كل اسبوع لقاء مع كتاب
مجتمع رجيم / قصيدة وشعر
كتبت :
ناصحه
-
ولتكن البداية مع ما انتهت إليه الكاتبة لينا اللوزي.. بقولها ؛
رحم الله الحسين .. وجعل مثواه الجنه آمين يا رب العالمين..
لقد كنت مثال للإنسان الرائع البسيط القوي .. فكنت مثل السيف ذو حدين .. كنت سهلاً ممتنع ..
فالجميع يستطيع الإقتراب منك ,, ولكن أيضاً لا يستطيع أن يتعدى حدوده الواجب عليه مراعاتها ..
سيدي الحسين رحمك الله .. أنا أعشقك عشق أبدي .. وسأبقى مخلصه لك مدى الحياه...
"حطينا الأردن بالقلب .. وإسمك فوقه علمنا"
***
"..... " : أحاديث جلالته بالكتاب
((..... )) : خارج النص.
مقتطفات من مقدمة الكتاب
كانت السيارة ذات اللون المعدني الأسمر من طراز "لينكولن كونتيننتال" تمر متريثه في شوارع عمان المزدحمه وكانت السيارات الملكية تتوقف مراراً امام الأنوار الحمراء ، وكان الحسين بكل تواضع وديمقراطيه يكبح جماح السيارة ويتوقف.
((شهدت هذا المنظر بأم عيني فلقد كان جلالته ينير شارعنا بشكل اسبوعي تقريبا وهو يقوم بزيارة لشقيقته سمو الأميره بسمه حفظها الله ورعاها فهي تسكن بالقرب منا في منطقة الجبيهة.. كانت سيارته "معظم الأحيان مرسيدس كشف" تعبر الشارع ببطء شديد حتى يستطيع التلويح لكل مواطن أحبه ورغب بالسلام عليه وبيوم من الأيام كانت سيارات الحرس ترافقه ظننت بأنه موكب أميري ولم اعتقد بأن جلالته هو من ينير الشارع .. فأردت عبور الشارع إلى الجهة الأخرى وتفاجأت بالزامور القوي جداً من سيارة الحرس الأماميه والتي كانت تريد أن تمنعني من العبور .. وقفت انتظر وإذا بجلالته رحمه الله يوقف سيارته وقوف تام ويؤشر لي بأن أقوم "بقطع الشارع" وابتسم ابتسامه سحريه جداً وقمت بالتلويح له بشده كبيره وارسال قبله كبيره له .. و لا أخفيكم وددت أن أهجم على سيارته وأن أقبل يداه وجبينه العالي..ولكن للأسف كنت خائفه جدأً من الحرس الذي نادراً ما كان يرافقه في زياراته الخاصه ولكن على حظي .. قاموا بمرافقته))
نكمل الحديث:
كنت وقتئذ أجلس إلى جانبه وكان مرافقه العسكري يجلس في المقعد الخلفي، بلاي أي حرس ولا حتى أي دراجة ناريه تتقدم السياره الملكيه ولا أي شرطي.
عرف بعض الماره مليكهم .. فجعلوا يصفقون واتخذ رجال الشرطه الذين كانوا يتولون تنظيم حركة السير موقف التهيؤ، رافعين أيديهم بالتحيه العسكريه وكان الملك بادي السعادة إنه يحب أن يتجول متنكراً بين أبناء شعبه ليتحسس نبضات قلب الأمه ومن بعيد،
(( في يوم من الأيام تنكر جلالة وركب مع سائق تكسي بدوي.. وبدأ المغفور له يتحدث بصفة شخص معارض للملك حسين .. ولكن سائق التكسي أمسك بلحية جلالته وهو لا يعرفه.. و قال له بالحرف الواحد "والله لو ما انا خايف ارتكب بيك جرم غير طخيتك ..كيف تسمح لحالك تحكي عن ملكنا"" فقال له سيدنا الله يرحمه وهو يضحك: " انا حسين يا رجل شوي شوي "
وأنا بدوري أقول هنا يا سيدي هل تشك في حبنا لك .. كنا وما زلنا خدمك الذي لن يخرجوا عن طاعتك بأي يوم من الأيام))
إنطلق صفير أبواق سيارات الحرس الملكي منذراً بإقترابها فتبسم الحسين، ومال عليّ وقال :"مارأيك في أن نسبقهم؟" ثم زاد من سرعة السيارة وانطلق وكان واضحا أن بعض لحظات من الهدوء أو الإسترخاء والراحة نادره بالنسبة للمليك وعزيزه.
طوال هذه الأيام التي أمضيتها في معية العاهل الهاشمي والتي تمكنت خلالها من التحدث إليه طويلاً ومشاهدته كيف يعيش ومن خلال مرافقته في جولاته تبين لي أن الحسين يتمتع إلى أقصى الحدود ببعض لحظات من الحريه، سواء وهو يقود سيارته أو بمعزل عن حرسه الخاص أو وهو يقود طائرته الهيليكوبتر، أو وهو يتحول في البادية لإمعان الفكر والتأمل في مستقبل بلاده أو التحدث إلى البدو " الأكثر إخلاصاً بين المخلصين" أولئك الذين لم يخونوه أبداً والذين وقفوا دوماً إلى جانبه في أحرج وأصعب لحظات حياته.
من أقوال الراحل العظيم:
"إنني أحب هذا الشعب حباً عظيماً فلولاه لما كنت شيئاً مذكوراً"
ونحن نعشقك..
"إن حياتي ملك لشعبي"
وحياتنا ملك لك ولمليكنا المفدى...
"إن مهنتي كملك ليست سهله هينه، وإنني لأرجو أن تؤمن بذلك"
نعلم تماماً بأنك لم تعرف الراحه في حياتك قط.. رحمك الله
سأله فريدون صاحب جيم: ترى هل يخشى الحسين الموت أجاب جلالته الله يرحمه يارب "إنني لا أخشاه إطلاقاً، لأنني رأيته وجهاً لوجه مرات عدة، إنني لا أخشى إلا الله وحده." والنعم بالله يا ملك القلوب .. الله يجعل مثواك الجنه يا حبيب شعبك الوفي.
ويختتم جيم المقدمه ،، بأقوال جلالته
"إنني أبذل كل ما في وسعي لكي تجد الأجيال القادمه ظروفاً حياتية أفضل من ظروفنا" ولكن ما زال أمامنا طريق طويله واجب الإجتياز، طريق مليء بالعقبات ولسوق أكون إلى جانب شعبي لمساعدته على تذليلها"
"ارجو أن نغدو قدوة لسائر الأقطار في هذه المنطقة"
(( ... لقد نفذت ذلك يا سيدي الحبيب .. نعم ذللت كل الصعوبات وجعلت الاردن في طليعة البلدان العربيه وعلى مستوى الشرق الأوسط... لقد قطعنا أشواطاً طويله .. وتحملتنا كثيراً حتى تخرج منا شعباً تتباهى به أمام العالم المتقدم.. وأتمنى أن لا نخيب ظنك بيوم من الأيام..))
يتحدث عن طفولته:
"كانت طفولتي بسيطه وجداً سعيده وكنت دوماً شديد التعلق بوالديّ، لم تكن أسرتنا في الواقع تحيش في بحبوحه وهذا أقل ما يمكن قوله ولا نبالغ إذ قلنا بأننا كنا فقراء... وإليك قصه تصف لك مدى فقرنا:بعد سنه من مجيئي إلى هذه الدنيا ولدت للأسرة طفلة صغيره إلا أنها ماتت بعد شهرين من ولادتها من جراء البرد القارص في عمان فقد قضى عليها مرض ذات الرئة لأننا كنا لا نملك من الموارد ما يسمح بتدفئة بيتنا الصغير."
