لقطات ليوم القيامه / ل عمرو خالد

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : قلبى بيسال عليك
-
تخيل نفسك في يوم التناد حين يبحث الشباب عن أمة والأب عن أسرته.. تري هل يجدهم؟
24/09/2008
( الحلقة الثالثة والعشرون )
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. مرحبًا بكم. موضوع اليوم مناسب لليالي العشر الأواخر من رمضان، ليالي العتق من النار.اللهم اجعلنا من عُتقائِك. تختلف قصة اليوم عما سردناه من قصص في الأيام الماضية. فاليوم نقص قصة من قصص يوم القيامة، بل هي لقطات من يوم القيامة.
مدرسة التخيل:



منذ حقبة زمنية معينة شعر أحد علماء المسلمين وهو الحارث بن أسد المحاسبي بطغيان المادة على حياة الناس، فقرر أن ينشيء مدرسة فكرية أسماها (مدرسة التوهم)، أي: التخيل. كان يأتي بالناس، ويقص عليهم الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الآخرة، وعن لقاء الله سبحانه وتعالى، والوقوف بين يديه، وعن الجنة والنار، ويطلب منهم أن يتخيلوا أنهم في هذا الموقف. ولاَحظْ أن من يحضر إلى تلك المدرسة تتغير حاله إلى الأفضل بعد أن يتخيل أحداث يوم القيامة ويستحضر هوله. واتضح له أن الحديث عن الآخرة يصلح من أحوال الناس في الدنيا. وفي أحد الأيام طلب من الحاضرين في هذه المدرسة أن يتخيلوا شابًا يدخل الجنة، ويفتح له أحد أبوابها. وقد تساءل الشاب عن سبب فتح هذا الباب له، فأجيب: بأن هذا باب قد فتح لك لأنك سلكت طريقًا تبتغي فيه علمًا في الدنيا. وقد حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على العلم، فقال في حديث رواه مسلم:"ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا الى الجنة"، ثم تبين للعالم أن أحد الحاضرين في هذه الجلسة قد أصبح مهتمًا جدًا بالعلم، فشرع في توسيع هذه المدرسة. فما رأيكم أن ننشيء نحن هذه المدرسة، ونحيا داخلها، ونرى تأثيرها فينا. وسنحكي فيها لقطات ومشاهد من يوم القيامة، سنحكي أمورًا تؤلمنا، وأخرى تسعدنا مثل الحديث عن الجنة. هيا بنا نفتتح مدرسة التخيل، ولنبدأ بيوم القيامة.
يوم التناد:
أولًا: أطلب منكم أن تعيروني انتباهكم، وتتخيلوا أنكم موجودون الآن في هذه اللحظة في يوم القيامة. ويوم القيامة له أسماء كثيرة جدًا، منها: يوم العرض، ويوم الحاقة، ويوم الزلزلة. ولكننا اليوم سنتحدث عن اسم غير معروف ليوم القيامة، سنتحدث عن يوم التناد. وهل هذا اسم من أسماء يوم القيامة؟ وماذا يعني؟ ومن أين أتيت به؟ إنه مذكور في القرآن الكريم، وقد جاء ذكره على لسان مؤمن آل لفرعون:”وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ* يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ...” (غافر32-33) يومٌ ينادي فيه كل الناس بعضهم بعضًا. تخيل معي شاب يبحث عن أمه، وأب يبحث عن أسرته، تُرى هل يجدهم وتتشابك أيديهم، أم يفر كل منهم من الآخر؟ ملائكة تنادي المؤمنين، وشيطان يتبرأ من الفاسقين، ورب ينادي على عباده، ونار تنادي على العصاة، وجنة تنادي على المؤمنين، وأهل النار ينادون أهل الجنة، وأهل النار ينادون خزنة جهنم، وأنبياء يكلمون ربهم. هل تتخيل معي ذلك المشهد العظيم؟! نداءات مختلفة تملأ جو ذلك اليوم العظيم، إنه يوم التناد! ما رأيك أن نسلك الآن منهج مدرسة التخيل، فنتخيل تلك الصور، لنتعظ بها قبل فوات الأوان. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". فما رأيك أن نستغرق اليوم في مدرسة التخيل، ونعيش التخيل لعله يساعدنا أو يساعد بعضنا في تغيير حالهم إلى الأفضل، ويكون سببًا في عِلو همتهم.
