ أفضلُ، لأن اللهَ اختاره لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، والشَّقُّ جائزٌ وخصوصاً إذا احْتِيجَ إليه، وحَدِيثُ ابن عباس "اللَّحْدُ لنا والشَّقُّ لغيرنا" ضعيفٌ، لأن في إسناده عبدالأعلى الثعلبي وهو ضعيف؛ ويكون ارتفاعُ القبر قَدْرَ شِبْرٍ أو ما يُقارِبُه. انتهى.
وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئل: وَضْعُ العَلَامَة على القبر ما حُكْمُها؟. فأجاب الشيخ: لا بأس بِوَضْع عَلَامَة على القبر لِيُعْرَف كحَجَرٍ أو عَظْمٍ مِن غير كِتَابة ولا أرقام، لأن الأرقامَ كِتَابةٌ، وقد صَحَّ النَّهْيُ مِن النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، أما وَضْع حَجَر على القبر، أو صَبْغ الحَجَر بالأسود أو الأصفر حتى يكون عَلَامَةً على صاحِبِه فلا يَضُرُّ، لأنه يُرْوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ على قبر عثمان بن مظعون بِعَلَامة. انتهى.
وقال الشيخ الألباني في أحكام الجنائز وبدعها: ويُسَنُّ أن يُعَلِّمَهُ -أَي القبر- بحَجَرٍ أو نحوِه ليُدْفَنَ إليه مَن يَمُوتُ مِن أَهْلِه. انتهى باختصار.
وفي هذا الرابط سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وبكر أبو زيد): ما حُكْمُ ارتفاع نَصَائِب القبر عن الذراع، وهلْ لها حَدٌ مُعَيَّنٌ مِن الارتفاع، والنصائبُ هي ما يُوضَعُ مِن العَلَامَةِ عند الرَّأْسِ والرِّجْلَيْن مِن الحَصَى، أفتونا مأجورين؟. فأجابت اللجنة: تَعْلِيمُ القبر بحجارة ونحوها لِمَعْرِفَته لزيارته والسلام عليه جائزٌ، سواء كان عند الرأس أو القَدَمَيْن، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أَعْلَمَ قبرَ عثمان بن مظعون بِصَخْرَةٍ، وليس مِن السُّنَّة التَّكَلُّفُ في وَضْعِ العَلَامَات، والمُبالغة في ارتفاع النَصَائِب، والواجبُ الحَذَرُ مِن ذلك. انتهى.
وجاء في كتاب المنتقى مِن فتاوى الشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سُئل: وهل يجوز وَضْعُ حَجَرٍ مَحْفُور عليه حَرْف كَرَمْزٍ يَدُلُّ على القبر، لكي يَسْتَدِلّ عليه الزائرُ؟. فأجاب الشيخ: ويجوز وَضْعُ حَجَرٍ على القبر لِيَعْرِفه إذا زارَه، ولا يجوز أن يَكْتُبَ عليه شيئًا، لأن هذه وسيلة إلى تعظيمِها وَوَقْعِ الشرك عندها، وسواء كانت الكتابةُ حرفًا أو أكثر، كُلُّ ذلك مُحرَّمٌ وممنوعٌ لِمَا يَؤولُ إليه مِن الشرك وتعظيم القبور والغُلُوِّ بها. انتهى.
وجاء أيضا في كتاب المنتقى مِن فتاوى الشيخ صالح الفوزان، أن الشيخ سُئل: هل يجوز كِتابُ اسم المَيِّتِ على حَجَرٍ عند القبر أو كتابة آية مِن القرآن في ذلك؟. فأجاب الشيخ: لا يجوز كِتابُ اسم المَيِّتِ على حَجَرٍ عند القبر أو على القبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ذلك، حتى ولو آية مِن القرآن، ولو كلمة واحدة، ولو حَرْف واحد، لا يجوز، أما إذا عَلَّمَ القبرَ بِعَلَامَةٍ غير الكِتابِ، لكي يُعْرَف للزيارة والسلام عليه، كأن يَخُطّ خَطًّا، أو يَضَع حَجَرا على القبر ليس فيه كِتابة، مِن أَجْلِ أن يَزُورَ القبرَ ويُسَلِّم عليه، لا بأس بذلك، أما الكتابة فلا يجوز، لأن الكتابة وسيلة من وسائل الشرك، فقد يأتي جِيلٌ مِن الناس فيما بعد ويقول "إن هذا القبر ما كُتب عليه إلا لأن صاحبَه فيه خيرٌ ونَفْعٌ للناس"، وبهذا حَدَثَتْ عبادةُ القبور. انتهى.