" وإنني لأذكر رحلة قمنا بها بعد بضع سنين لزيارة ابن عمي فيصل في بغداد فتعلقت نفسي بدب ضخم من القطيفة ولم اكن ارغب في الإنفصال عنه بأي ثمن، ولكن في لحظة العودة إلى عمان اضطررت مع ذلك إلى التسليم بتركه لإبن عمي وقد تمزق قلبي من جراء ذلك وفي اليوم التالي اشترت لي أمي دباً مماثلاً بعد أن باعت آخر حلية كانت في حوزتها"
"وإنني لأذكر زيارة أخرى قمت بها إلى بغداد عندما كان لي من العمر عشر سنين فقدم لي فيصل بمثابة الوداع دراجة متألقه متلألئه وقد كان لي شعور بأنني لن أمتلك أبداً في حياتي شيئا أجمل منها وطوال سنه كامله بقيت الدراجة محتفظة بالجمال واللمعان اللذين كانت عليهما في اليوم الأول وكنت في الصباح والمساء أدلكها وألمعها وأجعلها تضيء وتشع.. وفي أحد الأيام جائتني أمي بلطف وقالت لي: إنني أعرف بأنني سوف أشق عليك ولكن وضعنا المالي يبعث على الهم والقلق فلكي نستطيع الخلاص من هذه الحال لا بد لنا من بيع بعض المتاع الذي لدينا فهل يضايقك يا بني العزيز أن نبيع دراجتك؟؟؟؟"" وقد جاهدت نفسي لاحتباس دموعي "
وقال لي أمي من باب التسريه عني وتعزيتي "إنك تعرف بأن عليك أن تواجه وتتغلب على الكثير من خيبة الأمل كن قوياً فسيأتي يوم تنسى فيه الدراجه وتقود أجمل السيارات" إنني قدت أجمل السيارات فعلا فيما بعد ولكنني لم أنس ابداً هذه الدراجة التي بيعت في اليوم التالي بخمسة دنانير.
"إن الفقر ليس عيباًَ ولقد أثبت لي مستوى معيشتنا المتواضع أنني استطيع ان احيا حياة ابسط من الحياة التي عشتها فيما بعد وعلمني ايضا ان اقدر قيمة المال الى الحد الذي اصبحت فيه الآن أشعر بمتعة كبرى في منح العطايا للمعوزين"
((هكذا انت يا جلالة المغفور له .. متواضع وبسيط جداً ولم تبخل على من دق بابك أبداً .. اعطيتنا المال وقدمت للمحتاجين الشيء الكثير ومنهم من درس على حسابك الخاص ومنهم من تعالج على نفقتك ومنهم من قمت بتزويجه بعد أن سمعت عن قصته حبه العاجزه عن الإكتمال بسبب الفقر.. يالك من ملك رائع .. واتمنى ان نتعلم منك لو شيء بسيط يا ملك البساطه والكبرياء.))
"ايام الدراسه"
"نجحت في أن اسجل نفسي في كلية فيكتوريا بالاسكندرية وهي مؤسسة تمزج التعليم باللغتين العربية والانجليزية، ولذلك فتح أمامي عالم جديد عالم لم أكن أعرفه قط مع ما فيه من رياضة ككرة القدم والكريكت ومن قراءة ومن مصاحبة حقيقية للرفاق وما زلت اذكر تماماً حتى اليوم المهجع الكبير الذي كنت أتقاسمه مع ثلاثين من الفتيان الآخرين ورذاذ الماء المثلج الذي كنت استحم به كل صباح واللباس المدرسي المصنوع من نسيج الصوف الخفيف وقميص الرياضة الخاص بالكلية.. وإنني لأرى نفسي جالساً على حافة سريري بعد ظهر أحد الأيام أحاول جهدي إدخال خيط في ثقب إبره لترقيع قميص الرياضة الذي كنت قد مزقته. وأخيراً نجحت في ذلك لأنني كنت اعرف أن والدي كانا لا يملكان ما يتيح لي شراء قميص آخر"
"إن السنتين اللتين أمضيتهما في كلية فيكتوريا تحسب بين أجمل سنين عمري فقد كنت اتلقى تعليما طبيعيا تماما وأمارس الألعاب الرياضية في الوقت نفسه وكنت اتابع دروسا بالعربية والتعليم الديني واصبحت من امهر اللاعبين بالسيف مما أثار فرح جدي الذي كان يتابع علاماتي المدرسية باهتمام وخلال الفصل الاخير في الاسكندرية فزت بميدالية في لعب السيف وكان سجل علاماتي جيدا تماما فبلغ سرور جدي بذلك حدا كبيرا حملة على رفع درجتي العسكرية الفخرية الى رتبة رئيس".
(سيدنا الله يرحمه كان يتلقى الدروس الخصوصيه .. وأنا هنا أسمع صوت ضحكة جلالتنا لما روى هاي القصه للكاتب ... ..))
"أما أستاذي فقد كان دوماً ينحى عن مهمته لأن جدي نفسه هو الذي كان يبدأ في إلقاء الدروس فقد كان يفتح كتاباً في اللغة العربية أو مجموعة من النصوص الدينية ويقول: "يابني سنبدأ اليوم بهذه الصفحة" ثم يلقي إلى ألأستاذ بنظرة تعوزها حرارة المودة ويقول له "تأكد من أن الأمير فقط قد حفظ دروسة جيداً "
وذات يوم بينما كنت اتابع درسا في اللغة العربية مع استاذ كان قد اختاره بنفسه دخل فجأه إلى حجرة الدراسة وبدأ يلقي علي أسئلة ولقد خيبت أجوبتي أمله إلى الحد الذي جعله يفحص الاستاذ نفسه !!!!!!!!!!!!!!!!!""
(ويستطرد بالحديث عن العلاقه الخاصه التي جمعته مع جده.. وكم كان طفلاً مشاكساً نوعاً ما وفضولي لدرجه لا توصف مما جعل منه قائداً سياسياً محنكاً ..... دعونا نقرأ)
يتحدث عن جده ويقول:" كان لديه احساس عجيب بالدعابة والفكاهة والظرف وكان يتعاطى السعوط دائما، وفي أحد الأيام نسي علبة السعوط وعندما جئته بها جعلت اتفحصها بالفضول الطبيعي الذي يتصف به الأولاد فنظر إلي وقال "كأن ذلك يهمك" فلم أجبه فقال لي : "عليك بالتجربة" وقدم لي قليلاً منه .. ولما كنت لا اعرف ان المسحوق كان قوياً جداً فقد استنشقت كل محتويات العلبة عندها جعلت اعطس دون توقف مدة ساعة بينما كان جدي يقهقه ضاحكاً وهذا كان كافياً بالنسبه لي فلم أتذوق قط هذا النوع من الأشياء."
((وهنا قصه استكشافيه أخـــرى وفيها موقف محرج لجلالته .. أترككم مع الموقف))
"كنت احب جدي واحترمه ولكن علي ان اعترف بأنني كنت افعل بعض الاشياء خفية عنه فمع انني لم ابلغ سوى الخامسة عشرة ، فقد كنت اتدبر امري لتعليم قيادة السيارات بأخذ بعض الدروس فيها أثناء ساعات فراغي وما كنت لأعرف أذا كان جدي على علم بذلك أم لا إلا إنني أميل إلى الإعتقاد بأنه كان يتجاهل الأمر تجاهلاً .. وكنت اخشى أن أطلعه على ذلك مخافة معارضته وهو لم يكتشف سري رسمياً إلا قبل وقت قصير من وفاته فقد جئته مره في السيارة لتناول طعام العشاء وكنت أتهيأ للإستئذان بالإنصراف بأن أوجه إليه دوماً تحية المساء في القصر دون أن يرافقني قط إلى سطح الدرج وخرجت وقفزت إلى داخل السيارة وما كدت أدير المحرك حتى أقبل الملك فتصلبت في مكاني قليلاً ثم نزلت من السيارة لملاقاته.. فقال لي .. "أرى أن تعود إلى البيت"
فأجبت متلعثماً : نعم يا مولاي... فقال: حسن إذهب على مهل وكن حذراً ..
