صناع التعاسة ؟!

مجتمع رجيم / التنمية البشرية وتطوير الذات
كتبت : عبير ورد
-
قبل عدة سنوات قضيت عيد الفطر في القاهرة وفيه زرت إحدى الحدائق العامة في أحد الاحياء الشعبية وقد لاحظت هناك ميزة عجيبة في شريحة البسطاء ماوجدتها عند الكثير ! فالصغار قد لفهم السرور وظللتهم سحائب الفرح فلا تسل عن الزهو وحجم المباهاة بتلك الملابس البسيطة الجديدة التي يرتدونها فتراهم غادين رائحين حيث الضحك المتواصل والارواح الطاهرة والأفئدة النظيفة متحابين متعاطفين لايشكون هما ولا يندبون حظا وغير بعيد من هؤلاء الصغار كان الكبار يرتشفون مشروب( الشربات ) باستمتاع عجيب والنكت تتراقص بينهم والضحكات تتعالى وقد أدهشني هذا المشهد وأعطاني درسا لن أنساه في مهارة ( الاستمتاع باللحظة ) وفن ( تقدير الموجود ) وأيقنت تماما أن العبرة ليست بما نملك إنما بحجم تقديرنا له! وقد أكد هذا المعنى الشاعر الأنكليزي جون ملتون صاحب ملحمة الفردوس المفقود بقوله :
في وسع العقل أن يخلق وهو في مكانه مقيم
جحيما من الجنة أو نعيما من الجحيم0

ويذكر أن شيخا كبيرا جاوز المائة من السنين سئل عن سبب تمتعه بتلك الصحة رغم العمر الطويل فرد بإجابة جميلة عميقة وقال: إنه عندما ينهض من فراشه يعرف أن لديه خيارا عليه اتخاذه إما أن يكون سعيدا أو لايكون وقال انه قرر منذ زمن بعيد أن يكون خياره على الدوام أن يكون سعيدا ! وتلاحظ على الكثير تفضيلهم لخيار التعاسة والشقاء في حياته حيث النفسية المتأزمة والوجه المكفهر والتصرفات الخرقاء وامتهان تصيد الأخطاء والسلبيات وتلمس مواطن الضعف في كل ماحوله! قدرة عجيبة على مهارة ( تشويه الجميل ) وعقليات لاتكن اي تقدير او احترام للحياة ! وهكذا تمضي بهم الأيام في دروب التعاسة والشقاء لأنهم اختاروا أن يقيموا في مواطن البؤس ومستقر الألم 00
ولن أنسى تلك الرحلة البرية قبل سنوات والتي صادفت اجواء ربيعية منتهى الروعة حيث الرذاذ يداعب الوجنات والارض قد راضها كف المطر فتوشحت برداء أخضر فغدت كعروس في ليلة عرسها ولكننا للأسف قد اشغلنا انفسنا طوال الرحلة بالشكوى والتوجع من مجموعة الذباب!! فلم نتغن بالجمال ولم نستمتع بروعة المكان ولم نعط تلك الطبيعة حقها بسبب أمر تافه وقضية حقيرة معه فاتنا الكثير للأسف! وما أحوجنا أن نتعلم إستراتيجية ( الاستمتاع بالموجود ) ! نسعد ونستمتع بأطياف النعم التي تتراءى بين أعيننا نرفل في نعيمها ليل نهار00
والحصول على السعادة لايكون بتعمد تأجيل الفرح لغائب ينتظر ولمفقود يطلب فتفاصيل الحياة عامرة بالامور المفرحة يقول أحد الفلاسفة من لم يسعد بما في يديه فلن يسعد بما سوف يأتيه في المستقبل !
جربي أن تتفاعلي مع ابتسامة القمر ويقظة الفجر وحفيف النسيم وخرير الماء وابتسامة الصغير وتغريد الطير ورنة الحادي ومنتثر الورد 00 استمتعي بتقبيل رأس الوالدين وحضن الولد وحديث الصديقة وغيرها مما يبهج الروح ويسر الخاطر مما تملكه وهي لاتعد ولاتحصى والقاعدة تقول استخدم الشيئ وإلا خسرته! وتلك الدور وهاتيك القصور والضياع والمراكب الوثيرة لن يكون لها أدنى قيمة مالم يستمتع بها0
ومن أعجب ما قرأت في فن صناعة السعادة ماذكر عن مجموعة من المساجين الذين حكم عليهم لمدة عشرين سنة أنهم كانوا يحتفلون يوميا بغروب كل شمس فرحين بانقضاء يوم من أيام سجنهم الطويلة!! لاثياب جديدة تفرح ولا بيوت واسعة تبهج ولا أموال تسعد ولا صحة تسر فماذا نريد ؟
ماأحوجنا أن نضحك كالصغار فالشيئ الصغير يضحكهم وأحيانا من لاشيئ يضحكون !
وهذا ينبع من إحساسهم بأن كل شيئ على مايرام
فلماذا لانكون مثلهم!؟

ومضة قلم
إن منظر الشاكر ونغمة ثنائه وحمده أوقع في السمع من العود في هزجه وأعذب من نغمات معبد في الثقيل الأول 0
( المنفلوطي )0
ودمتم بخير 0
وجمعة مباركة0التعاسة ninja.gif
كتبت : سنبلة الخير .
-
فعلا اختي كلامك صحيح
ومشكورة على هذا الموضوع
وجزاك الله كل خير
كتبت : عبير ورد
-
شكرا لمرورك الكريم المعطر برائحة المسك والعنبر ودمت بخير
كتبت : بحر الجود
-
كتبت : remmoo
-
جزاك الله خيرا

موضوع رائع
كتبت : didi21
-
ممتااااااااااازه يا عبير شكرا لكى
الصفحات 1 2