شعر الغزل في الجاهلية

مجتمع رجيم / التنمية البشرية وتطوير الذات
كتبت : يجيبك غلاك
-
الجاهلية 111.jpg
يا سيدتي ! لفي بالشاشِ الأبيضِ هذا الجسد الناري

خلي الأمواجَ تلامسهُ حتى القدمين

لا أجملُ من امرأةٍ بين دمي والموجِ تنام

من يوقظُ شمس الرغبةِ في الجسدين ؟؟

أني أشتاق الموتَ على الصدر العاري

أني أشتاقُ حليب العشقِ من النهدين

لا تُبدي خجلاً من عزفي !

لا تُبدي وجعاً من نزفي !

ما زلتُ أحاول أن أثنيكِ كبعضِ حريرٍ من شِعري

ما زلت أحاورُ فيكِ الموتَ على صدري

وأصلي آخر دمعةَ عِشقٍ في العينين

فاقتربي شجرة ميلادٍ يا سيدتي

علّي أسترجِعُ آلهة العشقِ العُذري

وأعلقُ بين أصابع كفيكِ دموعي

خليني أصنع من نظراتُكِ بعض الشِعر

خليني أغرِقُ فيكِ البحر

وأنامُ ، أنامُ ، أنامُ كما الأسطورة يا عمري

***

امرؤ القيس غزل

افاطم مهلا بعض هذا التدلل.
وان كنت قد ازمعت صرمى فاجملى

وان تك قد ساءتك منى خليقة
فسلى ثيابى من ثيابك تغتسل

اغرك منى ان حبك قاتلى
وانك مهما تامرى القلب يفعل

وانك قسمت الفؤاد فنصفه
قتيل ونصف بالحديد مكبل

وما ذرفت عيناك الا لتضربى
بسهميك في اشعار قلب مقتل

اذا ما الثريا في السماء تعرضت
تعرض اثناء الوشاح المفضل

خرجت بها امشى تجر وراءنا
على اثرينا ذيل مرط مرحل

شعر طرفة بن العبد

أتعْرِفُ رسمَ الدارِ قَفْراً مَنازِلُهْ

كجفْنِ اليمانِ زخرفَ الوشيَ ماثلُهْ

بتثليثَ أو نجرانَ أو حيثُ تلتقي

منَ النّجْدِ في قِيعانِ جأشٍ مسائلُه

دِيارٌ لِسلْمى إذ تصِيدُكَ بالمُنى

وإذ حبلُ سلمى منكَ دانٍ تواصُلُه

وإذ هيَ مثلُ الرّئمِ، صِيدَ غزالُها

لها نظرٌ ساجٍ إليكَ تواغِلُه

غَنِينا، وما نخشى التّفرّقَ حِقبَة ً،

كِلانا غَريرٌ، ناعِمُ العيش باجِلُه

لياليَ أقتادُ الصِّبا ويقودُني

يجولُ بنا ريعانُهُ ويُحاولُه

سما لكَ من سلْمى خيالٌ ودونَها

سَوَادُ كَثِيبٍ، عَرْضُهُ فأمايِلُهْ

فذَو النيرِ فالأعلامُ من جانب الحمى

وقُفٌّ كظَهْرِ التُّرْسِ تجري أساجله

وأنَّى اهتدَتْ سلمى وسائلَ بينَنَا

بَشاشَة ُ حُبٍّ، باشرَ القلبَ داخِلُهْ

وكم دونَ سلمى من عدوٍّ وبلدة ٍ

يَحارُ بها الهادي، الخفيفُ ذلاذلُه

يَظَلُّ بها عَيرُ الفَلاة ِ، كأنّهُ

رقيبٌ يخافي شخصَهُ ويضائلُهْ

وما خلتُ سلمى قبلَها ذاتَ رجلة ٍ

إذا قسوريُّ اللّيلِ جيبتْ سرابلهْ

وقد ذهبَتْ سلمى بعقلِكَ كلَّهِ

فهَلْ غيرُ صَيدٍ أحْرَزَتْهُ حَبائِله

كما أحْرَزَتْ أسْماءُ قلبَ مُرَقِّشٍ

بحُبٍّ كلمْعِ البَرْقِ لاحتْ مَخايله

وأنْكَحَ أسْماءَ المُرَاديَّ، يَبْتَغي

بذلكَ عوفٌ أن تصابَ مقاِتله

فلمَّا رأَى أنْ لا قرارَ يقرُّهُ

وأنّ هوَى أسماء لابُدّ قاِتله

ترحلَ من أرضِ العراقِ مرقشٌ

على طربٍ تهوي سراعاً رواحِله