وكان هذا كل شيء ثم عدت إلى البيت وما كدت أن أصل حتى كان جرس الهاتف يقرع وكان جدي على الخط فقال لي " لقد كنت أرغب فقط في أن أتأكد في وصولك سالماً ... ليله سعيدة""
(( شاب مشاكس .. ولكن كل شيء كان يليق بك.. فلولا التجربه والمجازفه لما وصلت لما كنت عليه من رجوله ومعرفه ودرايه ))
ويقول جلالة سيدنا الله يرحمه .. " هذا هو الرجل الذي علمني الشيء الكثير (هنا يقصد جده بالطبع) والذي كان يحبني حباً شديداً والذي أدين له بأكثر مما استطيع أن أقول .. إنه هو الذي قال لي في أحد الأيام:
"تذكر يا بني : إن أهم شيء في الحياة هو أن يكون لدى المرء العزم والتصميم على العمل وأن يكون مستعداً لأني يعطي خير ما في نفسه على الرغم من العوائق ومهما كنت الصعوبات وعندها فقط تستطيع أن تكون مطمئن النفس مع الله ومع ضميرك"
(( لقد سمعت النصيحه ولبيت النداء وتذكرت كلمات جدك ولم تنساها مما جعلك مطمئن النفس مع الله ومع ضميرك))
وهذه حكمه قد تعلمها جلالته:
"مما لا شك فيه أن موته قد أتاح لي أن أوضح مفهومي للحياة وهنالك شيء آخر تعلمته فإذا كانت الحياة لا قيمة لها تقريباً فإن نصيب الإنسان من هذه القيمة أقل""
(ما أجملها من علاقه تلك التي ربطتك بجدك .. وما أجملها من قدوه لك .. لكي تكون قدوة لنا من بعده))
(( نعود للحديث عن أيام الدراسة))
(( التحق جلالته بكلية هارو في انجلترا ويتحدث عن تلك الأيام التي يراها صعبه جداً كبدايات في التعامل مع الإنجليز باللغة الإنجليزية))..
"كانت هارو المؤسسة العلمية المختارة ولا بد لي من الاعتراف بأنني كنت فيها غير سعيد في البداية ولم يكن ذلك عائداً تماماً إلى خطأ شخصي مني فقد كان نطقي للغة الإنجليزية أسوا مما كنت اعتقد إذ بعد سنتين قضيتهما في المدرسة الإنجليزية في مصر وجدت هذه اللغة في هارو مختلفة تماماً كان التحدث بالإنجليزية في الاسكندرية غنائياً وبطيئاً أما في هارو فقد كان التحدث يجري بسرعة فائقة وفي المرة الأولى التي رغب فيها الطلاب في توجيه الكلام إلي لم أفهم نصف الكلمات التي قيلت وفي الصف كان الوضع أسوأ لدرجة أنني لم اتمكن من حفظ دروسي على الوجه الصحيح
لقد وجدت مشقه كبيره من الناحية النفسية في التكيف مع هذا النوع من الحياة إذ انفتح أمامي عالم جديد بتقاليده وعاداته وأنظمته ما أعظم الفارق بين هارو وكلية فيكتوريا!! لقد كان علي أن أعيد تعلم كل شيء .. ومن الغريب أنني كنت أنضج وأرشد من رفاقي فالتربية التي نشأت عليها والعالم الذي تدرجت حياتي فيه قد جعلا مني رجلاً بين أولاد وربما كان هذا هو السبب الذي من أجله لم اقبل فوراً بين اصدقائي الجدد.. بدلاً أن ينادوني باسمي حسين فقط ،، كانوا يفضلوا غالباً ألا يكلموني على الإطلاق لأنهم يراعون بدقه شئون البروتوكول.. اقتصرت أحاديثي معهم طوال أسابيع طويله على كلمتي (صباح الخير) و (مساء الخير) وقد كنت أستشعر بسعادة بالغة عندما كانوا يرتضون الرد عليّ ورويداً رويداً بدأت الأمور تتطور دون أن اشعر بها فتارة كنت أخلو إلى نفسي وتارة كنت أجد نفسي بين طائفة من الأصدقاء وجعلت أمارس الألعاب الرياضية بإزدياد مستمر وكذلك لعبة الرجبي التي اكتشفتها بعد بضعة أسابيع وإنني لأذكر الفرح الذي غمرني في اليوم الذي قام فيه فتى بقذف الكرة إليّ وهو يصيح: هيا يا حسين لقد حان دورك"
" لقد كان لي غرفة صغيرة اسوة بجميع الطلاب وعلى الحائط حفرت الأحرف الأولى من إسمي كانت حجرة غريبة ذات أغرب سرير عرفته في حياتي فهو مصنوع من الحبال والقماش لكي يدمج في الحائط الأمر الذي كان يمكنني من التصرف بكامل الغرفة خصيصاً للعمل فحسب وكان عندي كبقية رفاقي مقعد وخزانة للثياب وطاولة صغيره .. كان هنالك فارق واحد وهو بساط صغير جئت به من الأردن"
((هذا الفارق الوحيد الذي كان يميزك .. وهو ما تميزنا به نحن من خلالك ..))
((بعض المواقف الطريفه التي حصلت معه بفترة الرجوله في ساند هيرست العسكريه ))
"عندما يعرف موعد الإجازات يكون لدينا فترة فراغ لعدة ساعات وكانت بعض إجازاتي محض وهميه لأنهم كانوا يعرضون علي خلالها إمكانية التخصص في موضوعات أخرى ومن حين لآخر كانت النتيجة غير متوقعة مثلاً إتصالي الأول بمحكمة جنايات ...
كان الكثير من الوقار يخيم على هذه الجلسه التي تابعتها بإهتمام بالغ على يسار قاض صارم عابس كان يتلفت إلي بطلف من وقت إلى آخر ليشرح لي النقطة التي كانت تبدو معقدة وكانت الأمور تسير بصوره عاديه ثم اشتد الجو في الجلسه وساد صمت عميق كان جميع الحضو ينتظرون قرار المحكمه ...... وفجأه....... رن في القاعة صوت مخنوق لجرس ساعة ذات منبه ...... .. إنني ما زلت اتصور وجه القاضي كان أحمر من الإرتباك تحت شعره المستعار وقد رفع المحامون اعيناً تنم عن استهوال ما حدث ثم رشقوني بنظرة بارده فقلت متعلثماً بعض كلمات الاعتذار للقاضي وأنا أحاول إيقاف ساعتي ، نظرت إليها خلسة وكانت تشير إلى الساعه الحادية عشر ونصف وما من شك في أن بعض الطلاب الذين كانوا يعرفون بأن علي أن أذهب إلى محكمة الجنايات قد لعبوا معي هذه اللعبه الماكرة بينما كنت أستحم.. وطافت في ذهني بإستمرار فكرة الأخذ بالثأر خصوصاً بعدما تكرر األاعيب حيث قام أحدهم بتنفيس عجلات الدراجه حيث كان الجميع يمتلك دراجه في ساند هيرست من اجل سهولة التنقل لحضور المحاضرات من مكان لآخر .. وبعد فترة وجيزه فكرت بالثأر .. حيث خرجت من غرفتي سراً على أطراف أصابع رجلي وتحت جنح الظلام أفرغت عشر دراجات من هوائها بعد أن احتطت لدراجتي فأودعتها وراء غرفة الحراسه .. ولعلهم شكوا في أمري ولكن أحداً منهم لا يملك أي برهان"
((وهذا موقف آخر)) ..