النداء الأول:
إنه ليس نداءً، بل هو نفخة في الصور. حين ينفخ الملك الموكل بالنفخ في الصور فتفنى الحياة من على الأرض تمامًا:”وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ...” (الزمر:68) إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينقل لنا تلك الصورة في حديثه الشريف فيقول:” كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر، فينفخ"، ويقول أيضًا:”بُعثتُ أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى".
نداء آخر:
نداء الله للملائكة. ينادي الله -تبارك وتعالى-: يا ملك الموت من بقي؟
- فيقول ملك الموت: لم يبق إلا عبدك جبريل، وعبدك ميكائيل، وملك الموت، والملك الموكل بالنفخ في الصور.
- فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روح ملك الصور. يا ملك الموت من بقي.
- فيرد ملك الموت: جبريل، وميكائيل، وعبدك.
- فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روح ميكائيل. من بقي يا ملك الموت؟
- فيرد ملك الموت: جبريل، وعبدك.
- فينادي الله -عز وجل- يا ملك الموت اقبض روح جبريل. يا ملك الموت من بقي؟
- فيرد ملك الموت: بقي عبدك.
- فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روحك.
ثم ينادي الله: لمن الملك اليوم فلا يجيب أحد لأنه لا يوجد أحد، فيقول الله -تبارك وتعالى-: لله الواحد القهار.”... ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ.” (الزمر:68) تخيل بعد النفخة الثانية ونحن نقوم إلى أرض المحشر؛ لنُحاسب بين يدي الله -عز وجل-، هل تتخيل ذلك المشهد؟ كيف سنقوم بعد الموت؟ وأين نحن؟ وأين ذوينا وأهلنا؟ وكل من عشنا معهم وأحببناهم في الدنيا؟ أول شيء تفعله بعد البعث من الموت البحث عن عائلتك، لكن انتبه إن كانت تلك العائلة مؤمنة ستتشابك أيديهم، ويمسك كل منهم بيد الآخر، وإن كانوا عُصاة فكل منهم سيقول: نفسي نفسي. "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ.” (عبس:34-35) أيتها الأم، تخيلي عند خروجك من الأجداث وأنتِ تنادين أولادك، وقد كنتم -بحمدالله- عائلة مؤمنة ومتماسكة، فتبعثون وقد تشابكت أيديكم. انظر معي إلى تلك الأسرة وهي تتجمع، فتحفهم الملائكة، وتطمئنهم وسط رعب يوم القيامة، وتظللهم “...ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.” (الأعراف:49)، صورة أخرى لأسرة عاصية وهم يفرون من بعضهم بعضًا، وكل منهم يقول: نفسي نفسي. زوج وزوجه يفرون من بعضهم بعضَا، وأخ وأخته يفرون من بعضهم بعضَا، وأب يفر من أولاده، وأولاد يفرون من آبائهم. تخيل أيضًا الله -تبارك وتعالى- ينادي العصاة الذين جعلو لله ندًا في حياتهم، كان لهم من هو أهم من الله في نظرهم. وقد كانوا كلما اشتهت أنفسهم شيئًا فعلوه دون أن يتقوا الله "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكيلًا.” (الفرقان:43) شخص آخر كان جل اهتمامه في حياته المال. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"تعس عبد الدينار.” أي من كان المال هو مبلغ همه. نداء آخر: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.” (القصص:62)، تخيل عندما يأتي كل منهم بشريكه، يأتي أحدهم بماله، والآخر بالخمر، وآخر بالنساء، تُرى أين أنت؟ وهناك من خلط عملًا صالحًا وآخر سيئا إلا أن الله كان هو مركز حياته، بالرغم من أن الدنيا كانت تتخطفه من حين لآخر. كل منا له مركز حياة هو المرجع في أخذ قراراته، فإن كان الله هو مركز حياتك فأنت على الدرب السليم.