إلى السروِ أرضٌ ساقه نحوها الهوى

ولم يدرِ أنَّ الموتَ بالسّروِ غائلهْ

فغودِرَ بالفَرْدَين: أرضٍ نَطِيّة ٍ،

مَسيرَة ِ شهْرٍ، دائبٍ لا يُوَاكِله

فيا لكَ من ذي حاجة ٍ حيلَ دونَها

وما كلُّ ما يَهوَى امرُؤ هو نائِله

فوجدي بسلمى مثلُ وَجْدِ مُرَقِّشٍ،

بأسْماءَ، إذ لا تَستفيقُ عَواذِله

قضى نَحْبَهُ، وَجداً عليها مُرَقِّشٌ،

وعُلّقْتُ مِنْ سَلمى خَبالاً أُماطله

لعمري لموتٌ لا عقوبة َ بعدَهُ

لذي البثِّ أشفى من هوى ً لا يزايِله

ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي

امرؤ القيس

ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي

وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي

وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ

قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ

وَهَل يَعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه

ثَلاثِينَ شهراً في ثَلاثَة ِ أحوَالِ

دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي خَالِ

ألَحّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطّالِ

وتحسبُ سلمى لا تزالُ ترى طَلا

من الوَحشِ أوْ بَيضاً بمَيثاءِ مِحْلالِ

وتحسِبُ سلمى لا نزالُ كعهدنا

بوَادي الخُزَامى أوْ على رَسّ أوْعالِ

لَيَاليَ سَلَمى إذْ تُرِيكَ مُنْصَّباً

وجيداً كجيد الرئم ليس بمعطال

ألا زعمت بسبابة ُ اليوم أنّني

كبرت وأن لا يحسنُ اللّهو أمثالي

كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ

وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي

وَيَا رُبّ يَوْمٍ قَد لهَوْتُ وَلَيْلَة ٍ

بِآنِسَة ٍ كَأنّهَا خَطُّ تِمْثَالِ

يُضيءُ الفِراشُ وَجهَها لِضَجيعِها

كَمِصباحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذَبّالِ

كأنَّ على لباتها جمرَ مُصطل

أصاب غضى جزلاً وكفِّ بأجذال

وَهَبّتْ لهُ رِيحٌ بمُخْتَلَفِ الصُّوَا

صباً وشمال في منازلِ قفّال

ومِثْلِكِ بَيضاءِ العوارِضِ طَفْلة ٍ

لعوبٍ تُنَسِّيني، إذا قُمتُ، سِربالي

إذا ما الضجيعُ ابتزها من ثيابها

تَمِيلُ عَلَيهِ هُونَة ً غَيرَ مِجْبالِ

كحِقْفِ النَّقَا يَمشِي الوَليدَانِ فوْقَه

بما احتسبا من لين مس وتسهال

لَطِيفَة ُ طَيّ الكَشْح غيرُ مُفَاضَة ٍ

إذَا انْفَتَلَتْ مُرْتجّة ً غَيرَ مِثقالِ

تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها

بيَثْرِبَ أدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ

نَظَرتُ إِلَيها وَالنُجومُ كَأَنَّها

مَصابيحُ رُهبانٍ تَشُبُّ لِقَفّالِ

سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها

سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ

فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي

أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي

فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً

وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي

حَلَفتُ لَها بِاللَهِ حِلفَةَ فاجِرٍ

لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صالِ

فَلَمّا تَنازَعنا الحَديثَ وَأَسمَحَت

هَصَرتُ بِغُصنٍ ذي شَماريخَ مَيّالِ

وَصِرنا إِلى الحُسنى وَرَقَّ كَلامُنا

وَرُضتُ فَذَلَّت صَعبَةٌ أَيَّ إِذلالِ

فَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَأَصبَحَ بَعلُها

عَلَيهِ القَتامُ سَيِّئَ الظَنِّ وَالبالِ

يَغُطُّ غَطيطَ البَكرِ شُدَّ خِناقُهُ

لِيَقتُلَني وَالمَرءُ لَيسَ بِقَتّالِ

أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي

وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ

وَلَيسَ بِذي رُمحٍ فَيَطعَنُني بِهِ

وَلَيسَ بِذي سَيفٍ وَلَيسَ بِنَبّالِ

أَيَقتُلَني وَقَد شَغَفتُ فُؤادَها

كَما شَغَفَ المَهنوءَةَ الرَّجُلُ الطّالي

وَقَد عَلِمَت سَلمى وَإِن كانَ بَعلُها

بِأَنَّ الفَتى يَهذي وَلَيسَ بِفَعّالِ

وَماذا عَلَيهِ إِن ذَكَرتُ أَوانِساً

كَغِزلانِ رَملٍ في مَحاريبِ أَقيالِ

وَبَيتِ عَذارى يَومَ دَجنٍ وَلَجتُهُ

يَطُفنَ بِجَبّاءِ المَرافِقِ مِكسالِ

سِباطُ البَنانِ وَالعَرانينِ وَالقَنا

لِطافَ الخُصورِ في تَمامٍ وَإِكمالِ

نَواعِمُ يُتبِعنَ الهَوى سُبُلَ الرَّدى

يَقُلنَ لِأَهلِ الحِلمِ ضُلَّ بِتِضلالِ

صَرَفتُ الهَوى عَنهُنَّ مِن خَشيَةِ الرَّدى

وَلَستُ بِمُقليِّ الخِلالِ وَلا قالِ

كَأَنِّيَ لَم أَركَب جَواداً لِلَذَّةٍ

وَلَم أَتَبَطَّن كاعِباً ذاتَ خِلخالِ

وَلَم أَسبَإِ الزِقَّ الرَويَّ وَلَم أَقُل

لِخَيلِيَ كُرّي كَرَّةً بَعدَ إِجفالِ

وَلَم أَشهَدِ الخَيلَ المُغيرَةَ بِالضُّحى

عَلى هَيكَلٍ عَبلِ الجُزارَةِ جَوّالِ

سَليمَ الشَظى عَبلَ الشَوى شَنَجَ النَّسا

لَهُ حَجَباتٌ مُشرِفاتٌ عَلى الفالِ

وَصُمٌّ صِلابٌ ما يَقينَ مِنَ الوَجى

كَأَنَّ مَكانَ الرِّدفِ مِنهُ عَلى رَألِ

وَقَد أَغتَدي وَالطَّيرُ في وُكُناتِها

لِغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ رائِدُهُ خالِ

تَحاماهُ أَطرافُ الرِّماحِ تَحامِياً

وَجادَ عَلَيهِ كُلُّ أَسحَمَ هَطّالِ

بِعَجلَزَةٍ قَد أَترَزَ الجَريُ لَحمَها

كَميتٍ كَأَنَّها هِراوَةُ مِنوالِ

ذَعَرتُ بِها سِرباً نَقِيّاً جُلودُهُ

وَأَكرُعُهُ وَشيُ البُرودِ مِنَ الخالِ

كَأَنَّ الصُوارَ إِذ تَجَهَّدَ عَدوُهُ

عَلى جَمَزى خَيلٍ تَجولُ بِأَجلالِ

فَجالَ الصُوارُ وَاِتَّقَينَ بِقَرهَبٍ

طَويلِ الفِرا وَالرَّوقِ أَخنَسَ ذَيّالِ

فَعادى عِداءً بَينَ ثَورٍ وَنَعجَةٍ