"كنت أخشى اللحظه التي أعين فيها عريف خفر وهذا يعني أنه خلال فترة اسبوعين علي أن انهض من فراشي في الخامسة صباحاً وأن أعد قائمة المرضى وأن أجمع البريد وأوزعه وأفتح المكاتب إلخ.. ولا سيما أن أكون جاهزاً في أية لحظة خلال النهار لمجابهة اية مشكله.
ولعل من يمن الطالع أن الخدمة لم تدم طويلاً فقد نبئت في مساء أول يوم من مصدر غير رسمي أن العرض الصباحي قد ألغي بالنسبة لليوم التالي وبذلك يستطيع الطلاب إذن أن يتصرفوا بساعة إضافية جميعهم ما عدا الحسين إذ كان علي أن انهض فعلاً في الساعة الخامسة صباحاً .
لم يخبرني أحد رسمياً بهذا التغيير.... في الساعة السادسة وأربعين دقيقة أنهيت عملي المكتبي وكان علي أن اوقظ سريتي فذهبت إذن إلى المهجع وجعلت أذرع الأروقة وأنا اصيح وأدق الأرض برجلي : الساعة السادة وخمس وأربعون دقيقه، إنهضوا يا أفراد سرية أنكرمان لقد حان الوقت دعوا الأسرة جميعاً .
إستقبلتني موجة من الشتائم ولكنني تجاهلتها بوقار ورزانة وواصلت إصدار تعليماتي بصوت عال حتى الساعة السابعة وعشر دقائق إلا أن موجة الشتائم تحولت إلى طوفان من التجاديف والكفر تلاه زخات من المقذوفات المختلفة!.. طأطأت رأسي لتفاديها وتراجعت نحو الباب لم يوقظ صوتي الضخم القوي سريتي فحسب بل السريه المقيمه في الطابق الأسفل والنقيب خفر فيها الذي استدعاني بعد تناول طعام الفطور ورشقني بنظرة ببرودة الثلج ثم قال لي بلهجة ساخرة: يا حسين من الواضح أنك قد أوفيت على الغاية في قيامك بالواجبات التي عهدت إليك فلم تعد في حاجة إلى تعلم أي شيء كعريف خفر عد من الآن إلى نشاطاتك العادية""
(( صوتك الذي أحببناه في خطاباتك الساميه .. وكنت عندما يبث لك خطاب على التلفاز أجلس قبل الموعد بنصف ساعه حتى لا يغيب عني حرف واحد من كلماتك ولكي أمتع أذناي بنبرة صوتك وعندما تصمت قليلاً .. اتلهف لسماع المزيد المزيد.. ..
صوتك.. يا سيدي كم نشتاق إليه الآن ... ضخم قوي وحنون في آن واحد ... الجميع يتمنى لو أنه كان فرداً من أفراد سريتك .. وتيقظه كل صباح بهذا الصوت العذب ))
رحم الله الحسين .. وجعل مثواه الجنه آمين يا رب العالمين..
لقد كنت مثال للإنسان الرائع البسيط القوي .. فكنت مثل السيف ذو حدين .. كنت سهلاً ممتنع ..
فالجميع يستطيع الإقتراب منك ,, ولكن أيضاً لا يستطيع أن يتعدى حدوده الواجب عليه مراعاتها ..
سيدي الحسين رحمك الله .. أنا أعشقك عشق أبدي .. وسأبقى مخلصه لك مدى الحياه...
"حطينا الأردن بالقلب .. وإسمك فوقه علمنا"
سبحان الله.! من يقرأ آخر فصول كتاب مهنتي كملك.. يعرف أن هذا الرجل الذي تربع على عرش الأردن أكثر من 45 سنة لم يكن سعيدآ كما يتخيل كثير من الناس..!! وإليكم هذا النص, الذي روى فيه ذكرياته، والأحداث التي مرت به في حياته حتى مرحلة السبعينيات الميلادية:
"إنني أعتقد بأن من العسير جداً إدراك السعادة في هذه الدنيا سواء كان المرء ملكاً أم إنساناً عادياً؛ ما هي السعادة بالنسبة للأغلبية العظمى من الناس؟ إنها الحصول على عمل مغرٍ ممتع، وعلى راتب جيد، وأسرة لطيفة تستعذبها النفس، والقيام بالرحلات من وقت إلى آخر، وأن يكون للمرء بعض الأصدقاء، وأن يساعد الناس، ويساعدوه.
لقد نلت كل ذلك، وما زال كل ذلك في متناول يدي، ولكن هل يعني هذا حقاً أنني سعيد؟
لا أعتقد ذلك، نعم لقد كانت حياتي خصبة مليئة-كما قلت-ولربما لم يعرف مثلها إلا القليل من الناس، لقد عرفت السراء والضراء، ولعل الضراء رجحت على السراء، وعانيت لحظات في غاية الشدة، ومرت بي فترات في أقصى درجات الضيق، ومرّت بي أوقات كنت أشعر فيها بأنني في منتهى العزلة، وعرفت الحداد والأحزان، والنادر من الفرح، والقليل من السعادة، لقد عرفت كل ما يمكن أن يعرفه كائن بشري: الجوع، والعطش، والإذلال، والهزيمة، والنادر من اليسار والبحبوحة، والقليل من السلام والراحة والابتهاج".
إلى أن قال: "إن حياتي الخاصة والعائلية غير منظمة؛ فأعباء الدولة تحول بيني وبين أن أكون لهذه الكائنات الإنسانية العزيزة الغالية بالقدر الذي أرغب وأتوق إليه، وطالما اضطررت أن أخيب آمالهم في الوقت الذي ينتظرونني فيه؛ لتناول طعام الغداء معي، فأحتبس نفسي مع زائر أجنبي، أو سياسي أردني، ثم في حوالي الساعة الرابعة أو الخامسة بعد الظهر أطلب إحضار بعض الشطائر لآكلها وأنا منهمك في عملي.
أما في المساء فإنني أغادر مائدة العمل في الساعة الثامنة أو التاسعة، ويكون أولادي عندها قد استسلموا إلى الرقاد، وتبقى في انتظاري زوجتي وأولادي ليمنحوني الحرارة التي افتقدتها، والتي أشعر بأنني في مسيس الحاجة إليها "..
&&&
وصدق والله الشاعر العملاق عمر أبو ريشة..
حين قال في قصيدته الخالدة (( الأشقياء.. ))
تـتساءلين عـلام يـحيا هـؤلاء الأشقياء ii؟
الـمتعبون ودربـهم قـفر ومـرماهم iiهـباء
الـواجمون الـذاهلون أمـام نـعش iiالكبرياء
الصابرون على الجراح المطرقون على الحياء
أنـستهم الأيـام مـا ضحك الحياة وما البكاء
أزرت بدنياهم ولـم تـترك لهم فيها iiرجاء
تتساءلين وكيف ادري ما يرون على البقاء ii؟
امـضي لـشأنك اسـكتي أنا واحد من iiهؤلاء
&&&
لتحميل كتاب مهنتي كـ ملك.. إليكم الرابط
http://www.jordan.jo/library/pafiled...on=file&id=131
رحم الله الحسين .. وجعل مثواه الجنه آمين يا رب العالمين..