وفي هذا الرابط من فتاوى الشيخ ابن باز، أنه سُئل:هل يجوز وَضْعُ قطعة مِن الحديد أو لافِتة على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته... إلخ؟. فأجاب الشيخ:لا يجوز أن يُكتَبَ على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها، لا في حديدة ولا في لَوْحٍ -اللوحُ هو وَجْهُ كُلِّ شيء عريض مِن خَشَبٍ أو غيره- ولا في غيرهما، لِمَا ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم "نَهَى أن يُجَصَّصَ القبرُ وأن يُقْعَدَ عليه وأن يُبْنَى عليه"، رواه الإمام مسلم في صحيحه، زاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح "وأن يُكْتَبَ عليه". انتهى. وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: تجصيصُ القبر أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالجَصِّ وهو الجِبْسُ وقِيلَ الجِيرُ. انتهى. وقال الشيخ ابن جبرين في هذا الرابط على ه: والجَصُّ هو هذا المعروف الأَبْيَضُ، وقَرِيبٌ منه ما يُسَمَّى بالجِبْسِ. انتهى. وقال الشيخُ صالح بن مقبل العصيمي في (بدع القبور أنواعها وأحكامها): ومِن البدع التي انتشرت تجصيصُ القبور، وذلك بِطَلْيِها بالجَصِّ ويَشملُ زخرفتَها أو صَبْغَها بالألوان مع وُرُود النَّهْي الصحيح الصريح. انتهى.
وفي هذا الرابط على الشيخ ابن جبرين، سُئِلَ الشيخُ:هل يجوز أن يُزارَ قبرُ شخصٍ بِعَيْنِهِ، مع زيارة القبور الأخرى؟ وما حُكْمُ تعيين قبرٍ بعَلَامَةٍ أو بإشارة مِن أجْلِ مَعْرِفةِ صاحِبِ هذا القبر؟. فأجاب الشيخُ: زيارةُ القُبورِ مشروعة لِسَبَبَيْن، الأوَّل تَذَكُّرُ الآخِرة، الثاني الدعاءُ للمَوْتَى؛ وتجُوزُ مثلًا كُلّ أسبوع، أو كُلّ أسبوعين، أو كُلّ شهر، أو نحو ذلك، أو إذا أَحَسَّ الإنسانُ بقَسْوَة قَلْبه، فإنه يَزُورُهم حتى يَتَّعِظ وحتى يَلِين قَلْبُه أو نحو ذلك؛ ويجُوزُ أن يَخُصَّ الإنسانَ زيارةَ قبر أبيه، أو قبر أخيه، أو قَرِيبِه، أو نَسِيبِه، فَيَجُوز له أن يَزُورَ قبرًا معينًا، ثم يُسَلِّم على القبور جميعًا؛ ويَجُوز أن يُعَلِّم القبرَ بعلامات يُعْرَفُ بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَفَنَ عثمان بن مظعون جَعَلَ عند قبره حَجَرًا، وقال "أَعْرِفُ به قبرَ أخي، وأَدْفِنُ إليه مَن مَات مِن أَهْلِي"، فيَجُوزُ أن يَجْعَلَ عَلَامةً كحَجَرٍ أو لَبِنَةٍ أو خَشَبةٍ أو حَدِيدةٍ أو نحو ذلك، لِيُمَيِّز بها هذا القبرَ عن غيره، حتى يَزُوره، ويَعْرِفه؛ أمَّا أن يَكْتُبَ عليه فهذا لا يجوز، لأنه قد نُهِيَ أن يُكْتَبَ على القُبور، حتى ولو اسْمه، وكذلك نُهِيَ أن يُرْفَعَ رَفْعًا زائِدًا عن غيره. انتهى.
وفي فتاوى الشيخ ابن باز في (فتاوى نور على الدرب) على هذا الرابط، قال الشيخ: لا شكَّ أن القبابَ على القبور بِدعةٌ ومُنكرٌ، كالمساجد على القبور كلها بدعة وكلها منكر، لِمَا ثَبَتَ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، ولِمَا ثَبَتَ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، رواه مسلم في الصحيح، ولِمَا ثَبَتَ أيضًا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها، فَنَصَّ صلى الله عليه وسلم على النَّهْيِ عن البناء على القبور والتجصيص لها أو القعود عليها، ولا شَكَّ أن وَضْعَ القُبَّة عليها نَوْعٌ مِن البناء، وهكذا بناء المسجد عليها نَوْعٌ مِن البناء، وهكذا جعل سقوف عليها وحيطان نوع من البناء، فالواجب