وَكانَ عِداءُ الوَحشِ مِنّي عَلى بالِ

كَأَنّي بِفَتخاءِ الجَناحَينِ لَقوَةٍ

صَيودٍ مِنَ العِقبانِ طَأطَأتُ شِملالي

تَخَطَّفُ خَزّانَ الشُرَيَّةِ بِالضُّحى

وَقَد حَجَرَت مِنها ثَعالِبُ أَورالِ

كَأَنَّ قُلوبَ الطَيرِ رَطباً وَيابِساً

لَدى وَكرِها العُنّابُ وَالحَشَفُ البالي

فَلَو أَنَّ ما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ

كَفاني وَلَم أَطلُب قَليلٌ مِنَ المالِ

وَلَكِنَّما أَسعى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ

وَقَد يُدرِكُ المَجدَ المُؤَثَّلَ أَمثالي

وَطا المَرءُ ما دامَت حُشاشَةُ نَفسِهِ

بِمُدرِكِ أَطرافِ الخُطوبِ وَلا آلي

صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو

زهير بن أبي سُلمى

صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو

وَأقْفَرَ من سَلمى التّعانيقُ فالثّقْلُ

وقد كنتُ مِن سَلمَى سِنينَ ثَمانياً

على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ، وما يحلُو

وكنتُ إذا ما جئتُ، يوماً لحاجة ٍ

مضَتْ وأجَمّتْ حاجة ُ الغدِ ما تخلو

وكلُّ محبٍّ أعقبَ النأيُ لبهُ

سلوَّ فؤادٍ، غير لبكَ ما يسلُو

تَأوّبَي ذِكْرُ الأحِبّة ِ بَعدَما

هَجعتُ ودوني قُلّة ُ الحَزْن فالرّمْلُ

فأقسمتُ جهداً بالمنازلِ من منى ً

وما سحفتْ فيهِ المقاديمُ، والقملُ

لأرْتَحِلَنْ بالفَجْرِ ثمّ لأدأبَنْ

إلى اللَّيْلِ إلاّ أنْ يُعْرّجَني طِفْلُ

إلى مَعشَرٍ لم يُورِثِ اللّؤمَ جَدُّهُمْ

أصاغرهُم، وكلُّ فحلٍ لهُ نجلُ

تربصْ، فإنْ تقوِ المروراة ُ منهمُ

وداراتُها لا تُقْوِ مِنْهُمْ إذاً نخْلُ

وما يَكُ مِنْ خَيرٍ أتَوْهُ فإنّمَا

وجِزْعَ الحِسا منهُمْ إذا قَلّ ما يخلو

بلادٌ بها نادَمْتُهُمْ وألِفْتُهُمْ،

فإنْ تُقْوِيَا مِنْهُمْ فإنّهُما بَسْلُ

إذا فزعوا طاروا، إلى مستغيثهم،

طوالَ الرّماحِ، لا قصارٌ، لا عزلُ

بخيلٍ، عليها جنة ٌ، عبقرية ٌ

جَديرونَ يَوْماً أن يَنالُوا فيَستَعلُوا

وإنْ يُقْتَلُوا فيُشْتَفَى بدِمائِهِمْ

وكانُوا قَديماً مِنْ مَنَاياهُمُ القَتلُ

عَلَيها أُسُودٌ ضارِياتٌ لَبُوسُهُمْ

سوابغُ بيضٌ، لا يخرقُها النّبلُ

إذا لَقِحَتْ حَرْبٌ عَوَانٌ مُضِرّة ٌ

ضروسٌ تهرُّ الناسَ أنيابها عصلُ

قُضاعِيّة ٌ أوْ أُخْتُها مُضَرِيّة ٌ

يحرقُ في حافاتها الحطبُ الجزلُ

تَجِدْهُمْ على ما خَيّلَتْ همْ إزاءها

وَإنْ أفسَدَ المالَ الجماعاتُ والأزْلُ

يحشونها، بالمشرفية ِ، والقنا

وَفِتيانِ صِدْقٍ لا ضِعافٌ ولا نُكلُ

تِهامونَ نَجْدِيّونَ كَيْداً ونُجعَة ً

لكُلّ أُناسٍ مِنْ وَقائِعهمْ سَجْلُ

هُمُ ضَرَبُوا عَن فَرْجِها بكَتيبَة ٍ

كبيضاءِ حرسٍ، في طوائفها الرّجلُ

مَتى يَشتَجرْ قوْمٌ تقُلْ سرَواتُهُمْ:

هُمُ بَيْنَنا فهُمْ رِضًى وَهُمُ عدْلُ

همُ جددوا أحكامَ كلِّ مضلة ٍ

منَ العُقْمِ لا يُلْفى لأمثالِها فَصْلُ

بعزمة ِ مأمورٍ، مطيعٍ، وآمرٍ

مطاعٍ فلا يلفَى لحزمهمُ مثلُ

ولستُ بلاقٍ، بالحجازِ، مجاوراً

ولا سفراً إلاَّ لهُ منهمُ حبلُ

بلادٌ بهَا عَزّوا مَعَدّاً وغَيْرَهَا،

مَشارِبُها عذْبٌ وأعلامُها ثَمْلُ

وهم خير حيٍّ، من معدٍّ، علمتهمْ

لهم نائلٌ في قومهم ولهم فضلُ

فَرِحْتُ بما خُبّرْتُ عن سيّدَيكُمُ

وكانا أمرأينِ كلُّ شأنهما يعلو

رأى اللهُ، بالإحسانِ، ما فعلا بكمُ

فأبْلاهُما خَيرَ البَلاءِ الذي يَبْلُو

تَدارَكْتُما الأحلافَ قد ثُلّ عَرْشُها

وذبيانَ قد زلت بأقدامها النّعلُ

فأصْبَحتُما منهَا على خَيرِ مَوْطِنٍ

سَبيلُكُما فيهِ، وإن أحزَنوا، سَهلُ

رأيتُ ذوي الحاجاتِ، حولَ بيوتهم

قطيناً لهم حتّى إذا أنبتَ البقلُ

هنالكَ إنْ يستخبلوا المالَ يخبلوا

وإنْ يسألوا يعطوا، وإنْ ييسروا يغلوا

وفيهمْ مقاماتٌ، حسانٌ وجوهها

وأندية ٌ، ينتابها القولُ، والفعلُ

وإنْ جئتهم ألفيتَ حولَ بيوتهم،

مجَالسَ قد يُشفَى بأحلامِها الجَهلُ

وإنْ قامَ فيهِمْ حامِلٌ قال قاعِدٌ:

رَشَدْتَ فلا غُرْمٌ عليكَ وَلا خَذْلُ

على مكثريهم حقُّ من يعتريهمُ

وعندَ المقلينَ السّماحة ُ، والبذلُ

سعى بعدهم قومٌ، لكي يدركوهمُ

فلَمْ يَفعَلُوا ولم يُليموا ولم يألُوا

فما كانَ، من خيرٍ، أتوه فإنَّما

تَوَارَثَهُمْ آبَاءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ

هل ينبتُ الخطيَّ إلاَّ وشيجهُ

وتُغرَسُ، إلاّ في مَنابِتِها، النّخْلُ

قصيدة ليتَ هِنداً أنجزتنا ما تَعِد

لَيتَ هِنداً أنجَزتنا ما تَعدْ وشَفَتْ أنفُسَنا مِمَّا تَجِدْ

واستَبدَّتْ مرةً واحدةً إنَّما العَاجزُ مَن لا يَستبِدْ

زَعَموها سَأَلَت جاراتِها وَتَعَرَّت ذاتَ يَومٍ تَبتَرِدْ

أكَما يَنعَتُني تُبصِرنَني عَمرَكُنَّ اللهَ، أَم لا يَقتَصِدْ؟

طَفلَةٌ بارِدَةُ القَيظِ إِذا مَعمَعانُ الصَيفِ أَضحى يَتَّقِدْ

سُخنَةُ المَشتى لِحافٌ لِلفَتى تَحتَ لَيلٍ حينَ يَغشاهُ الصَّرَدْ

حَدَّثوني أَنَّها لي نَفَثَت عُقَداً يا حَبَّذا تِلكَ العُقَدْ

كُلَّما قُلتُ مَتى ميعادُنا ضَحِكَت هِندٌ وَقالَت بَعدَ غَدْ

***

رُوِي أن أبا نواس ذهب في صباه مع جماعة من الشعراء إلى الخصيب لما ولاّه الرشيد على مصر يريدون مدحه و كان الخصيب عبدًا عند الرشيد.
وفي الطريق كانوا يعرضون قصائدهم التي سيلقونها على الوالي فطلبوا من أبي نواس أن ينشدهم قصيدته فقال:

اللَّيْلُ لَيْلٌ وَ النَّهَارُ نَهَارُ
وَ البَغْلُ بَغْلٌ وَ الحِمَارُ حِمَارُ

وَ الدِّيكُ دِيكٌ وَ الدَّجَاجَةُ زَوْجُهُ
وَ كِلاهُمَا طَيْرٌ لَهُ مِنْقَارُ

فضحكوا منه وسخروا.
فلما وصلوا إلى الوالي أنشد كلٌ قصيدته فلما جاء دور أبي نواس بدأ الشعراء يضحكون.
فإذْ به يلقي قصيدة من أربعين بيتًا منها:

*****

تَقولُ الَّتي عَن بَيتِها خَفَّ مَركَبي
عَزيزٌ عَلَينا أَن نَراكَ تَسيرُ

أَما دونَ مِصرٍ لِلغِنى مُتَطَلَّبٌ
بَلى إِنَّ أَسبابَ الغِنى لَكَثيرُ

فَقُلتُ لَها وَاستَعجَلَتها بَوادِرٌ
جَرَت فَجَرى في جَريِهِنَّ عَبيرُ

ذَريني أُكَثِّر حاسِديكِ بِرِحلَةٍ
إِلى بَلَدٍ فيهِ الخَصيبُ أَميرُ

إِذا لَم تَزُر أَرضَ الخَصيبِ رِكابُنا
فَأَيَّ فَتىً بَعدَ الخَصيبِ تَزورُ

فَتىً يَشتَري حُسنَ الثَناءِ بِمالِهِ
وَ يَعلَمُ أَنَّ الدائِراتِ تَدورُ

فَما جازَهُ جودٌ وَ لا حَلَّ دونَهُ
وَ لَكِن يَصيرُ الجودُ حَيثُ يَصيرُ

فَلَم تَرَ عَيني سُؤدُداً مِثلَ سُؤدُدٍ
يَحِلُّ أَبو نَصرٍ بِهِ وَ يَسيرُ

زَها بِالخَصيبِ السَيفُ وَ الرُمحُ في الوَغى
وَ في السِلمِ يَزهو مِنبَرٌ وَ سَريرُ

وَ إِنّي جَديرٌ إِذ بَلَغتُكَ بِالمُنى
وَ أَنتَ بِما أَمَّلتُ مِنكَ جَديرُ

فَإِن تولِني مِنكَ الجَميلَ فَأَهلُهُ
وَ إِلّا فَإِنّي عاذِرٌ وَ شُكورُ

فذهل الشعراء منه و قالوا: ما منعك أن تنشدنا هذه القصيدة عندما طلبنا منك ذلك
فقال: خشيت أن تعجبكم فتسرقونها.

ويقال إن الأمين لما تولى الخلافة قال لأبي نواس ،و كان من شعرائه المقربين:
إذا كنت قلت في الخصيب الذي هو عبد عندنا:

إِذا لَم تَزُر أَرضَ الخَصيبِ رِكابُنا
فَأَيَّ فَتىً بَعدَ الخَصيبِ تَزورُ

فماذا أبقيت لنا؟
قال: أبقيت يا أمير المؤمنين قولي فيكم:

إِذا نَحنُ أَثنَينا عَلَيكَ بِصالِحٍ
فَأَنتَ كَما نُثني وَ فَوقَ الَّذي نُثْني

وَ إِن جَرَتِ الأَلفاظُ مِنّا بِمِدحَةٍ
لِغَيرِكَ إِنساناً فَأَنتَ الَّذي نَعْني

ـــــــ

عارية مثل البحر

للشاعر محمد حرب الرمحي

ما زلتُ أُفتِشُ في العينينِ عن اللوّنِ اللوزي

ما زلتُ أُنقّبُ في الجسدِ الأغريقي عن الألوان

أعتنقُ الرسمَ على سجادة نهديكِ

أحترِفُ كتابة لوّن الشِعرِ على حبقٍ من شفتيكِ

فأصير أمامكِ بحر !

ويصيرُ الشاطيء تحت القدمينِ الحافيتين ، كمان

فلتعزِفُ آلهةُ الأحلامِ دمي القاني ،،،، أضواء

وليزخر هذا البحرُ طواويساً من داخل أحداق الشريان

نامي في وجداني مثلَ ملائكة النرجس

واتخذي من شرفةِ هذا الوجعُ الداكنَ في جسدي عنوان

كوني عارية مثل البحر

وامتدي فوق ذراعي شَعر

حتى يكتملُ البدرُ ، ويصِلُ الموجُ إلى الأردان

نامي في السرِ قليلاً فوق الرمشِ الأسودِ كالأحلام

وانبعثي من ضلع وجودي أسراب حمام

الآن وليس غداً …… الآن !

أني هيئتُكِ امرأةٌ من لوّن الشمسِ ، وطعم اللوز

ورسمتُكِ أسطورةَ عشقٍ في شجر الأرز

ألقيتُ عليكِ دمي شِعراً ، وكتبتُكِ فرحاً بالأحزان

أطويني بين ذراعيكِ

أعطيني نظرةَ عينيكِ

ودعي أسراب الشَعرِ تطيرُ على جسدي ، بحنان

فأنا ما زلتُ أُفتِشُ عن جسدٍ من نار

بأصابعِ كفي أعزفهُ ، فتذوب على الجسدِ الأوتار

نرقصُ مثلَ الموجِ ، ونسبحُ في الألحان

هاتي شفتيكِ تُعمدني بالعنبِ نبيذ

العِشقُ تعتّقَ في قلبي، والعشقُ لذيذ

وأنا أهواكِ إلى غاياتِ الموتِ صلاة

الآنَ إذا قبّلتُكِ يصبحُ هذا الموتُ حياة

الآن وليس غداً … الآن !