لقد كنت مثال للإنسان الرائع البسيط القوي .. فكنت مثل السيف ذو حدين .. كنت سهلاً ممتنع ..
فالجميع يستطيع الإقتراب منك ,, ولكن أيضاً لا يستطيع أن يتعدى حدوده الواجب عليه مراعاتها ..
سيدي الحسين رحمك الله .. أنا أعشقك عشق أبدي .. وسأبقى مخلصه لك مدى الحياه...
"حطينا الأردن بالقلب .. وإسمك فوقه علمنا"
***
"..... " : أحاديث جلالته بالكتاب
((..... )) : خارج النص.
مقتطفات من مقدمة الكتاب
كانت السيارة ذات اللون المعدني الأسمر من طراز "لينكولن كونتيننتال" تمر متريثه في شوارع عمان المزدحمه وكانت السيارات الملكية تتوقف مراراً امام الأنوار الحمراء ، وكان الحسين بكل تواضع وديمقراطيه يكبح جماح السيارة ويتوقف.
((شهدت هذا المنظر بأم عيني فلقد كان جلالته ينير شارعنا بشكل اسبوعي تقريبا وهو يقوم بزيارة لشقيقته سمو الأميره بسمه حفظها الله ورعاها فهي تسكن بالقرب منا في منطقة الجبيهة.. كانت سيارته "معظم الأحيان مرسيدس كشف" تعبر الشارع ببطء شديد حتى يستطيع التلويح لكل مواطن أحبه ورغب بالسلام عليه وبيوم من الأيام كانت سيارات الحرس ترافقه ظننت بأنه موكب أميري ولم اعتقد بأن جلالته هو من ينير الشارع .. فأردت عبور الشارع إلى الجهة الأخرى وتفاجأت بالزامور القوي جداً من سيارة الحرس الأماميه والتي كانت تريد أن تمنعني من العبور .. وقفت انتظر وإذا بجلالته رحمه الله يوقف سيارته وقوف تام ويؤشر لي بأن أقوم "بقطع الشارع" وابتسم ابتسامه سحريه جداً وقمت بالتلويح له بشده كبيره وارسال قبله كبيره له .. و لا أخفيكم وددت أن أهجم على سيارته وأن أقبل يداه وجبينه العالي..ولكن للأسف كنت خائفه جدأً من الحرس الذي نادراً ما كان يرافقه في زياراته الخاصه ولكن على حظي .. قاموا بمرافقته))
نكمل الحديث:
كنت وقتئذ أجلس إلى جانبه وكان مرافقه العسكري يجلس في المقعد الخلفي، بلاي أي حرس ولا حتى أي دراجة ناريه تتقدم السياره الملكيه ولا أي شرطي.
عرف بعض الماره مليكهم .. فجعلوا يصفقون واتخذ رجال الشرطه الذين كانوا يتولون تنظيم حركة السير موقف التهيؤ، رافعين أيديهم بالتحيه العسكريه وكان الملك بادي السعادة إنه يحب أن يتجول متنكراً بين أبناء شعبه ليتحسس نبضات قلب الأمه ومن بعيد،
(( في يوم من الأيام تنكر جلالة وركب مع سائق تكسي بدوي.. وبدأ المغفور له يتحدث بصفة شخص معارض للملك حسين .. ولكن سائق التكسي أمسك بلحية جلالته وهو لا يعرفه.. و قال له بالحرف الواحد "والله لو ما انا خايف ارتكب بيك جرم غير طخيتك ..كيف تسمح لحالك تحكي عن ملكنا"" فقال له سيدنا الله يرحمه وهو يضحك: " انا حسين يا رجل شوي شوي "
وأنا بدوري أقول هنا يا سيدي هل تشك في حبنا لك .. كنا وما زلنا خدمك الذي لن يخرجوا عن طاعتك بأي يوم من الأيام))
إنطلق صفير أبواق سيارات الحرس الملكي منذراً بإقترابها فتبسم الحسين، ومال عليّ وقال :"مارأيك في أن نسبقهم؟" ثم زاد من سرعة السيارة وانطلق وكان واضحا أن بعض لحظات من الهدوء أو الإسترخاء والراحة نادره بالنسبة للمليك وعزيزه.
طوال هذه الأيام التي أمضيتها في معية العاهل الهاشمي والتي تمكنت خلالها من التحدث إليه طويلاً ومشاهدته كيف يعيش ومن خلال مرافقته في جولاته تبين لي أن الحسين يتمتع إلى أقصى الحدود ببعض لحظات من الحريه، سواء وهو يقود سيارته أو بمعزل عن حرسه الخاص أو وهو يقود طائرته الهيليكوبتر، أو وهو يتحول في البادية لإمعان الفكر والتأمل في مستقبل بلاده أو التحدث إلى البدو " الأكثر إخلاصاً بين المخلصين" أولئك الذين لم يخونوه أبداً والذين وقفوا دوماً إلى جانبه في أحرج وأصعب لحظات حياته.
من أقوال الراحل العظيم:
"إنني أحب هذا الشعب حباً عظيماً فلولاه لما كنت شيئاً مذكوراً"
ونحن نعشقك..
"إن حياتي ملك لشعبي"
وحياتنا ملك لك ولمليكنا المفدى...
"إن مهنتي كملك ليست سهله هينه، وإنني لأرجو أن تؤمن بذلك"
نعلم تماماً بأنك لم تعرف الراحه في حياتك قط.. رحمك الله
سأله فريدون صاحب جيم: ترى هل يخشى الحسين الموت أجاب جلالته الله يرحمه يارب "إنني لا أخشاه إطلاقاً، لأنني رأيته وجهاً لوجه مرات عدة، إنني لا أخشى إلا الله وحده." والنعم بالله يا ملك القلوب .. الله يجعل مثواك الجنه يا حبيب شعبك الوفي.
ويختتم جيم المقدمه ،، بأقوال جلالته
"إنني أبذل كل ما في وسعي لكي تجد الأجيال القادمه ظروفاً حياتية أفضل من ظروفنا" ولكن ما زال أمامنا طريق طويله واجب الإجتياز، طريق مليء بالعقبات ولسوق أكون إلى جانب شعبي لمساعدته على تذليلها"
"ارجو أن نغدو قدوة لسائر الأقطار في هذه المنطقة"
(( ... لقد نفذت ذلك يا سيدي الحبيب .. نعم ذللت كل الصعوبات وجعلت الاردن في طليعة البلدان العربيه وعلى مستوى الشرق الأوسط... لقد قطعنا أشواطاً طويله .. وتحملتنا كثيراً حتى تخرج منا شعباً تتباهى به أمام العالم المتقدم.. وأتمنى أن لا نخيب ظنك بيوم من الأيام..))
يتحدث عن طفولته:
"كانت طفولتي بسيطه وجداً سعيده وكنت دوماً شديد التعلق بوالديّ، لم تكن أسرتنا في الواقع تحيش في بحبوحه وهذا أقل ما يمكن قوله ولا نبالغ إذ قلنا بأننا كنا فقراء... وإليك قصه تصف لك مدى فقرنا:بعد سنه من مجيئي إلى هذه الدنيا ولدت للأسرة طفلة صغيره إلا أنها ماتت بعد شهرين من ولادتها من جراء البرد القارص في عمان فقد قضى عليها مرض ذات الرئة لأننا كنا لا نملك من الموارد ما يسمح بتدفئة بيتنا الصغير."