أن تَبْقَى مكشوفةً على الأرض، مكشوفة كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره مكشوفةً، يُرفَعُ القبرُ عن الأرض قَدْر شِبْر تقريبًا، لِيُعْلَم أنه قبرٌ لا يُمْتَهَن، أمَّا أن يُبْنَى عليه قُبَّةٌ أو غُرفةٌ أو عَرِيشٌ [العَرِيش هو ما يُسْتَظَلُّ به مِن جَرِيدِ النَّخْل ووَرَقِه وفُرُوع الأشجار] أو غير ذلك، فهذا لا يجوز، بل يجب أن تَبْقَى القُبورُ على حالها مكشوفة، ولا يُزادُ عليها غير تُرابها، فَيؤخذ القبرُ مِن تُرابِه الذي حُفِرَ منه، يُرْفَعُ قَدْر شِبْر ويَكْفِي ذلك، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال رضي الله عنه "الْحَدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وقال في رواية "فَرُفِعَ قبرُه عن الأرض قَدْر شِبْر"، يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فالحاصل أن القبور تُرفَعُ قَدْرَ شِبْرٍ للعِلْمِ بأنها قُبورٌ، ولِئَلَّا تُمْتَهَن وتُوطَأ أو يُجْلَس عليها، أمَّا أن يُبْنَى عليها فَلَا، لا قُبَّة ولا غيرها، للأحاديث السابقة حديث جابر وحديث عائشة وغيرهما، وفي حديث جابر التصريحُ بالنهي عن البناء على القبور وتجصيصها. انتهى.
وفي فتوى للشيخ صالح آل الشيخ في هذا الرابط على ه، سُئِلَ الشيخُ: اسْتَدَلَّ بعضُ القبوريين على جواز البناء على القبور بأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في حُجْرَةِ عائشة، فكيف الجواب على هذه الشُّبْهَة؟. فأجاب الشيخُ: نعم دُفِنَ عليه الصلاة والسلام في حُجْرَةِ عائشة، لكن حُجْرَة عائشة كانت قَبْلَ القبر، وحُجْرَةُ عائشة كانت مفتوحةً، وهى إلى الآن مفتوحةٌ إلى أعلى، والسَّقْفُ العلوي لها هو سَقْفُ المسجد لَمَّا أُدْخْلَتْ فيه [يَقْصِدُ أنْ يقولَ أنَّ السَّقْفَ الذي يَعْلُو الحُجْرَةَ الآن ليس سَقْفا للحُجْرَةِ، وإنما هو سَقْفٌ للمسجد، ووَقَعَ ذلك لَمَّا أَدْخَلَ الوليدُ ابن عبدالملك الحُجْرَةَ في المسجد]، فحين دُفِنَ عليه الصلاة والسلام كان سَقْفُ الحُجْرَةِ مَفتوحًا، كما كانت عائشةُ رضى الله عنها تقول "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى العصرَ والشمس في حُجْرَتِي"، لأن الحُجْرَةَ كانت مفتوحةً مِن أَعْلَاها، وإنما سُقِفَ بعضُها وتُرِكَ بعضٌ في عهده عليه الصلاة والسلام بِشَيْءٍ مِن الجَرِيدِ الذي يُزالُ؛ والواقِعُ الآن أن الحجرةَ مفتوحةٌ مِن أعلاها، نعم هناك جُدْرانٌ مُثَلَّثَةٌ لكنها مفتوحة مِن أعلى ليس عليها سَقْفٌ، وكذلك الجِدارُ الثاني مُمْتَدٌ حوالي ستة أمتار ثم مَفتُوحٌ أيضًا مِن أعلى، وكذلك الحَدِيدُ الذي يُرَى، يعنى ثلاثة جُدْران ثم الحَدِيد، كُلُّ هذا مفتوحٌ. انتهى.
وفي هذا الرابط يقول الشيخ ابن باز: فالذي فَعَلَه الناسُ اليومَ مِن البناء على القبور واتِّخاذ مساجد عليها كُلُّه مُنْكَرٌ مُخالِفٌ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. فالواجب على وُلاة الأمور مِن المسلمين إزالتُه، فالواجب على أيِّ وَلِيِّ أَمْرٍ مِن أمراء المسلمين أن يُزِيلَ هذه المساجد التي على القبور، وأن يَسِيرَ على السُّنَّة، وأن تكون القبورُ في الصحراء بارزةً ليس عليها بناء ولا قباب ولا مساجد ولا غير ذلك، كما كانت القبورُ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره بارزةً ليس عليها شيءٌ، وهكذا قبور الشهداء، شهداء أُحُد، لم يُبْنَ عليها