حكاية عم

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : شمعة قلم
-
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لنا جار يصلي معنا في المسجد... اسمه العم مجلي... رجل طيب بسيط متواضع... كبير السن "شيبة كما يقولون"، هو لكثرة هدوئه، وقلة كلامه...

فالرجل بارك الله -تعالى- في عمره نسمة طيبة، يحضر إلى بيت الله -تعالى-، ثم ينصرف فلا هو يزعج أحدًا عند حضوره ولا ينتبه أحد لغيابه إلا بعد مرور وقت، مخبت النفس، بسام المحيا، متواضع السلوك، تحسبه لتواضعه فقيرًا وهو -ولله الحمد- مستور الحال، بل هو أقرب إلى الغنى.

الغريب أن لهذا الرجل الطيب خصلتان عزّ أن تجدهما في أحد؛ إنهما خصلتا: "القناعة ومواساة الآخرين".

خصلتان لا ترتبطان بغنى ولا فقر، بل هما مرتكزتان في النفوس الكريمة الطيبة التي تحب الله -تعالى-، وتتقرب إليه؛ قال -تعالى-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [سورة هود: 3].

قال سهل بن عبد الله: "المتاع الحسن: ترك الخلق والإقبال على الحق". وقيل: "هو القناعة بالموجود، وترك الحزن على المفقود".

وقديما قالوا:

هـي الـقـناعة لا تبغي بها بدلاً *** فـيـها النعـيـم وفـيها راحـة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير القطن والكفن

فقد حدثني أحد المغتربين أنه يسكن في عمارة العم "مجلي" منذ سنوات، وجاءت طفرة ارتفاع الإيجارات، وبالرغم من حسن خلق العم "مجلي" إلا أنهم توقعوا أنه سيطلب منهم زيادة في إيجارات منزله، فهذا دأب كثير من الناس هذه الأيام، وبالطبع نحن لا نحجر واسعًا فالأمر عرض وطلب، ومشروع أن يزيد المؤجر من قيمة عقاره، لكن المذموم أن يشق بذلك على الناس وهو يدري ويراهم يتألمون فلا يرحمهم، ويتأذون فلا يشفق عليهم.

استعد محدثي للرحيل من المنزل الذي لا يتجاوز إيجاره 1200 ريالاً، وبدأ ذلك المغترب يسأل عن سكن يتناسب مع ميزانيته؛ فهاله أن قيم الإيجارات قد وصلت إلى الضعف، وأن شقة كالتي معه تساوي الآن أربعة آلاف، وأن أقل عقار يصلح لسكنى آدميين لا يقل بأي حال في المنطقة عن 2500 ريال.

وبدا الهم يتسرب إلى نفسه؛ كيف ستفي ميزانيته المتواضعة بهذه القيمة المرهقة؟؟ كيف سينفق بعد ذلك على أسرته إن ضاع كل هذا المبلغ في السكن فقط؟ هموم تتثاقل مطلة من ثقوب الفكر... تتمطى؛ لتجثم على النفس.

ومع إطلالة كل شهر يتربص صاحبنا ويتخوف كل سكان العمارة... عمارة العم "مجلي" أن يأتيهم منه إنذار بالإخلاء أو زيادة الإيجار... ولكن العم مجلي لم يفعل، بل كان -بارك الله فيه- يشعر بخوف المستأجرين فيطمئنهم، ويشيع الحبور بينهم بالرغم من تقدم العمر به وتطاول المرض عليه بما أزعجه فأقعده كارهًا عن صلاة الجماعة بالمسجد؛ إلا أن ذلك زاده إصرارًا على عمله الطيب الكريم، فظل ثابتـًا على مبدئه، وفيًا لجيرانه الذين يعرفهم منذ أمد.

وأنا أعرف أن هناك أمثلة أخرى مثل: العم "مجلي" تعيش بيننا، وتفي لإخوانهم، وتساعدهم؛ فالله -تعالى- في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وهم بحسن نيتهم وطيب خلقهم يفعلون ذلك دون نظر إلى ثناء الناس، بل وأظن أنهم لا يخطر ببالهم أن يؤبن أحد فعلهم الكريم، لكنا نسوق المثل لأولئك الذين ظنوا الحياة مجردة عن معنى التكافل والرحمة، وظنوا الدين حقوقـًا تـُؤدى من غير استشعار لروح الأخوة، ومن غير زيادات تقتضيها الظروف وتحتمها الأحوال.

إن ديننا يا سادة الذي فرض الزكاة مثلاً هو الذي فرض عند الضرورة على الإنسان مزيدًا من النفقة، وطالبه بمزيد من الشفقة، ونفى عنه الإيمان إن لم يفعل؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ» [قال الألباني صحيح لغيره].

أليس في ذلك مطالبة للناس بأن ينفقوا حتى ولو كانوا أخرجوا زكاة أموالهم، وأدوا ما سواها من الفرائض؟!

فهلا اقتدينا بالعم "مجلي"... ؟!

آمل ذلك.






منقووووول
كتبت : ام البنات المؤدبات
-
بارك الله في هذا العم ورزقنا هتين الخصلتين
بارك الله في نقلك الميز
متى بكل الود
كتبت : كلمة صدق
-
ندر في هذا الزمان امثال العم مجلي ..
فالكل الان يجري وراء المادة ونجد اصحاب العقارات يتنافسون من يزيد ايجار بيته عن الاخر متجاهلين ظروف الناس وقلة حيلتهم

شكرا لك شمعة على هذا الطرح المميز
جزاك اله خيرا

دمت بود
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
جزاك الله خير
موضوع رائع ارى ان الكثير ممن يتكالبون على الريال والدينار بحاجته
وان يقتدوا بمثل العم مجلى
والله يهدى ويصلح قلوب المسلمين
وافر تقديرى


التالي
السابق