" وإنني لأذكر رحلة قمنا بها بعد بضع سنين لزيارة ابن عمي فيصل في بغداد فتعلقت نفسي بدب ضخم من القطيفة ولم اكن ارغب في الإنفصال عنه بأي ثمن، ولكن في لحظة العودة إلى عمان اضطررت مع ذلك إلى التسليم بتركه لإبن عمي وقد تمزق قلبي من جراء ذلك وفي اليوم التالي اشترت لي أمي دباً مماثلاً بعد أن باعت آخر حلية كانت في حوزتها"
"وإنني لأذكر زيارة أخرى قمت بها إلى بغداد عندما كان لي من العمر عشر سنين فقدم لي فيصل بمثابة الوداع دراجة متألقه متلألئه وقد كان لي شعور بأنني لن أمتلك أبداً في حياتي شيئا أجمل منها وطوال سنه كامله بقيت الدراجة محتفظة بالجمال واللمعان اللذين كانت عليهما في اليوم الأول وكنت في الصباح والمساء أدلكها وألمعها وأجعلها تضيء وتشع.. وفي أحد الأيام جائتني أمي بلطف وقالت لي: إنني أعرف بأنني سوف أشق عليك ولكن وضعنا المالي يبعث على الهم والقلق فلكي نستطيع الخلاص من هذه الحال لا بد لنا من بيع بعض المتاع الذي لدينا فهل يضايقك يا بني العزيز أن نبيع دراجتك؟؟؟؟"" وقد جاهدت نفسي لاحتباس دموعي "
وقال لي أمي من باب التسريه عني وتعزيتي "إنك تعرف بأن عليك أن تواجه وتتغلب على الكثير من خيبة الأمل كن قوياً فسيأتي يوم تنسى فيه الدراجه وتقود أجمل السيارات" إنني قدت أجمل السيارات فعلا فيما بعد ولكنني لم أنس ابداً هذه الدراجة التي بيعت في اليوم التالي بخمسة دنانير.
"إن الفقر ليس عيباًَ ولقد أثبت لي مستوى معيشتنا المتواضع أنني استطيع ان احيا حياة ابسط من الحياة التي عشتها فيما بعد وعلمني ايضا ان اقدر قيمة المال الى الحد الذي اصبحت فيه الآن أشعر بمتعة كبرى في منح العطايا للمعوزين"
((هكذا انت يا جلالة المغفور له .. متواضع وبسيط جداً ولم تبخل على من دق بابك أبداً .. اعطيتنا المال وقدمت للمحتاجين الشيء الكثير ومنهم من درس على حسابك الخاص ومنهم من تعالج على نفقتك ومنهم من قمت بتزويجه بعد أن سمعت عن قصته حبه العاجزه عن الإكتمال بسبب الفقر.. يالك من ملك رائع .. واتمنى ان نتعلم منك لو شيء بسيط يا ملك البساطه والكبرياء.))
"ايام الدراسه"
"نجحت في أن اسجل نفسي في كلية فيكتوريا بالاسكندرية وهي مؤسسة تمزج التعليم باللغتين العربية والانجليزية، ولذلك فتح أمامي عالم جديد عالم لم أكن أعرفه قط مع ما فيه من رياضة ككرة القدم والكريكت ومن قراءة ومن مصاحبة حقيقية للرفاق وما زلت اذكر تماماً حتى اليوم المهجع الكبير الذي كنت أتقاسمه مع ثلاثين من الفتيان الآخرين ورذاذ الماء المثلج الذي كنت استحم به كل صباح واللباس المدرسي المصنوع من نسيج الصوف الخفيف وقميص الرياضة الخاص بالكلية.. وإنني لأرى نفسي جالساً على حافة سريري بعد ظهر أحد الأيام أحاول جهدي إدخال خيط في ثقب إبره لترقيع قميص الرياضة الذي كنت قد مزقته. وأخيراً نجحت في ذلك لأنني كنت اعرف أن والدي كانا لا يملكان ما يتيح لي شراء قميص آخر"
"إن السنتين اللتين أمضيتهما في كلية فيكتوريا تحسب بين أجمل سنين عمري فقد كنت اتلقى تعليما طبيعيا تماما وأمارس الألعاب الرياضية في الوقت نفسه وكنت اتابع دروسا بالعربية والتعليم الديني واصبحت من امهر اللاعبين بالسيف مما أثار فرح جدي الذي كان يتابع علاماتي المدرسية باهتمام وخلال الفصل الاخير في الاسكندرية فزت بميدالية في لعب السيف وكان سجل علاماتي جيدا تماما فبلغ سرور جدي بذلك حدا كبيرا حملة على رفع درجتي العسكرية الفخرية الى رتبة رئيس".
(سيدنا الله يرحمه كان يتلقى الدروس الخصوصيه .. وأنا هنا أسمع صوت ضحكة جلالتنا لما روى هاي القصه للكاتب ... ..))
"أما أستاذي فقد كان دوماً ينحى عن مهمته لأن جدي نفسه هو الذي كان يبدأ في إلقاء الدروس فقد كان يفتح كتاباً في اللغة العربية أو مجموعة من النصوص الدينية ويقول: "يابني سنبدأ اليوم بهذه الصفحة" ثم يلقي إلى ألأستاذ بنظرة تعوزها حرارة المودة ويقول له "تأكد من أن الأمير فقط قد حفظ دروسة جيداً "
وذات يوم بينما كنت اتابع درسا في اللغة العربية مع استاذ كان قد اختاره بنفسه دخل فجأه إلى حجرة الدراسة وبدأ يلقي علي أسئلة ولقد خيبت أجوبتي أمله إلى الحد الذي جعله يفحص الاستاذ نفسه !!!!!!!!!!!!!!!!!""
(ويستطرد بالحديث عن العلاقه الخاصه التي جمعته مع جده.. وكم كان طفلاً مشاكساً نوعاً ما وفضولي لدرجه لا توصف مما جعل منه قائداً سياسياً محنكاً ..... دعونا نقرأ)
يتحدث عن جده ويقول:" كان لديه احساس عجيب بالدعابة والفكاهة والظرف وكان يتعاطى السعوط دائما، وفي أحد الأيام نسي علبة السعوط وعندما جئته بها جعلت اتفحصها بالفضول الطبيعي الذي يتصف به الأولاد فنظر إلي وقال "كأن ذلك يهمك" فلم أجبه فقال لي : "عليك بالتجربة" وقدم لي قليلاً منه .. ولما كنت لا اعرف ان المسحوق كان قوياً جداً فقد استنشقت كل محتويات العلبة عندها جعلت اعطس دون توقف مدة ساعة بينما كان جدي يقهقه ضاحكاً وهذا كان كافياً بالنسبه لي فلم أتذوق قط هذا النوع من الأشياء."
((وهنا قصه استكشافيه أخـــرى وفيها موقف محرج لجلالته .. أترككم مع الموقف))
"كنت احب جدي واحترمه ولكن علي ان اعترف بأنني كنت افعل بعض الاشياء خفية عنه فمع انني لم ابلغ سوى الخامسة عشرة ، فقد كنت اتدبر امري لتعليم قيادة السيارات بأخذ بعض الدروس فيها أثناء ساعات فراغي وما كنت لأعرف أذا كان جدي على علم بذلك أم لا إلا إنني أميل إلى الإعتقاد بأنه كان يتجاهل الأمر تجاهلاً .. وكنت اخشى أن أطلعه على ذلك مخافة معارضته وهو لم يكتشف سري رسمياً إلا قبل وقت قصير من وفاته فقد جئته مره في السيارة لتناول طعام العشاء وكنت أتهيأ للإستئذان بالإنصراف بأن أوجه إليه دوماً تحية المساء في القصر دون أن يرافقني قط إلى سطح الدرج وخرجت وقفزت إلى داخل السيارة وما كدت أدير المحرك حتى أقبل الملك فتصلبت في مكاني قليلاً ثم نزلت من السيارة لملاقاته.. فقال لي .. "أرى أن تعود إلى البيت"
فأجبت متلعثماً : نعم يا مولاي... فقال: حسن إذهب على مهل وكن حذراً ..