شيءٌ، فالحاصل أن هذا هو المشروعُ، أن تكون القبورُ بارزةً ضاحية ليس عليها بِناءٌ كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد السلف الصالح، أمَّا ما أحْدَثَه الناسُ مِن البناءِ فهو بِدعةٌ ومُنكَرٌ لا يجوز إقرارُه ولا التأسِّي به. انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: أن يكون القبرُ سابقاً على المسجد، بحيث يُبْنَى المسجدُ على القبر، فالواجب هجْرُ هذا المسجد وعدمُ الصلاة، وعلى مَن بَناهُ أن يَهْدِمَه، فإن لم يَفْعَل وَجَبَ على وَلِيِّ أَمْرِ المسلمين أن يَهْدِمَه... ثم قال: أن يكون المسجدُ سابقاً على القبر، بحيث يُدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نَبْشُ القبر، وإخراجُ المَيِّت مِنه، ودَفْنه مع الناس. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع عند شرح قول الإمام الحجاوي "ويَحرُمُ فيه دَفْنُ اثنَيْن فأكثر": أيْ يَحرُمُ في القبر دَفْنُ اثنَيْن فأكثر، سواءٌ كانا رجُلَين أم امرأتَين أم رجُلاً وامرأةً، والدليلُ على ذلك عَمَلُ المسلمين مِن عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا أن الإنسان يُدفَنُ في قبره وحده، ولا فَرْقَ بَيْنَ أن يكون الدفنُ في زَمَنٍ واحدٍ بأن يؤتى بجِنازتَين وتُدْفَنا في القبر، أو أن تُدْفَن إحدى الجِنازتَين اليوم والثانية غداً. انتهى.
وفي تفريغ نَصِّي لشرح صوتي لكتاب زاد المستقنع للشيخ محمد مختار الشنقيطي على هذا الرابط، قال الشيخُ عند شرح قول الإمام الحجاوي "ويَحرُمُ فيه دَفْنُ اثنَيْن فأكثر إلا لضرورة":أي: ويَحرُمُ في القبر دَفْنُ اثنَيْن فأكثر إلا لضرورة، لأن سُنَّةَ النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مِن بعده، وهَدْيَ السلف الصالح، مَضَتْ على قبر المقبور في قبره دون أن يُدْخَلَ عليه أحدٌ، أو يُجمَعَ معه أحدٌ، وهذا هو الأصْلُ، فيكون القبرُ للمقبور وحده دون أن يُجعل معه آخر، ولو كان قَرِيباً له، أمَّا الضرورة فتَقَعُ في حالة الحروب والقتال، كما وقعَ في غزوة أُحُد، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَرَ شُهَداءَ أُحُد الرجُلَيْن والثلاثة في القبر الواحد، والسبب أنه كانت تَفْنَى الأنْفُسُ في الحروب في القديم، ولرُبَّما وَصَلَ القتلُ في بعض الوقائع إلى مائة ألف، وفي هذه الحالة يَصْعُبُ أن يُحفَرَ لكلِّ شخصٍ قبرٌ، ولرُبَّما جلسوا أياماً وهم لا يستطيعون أن يُواروا هذه الأجسادَ، فيضطروا إلى جَمْعِ الاثنين والثلاثة في القبر، وحينئذٍ يُشْرَع أن يُوَسَّعَ القبرُ مِن داخِلٍ حتى يَصْلُح لجَمعِ هؤلاء ولا يَضِيق... ثم قال -أي الشيخ الشنقيطي-: فإذا وُجِدَت الضرورةُ لقَبْرِ الاثنَيْن، فيَجعل بين كلِّ اثنَيْن حاجزاً، حتى يكون أشْبَهَ بالفَصْل، قالوا "دَرَجَ على ذلك عَمَلُ السلف رحمة الله عليهم"، فكأنه فَصَلَ المَوْضِعَ الأوَّلَ عن المَوْضِعِ الثاني، وحينئذٍ كأنه تَعَدَّدَ القبرُ، كما لو قُبِرُوا بجوار بعضهم مع وجود الحائل مِن التراب. انتهى. وقال ابن قدامة في الكافي: ويَجعل بين كلِّ اثنين حاجزا مِن ترابٍ ليَصِير كلُّ واحدٍ مُنْفَرِدا كأنه في قبرٍ مُنْفَرِدٍ. انتهى.


(تابع ما بعده)


[/FT]

التالي

سؤال ما أفضل كتابٍ عن دلائل النبوة ؟

السابق

لماذا يوجد فقر أين الله من الفقراء

كلمات ذات علاقة
حوار , حول , حكم , الصلاة , في , مسجد , فيه , قبر