وكان هذا كل شيء ثم عدت إلى البيت وما كدت أن أصل حتى كان جرس الهاتف يقرع وكان جدي على الخط فقال لي " لقد كنت أرغب فقط في أن أتأكد في وصولك سالماً ... ليله سعيدة""
(( شاب مشاكس .. ولكن كل شيء كان يليق بك.. فلولا التجربه والمجازفه لما وصلت لما كنت عليه من رجوله ومعرفه ودرايه ))
ويقول جلالة سيدنا الله يرحمه .. " هذا هو الرجل الذي علمني الشيء الكثير (هنا يقصد جده بالطبع) والذي كان يحبني حباً شديداً والذي أدين له بأكثر مما استطيع أن أقول .. إنه هو الذي قال لي في أحد الأيام:
"تذكر يا بني : إن أهم شيء في الحياة هو أن يكون لدى المرء العزم والتصميم على العمل وأن يكون مستعداً لأني يعطي خير ما في نفسه على الرغم من العوائق ومهما كنت الصعوبات وعندها فقط تستطيع أن تكون مطمئن النفس مع الله ومع ضميرك"
(( لقد سمعت النصيحه ولبيت النداء وتذكرت كلمات جدك ولم تنساها مما جعلك مطمئن النفس مع الله ومع ضميرك))
وهذه حكمه قد تعلمها جلالته:
"مما لا شك فيه أن موته قد أتاح لي أن أوضح مفهومي للحياة وهنالك شيء آخر تعلمته فإذا كانت الحياة لا قيمة لها تقريباً فإن نصيب الإنسان من هذه القيمة أقل""
(ما أجملها من علاقه تلك التي ربطتك بجدك .. وما أجملها من قدوه لك .. لكي تكون قدوة لنا من بعده))
(( نعود للحديث عن أيام الدراسة))
(( التحق جلالته بكلية هارو في انجلترا ويتحدث عن تلك الأيام التي يراها صعبه جداً كبدايات في التعامل مع الإنجليز باللغة الإنجليزية))..
"كانت هارو المؤسسة العلمية المختارة ولا بد لي من الاعتراف بأنني كنت فيها غير سعيد في البداية ولم يكن ذلك عائداً تماماً إلى خطأ شخصي مني فقد كان نطقي للغة الإنجليزية أسوا مما كنت اعتقد إذ بعد سنتين قضيتهما في المدرسة الإنجليزية في مصر وجدت هذه اللغة في هارو مختلفة تماماً كان التحدث بالإنجليزية في الاسكندرية غنائياً وبطيئاً أما في هارو فقد كان التحدث يجري بسرعة فائقة وفي المرة الأولى التي رغب فيها الطلاب في توجيه الكلام إلي لم أفهم نصف الكلمات التي قيلت وفي الصف كان الوضع أسوأ لدرجة أنني لم اتمكن من حفظ دروسي على الوجه الصحيح
لقد وجدت مشقه كبيره من الناحية النفسية في التكيف مع هذا النوع من الحياة إذ انفتح أمامي عالم جديد بتقاليده وعاداته وأنظمته ما أعظم الفارق بين هارو وكلية فيكتوريا!! لقد كان علي أن أعيد تعلم كل شيء .. ومن الغريب أنني كنت أنضج وأرشد من رفاقي فالتربية التي نشأت عليها والعالم الذي تدرجت حياتي فيه قد جعلا مني رجلاً بين أولاد وربما كان هذا هو السبب الذي من أجله لم اقبل فوراً بين اصدقائي الجدد.. بدلاً أن ينادوني باسمي حسين فقط ،، كانوا يفضلوا غالباً ألا يكلموني على الإطلاق لأنهم يراعون بدقه شئون البروتوكول.. اقتصرت أحاديثي معهم طوال أسابيع طويله على كلمتي (صباح الخير) و (مساء الخير) وقد كنت أستشعر بسعادة بالغة عندما كانوا يرتضون الرد عليّ ورويداً رويداً بدأت الأمور تتطور دون أن اشعر بها فتارة كنت أخلو إلى نفسي وتارة كنت أجد نفسي بين طائفة من الأصدقاء وجعلت أمارس الألعاب الرياضية بإزدياد مستمر وكذلك لعبة الرجبي التي اكتشفتها بعد بضعة أسابيع وإنني لأذكر الفرح الذي غمرني في اليوم الذي قام فيه فتى بقذف الكرة إليّ وهو يصيح: هيا يا حسين لقد حان دورك"
" لقد كان لي غرفة صغيرة اسوة بجميع الطلاب وعلى الحائط حفرت الأحرف الأولى من إسمي كانت حجرة غريبة ذات أغرب سرير عرفته في حياتي فهو مصنوع من الحبال والقماش لكي يدمج في الحائط الأمر الذي كان يمكنني من التصرف بكامل الغرفة خصيصاً للعمل فحسب وكان عندي كبقية رفاقي مقعد وخزانة للثياب وطاولة صغيره .. كان هنالك فارق واحد وهو بساط صغير جئت به من الأردن"
((هذا الفارق الوحيد الذي كان يميزك .. وهو ما تميزنا به نحن من خلالك ..))
((بعض المواقف الطريفه التي حصلت معه بفترة الرجوله في ساند هيرست العسكريه ))
"عندما يعرف موعد الإجازات يكون لدينا فترة فراغ لعدة ساعات وكانت بعض إجازاتي محض وهميه لأنهم كانوا يعرضون علي خلالها إمكانية التخصص في موضوعات أخرى ومن حين لآخر كانت النتيجة غير متوقعة مثلاً إتصالي الأول بمحكمة جنايات ...
كان الكثير من الوقار يخيم على هذه الجلسه التي تابعتها بإهتمام بالغ على يسار قاض صارم عابس كان يتلفت إلي بطلف من وقت إلى آخر ليشرح لي النقطة التي كانت تبدو معقدة وكانت الأمور تسير بصوره عاديه ثم اشتد الجو في الجلسه وساد صمت عميق كان جميع الحضو ينتظرون قرار المحكمه ...... وفجأه....... رن في القاعة صوت مخنوق لجرس ساعة ذات منبه ...... .. إنني ما زلت اتصور وجه القاضي كان أحمر من الإرتباك تحت شعره المستعار وقد رفع المحامون اعيناً تنم عن استهوال ما حدث ثم رشقوني بنظرة بارده فقلت متعلثماً بعض كلمات الاعتذار للقاضي وأنا أحاول إيقاف ساعتي ، نظرت إليها خلسة وكانت تشير إلى الساعه الحادية عشر ونصف وما من شك في أن بعض الطلاب الذين كانوا يعرفون بأن علي أن أذهب إلى محكمة الجنايات قد لعبوا معي هذه اللعبه الماكرة بينما كنت أستحم.. وطافت في ذهني بإستمرار فكرة الأخذ بالثأر خصوصاً بعدما تكرر األاعيب حيث قام أحدهم بتنفيس عجلات الدراجه حيث كان الجميع يمتلك دراجه في ساند هيرست من اجل سهولة التنقل لحضور المحاضرات من مكان لآخر .. وبعد فترة وجيزه فكرت بالثأر .. حيث خرجت من غرفتي سراً على أطراف أصابع رجلي وتحت جنح الظلام أفرغت عشر دراجات من هوائها بعد أن احتطت لدراجتي فأودعتها وراء غرفة الحراسه .. ولعلهم شكوا في أمري ولكن أحداً منهم لا يملك أي برهان"
((وهذا موقف آخر)) ..
"كنت أخشى اللحظه التي أعين فيها عريف خفر وهذا يعني أنه خلال فترة اسبوعين علي أن انهض من فراشي في الخامسة صباحاً وأن أعد قائمة المرضى وأن أجمع البريد وأوزعه وأفتح المكاتب إلخ.. ولا سيما أن أكون جاهزاً في أية لحظة خلال النهار لمجابهة اية مشكله.
ولعل من يمن الطالع أن الخدمة لم تدم طويلاً فقد نبئت في مساء أول يوم من مصدر غير رسمي أن العرض الصباحي قد ألغي بالنسبة لليوم التالي وبذلك يستطيع الطلاب إذن أن يتصرفوا بساعة إضافية جميعهم ما عدا الحسين إذ كان علي أن انهض فعلاً في الساعة الخامسة صباحاً .
لم يخبرني أحد رسمياً بهذا التغيير.... في الساعة السادسة وأربعين دقيقة أنهيت عملي المكتبي وكان علي أن اوقظ سريتي فذهبت إذن إلى المهجع وجعلت أذرع الأروقة وأنا اصيح وأدق الأرض برجلي : الساعة السادة وخمس وأربعون دقيقه، إنهضوا يا أفراد سرية أنكرمان لقد حان الوقت دعوا الأسرة جميعاً .
إستقبلتني موجة من الشتائم ولكنني تجاهلتها بوقار ورزانة وواصلت إصدار تعليماتي بصوت عال حتى الساعة السابعة وعشر دقائق إلا أن موجة الشتائم تحولت إلى طوفان من التجاديف والكفر تلاه زخات من المقذوفات المختلفة!.. طأطأت رأسي لتفاديها وتراجعت نحو الباب لم يوقظ صوتي الضخم القوي سريتي فحسب بل السريه المقيمه في الطابق الأسفل والنقيب خفر فيها الذي استدعاني بعد تناول طعام الفطور ورشقني بنظرة ببرودة الثلج ثم قال لي بلهجة ساخرة: يا حسين من الواضح أنك قد أوفيت على الغاية في قيامك بالواجبات التي عهدت إليك فلم تعد في حاجة إلى تعلم أي شيء كعريف خفر عد من الآن إلى نشاطاتك العادية""
(( صوتك الذي أحببناه في خطاباتك الساميه .. وكنت عندما يبث لك خطاب على التلفاز أجلس قبل الموعد بنصف ساعه حتى لا يغيب عني حرف واحد من كلماتك ولكي أمتع أذناي بنبرة صوتك وعندما تصمت قليلاً .. اتلهف لسماع المزيد المزيد.. ..
صوتك.. يا سيدي كم نشتاق إليه الآن ... ضخم قوي وحنون في آن واحد ... الجميع يتمنى لو أنه كان فرداً من أفراد سريتك .. وتيقظه كل صباح بهذا الصوت العذب ))
رحم الله الحسين .. وجعل مثواه الجنه آمين يا رب العالمين..
لقد كنت مثال للإنسان الرائع البسيط القوي .. فكنت مثل السيف ذو حدين .. كنت سهلاً ممتنع ..
فالجميع يستطيع الإقتراب منك ,, ولكن أيضاً لا يستطيع أن يتعدى حدوده الواجب عليه مراعاتها ..
سيدي الحسين رحمك الله .. أنا أعشقك عشق أبدي .. وسأبقى مخلصه لك مدى الحياه...
"حطينا الأردن بالقلب .. وإسمك فوقه علمنا"
سبحان الله.! من يقرأ آخر فصول كتاب مهنتي كملك.. يعرف أن هذا الرجل الذي تربع على عرش الأردن أكثر من 45 سنة لم يكن سعيدآ كما يتخيل كثير من الناس..!! وإليكم هذا النص, الذي روى فيه ذكرياته، والأحداث التي مرت به في حياته حتى مرحلة السبعينيات الميلادية:
"إنني أعتقد بأن من العسير جداً إدراك السعادة في هذه الدنيا سواء كان المرء ملكاً أم إنساناً عادياً؛ ما هي السعادة بالنسبة للأغلبية العظمى من الناس؟ إنها الحصول على عمل مغرٍ ممتع، وعلى راتب جيد، وأسرة لطيفة تستعذبها النفس، والقيام بالرحلات من وقت إلى آخر، وأن يكون للمرء بعض الأصدقاء، وأن يساعد الناس، ويساعدوه.
لقد نلت كل ذلك، وما زال كل ذلك في متناول يدي، ولكن هل يعني هذا حقاً أنني سعيد؟
لا أعتقد ذلك، نعم لقد كانت حياتي خصبة مليئة-كما قلت-ولربما لم يعرف مثلها إلا القليل من الناس، لقد عرفت السراء والضراء، ولعل الضراء رجحت على السراء، وعانيت لحظات في غاية الشدة، ومرت بي فترات في أقصى درجات الضيق، ومرّت بي أوقات كنت أشعر فيها بأنني في منتهى العزلة، وعرفت الحداد والأحزان، والنادر من الفرح، والقليل من السعادة، لقد عرفت كل ما يمكن أن يعرفه كائن بشري: الجوع، والعطش، والإذلال، والهزيمة، والنادر من اليسار والبحبوحة، والقليل من السلام والراحة والابتهاج".
إلى أن قال: "إن حياتي الخاصة والعائلية غير منظمة؛ فأعباء الدولة تحول بيني وبين أن أكون لهذه الكائنات الإنسانية العزيزة الغالية بالقدر الذي أرغب وأتوق إليه، وطالما اضطررت أن أخيب آمالهم في الوقت الذي ينتظرونني فيه؛ لتناول طعام الغداء معي، فأحتبس نفسي مع زائر أجنبي، أو سياسي أردني، ثم في حوالي الساعة الرابعة أو الخامسة بعد الظهر أطلب إحضار بعض الشطائر لآكلها وأنا منهمك في عملي.
أما في المساء فإنني أغادر مائدة العمل في الساعة الثامنة أو التاسعة، ويكون أولادي عندها قد استسلموا إلى الرقاد، وتبقى في انتظاري زوجتي وأولادي ليمنحوني الحرارة التي افتقدتها، والتي أشعر بأنني في مسيس الحاجة إليها "..
&&&
وصدق والله الشاعر العملاق عمر أبو ريشة..
حين قال في قصيدته الخالدة (( الأشقياء.. ))
تـتساءلين عـلام يـحيا هـؤلاء الأشقياء ii؟
الـمتعبون ودربـهم قـفر ومـرماهم iiهـباء
الـواجمون الـذاهلون أمـام نـعش iiالكبرياء
الصابرون على الجراح المطرقون على الحياء
أنـستهم الأيـام مـا ضحك الحياة وما البكاء
أزرت بدنياهم ولـم تـترك لهم فيها iiرجاء
تتساءلين وكيف ادري ما يرون على البقاء ii؟
امـضي لـشأنك اسـكتي أنا واحد من iiهؤلاء
&&&
لتحميل كتاب مهنتي كـ ملك.. إليكم الرابط
http://www.jordan.jo/library/pafiled...on=file&id=131
كتبت :
didi21
-
ممتازه يا نصوحه يا شاطره