نداء الرسل وأقوامهم:
"وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ.” (القصص:65) كيف أجبت محمداً -صلى الله عليه وسلم-؟ بماذا ستجيب؟ هل تستوعب أن هذا الموقف سوف تمر به لا محالة؟ وسوف يحدث لك أنت شخصيًا؟ صورة أخرى سوف تحدث عندما ينادي الله -جل وعلا- على نوح عليه السلام:
- يا نوح، هل بلغت؟
- فيرد نوح: نعم يا رب.
- فيسأل رب العزة قوم نوح: هل بلغكم؟
- فيقولون: ما جاءنا من نذير، ما جاءنا من أحد.
- فيقول نوح: بل بلغت يا رب.
- فيقول الله: من يشهد لك يا نوح؟
- فيقول نوح عليه السلام: محمد وأمته يا الله.
هل تتصور أنك في يوم من الأيام سوف تشهد لنبي الله نوح -عليه السلام- بناء على ما آمنت به في القرآن "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس...” (البقرة:143)
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد:
كل ما مضى حتى الآن وصف لما سوف يحدث يوم القيامة للناس أجمعين، لكن ما الذي سوف يحدث لك أنت وحدك؟ يوم حسابك؟ "وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ.” (قّ27) يايل وأنت تمشي ومعك الملك الموكل بك في الدنيا وهو يسرد أعمالك، كل كلمة، كل غمزة ولمزة "وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ*مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ" (ق:23-25) ويقول قرينه (الشيطان):”قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.” (ق:27) يا الله، كل ذلك سوف يحدث! هل تستشعر وجودك الآن وسط هذا الزحام، وكل تلك النداءات. بل انظر أيضًا هناك متكلم جديد ينضم إلى ذلك الموقف الصعب:”يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ.” (ق:30)، كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من مزيد النار. تخيل يوم يُنَادَى عليك: فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار! تخيل فرحتك وأنت ذاهب للقاء ربك، وأنت تعلم أنك كنت من المتقين، وأنك اتقيت الله في ذنب بعينه، وعملت لهذا اللقاء سنوات وسنوات. ما أحلاها من فرحة وأنت تسير وتعلم أن الله سيوفيك حقك. وتخيل الملائكة وهي تجر أحدهم؛ وهو لا يستطيع أن يسير خوفًا من الله حين تعرض عليه صحائفه. يقول سيدنا علي بن أبي طالب:”إني لأعلم قومًِا سيسقط لحم وجوههم خجلًا حين تعرض فضائحهم على الله!”
النداء باسم العمل:
وفي يوم التناد يُنادَى كل جماعة بعملهم: ليقم الكذابون. تخيل لو قمت معهم! يا لها من فضيحة! ليقم المرائون، ليقم الذين خانوا زوجاتهم، لتقم من خانت زوجها، ليقم المرتشون. ويُنادَى أيضًا أصحاب الأعمال الصالحة_ اللهم اجعلنا منهم_: ليقم المتصدقون، ليقم الصائمون، ليقم قارئو القرآن، ليقم من بكي من خشية الله، ليقم البارون بآبائهم. وينادى: ليقم أهل الفضل، فيقومون وهم قليل، فيسيرون سراعًا إلى الجنة، فتستوقفهم الملائكة، وتقول: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الفضل، فيقولون لهم: وما فضلكم، فيقولون: كنا إذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيئ إلينا غفرنا، وإذا جهل علينا حلمنا فتقول لهم الملائكة: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. وينادى:”...إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.” (الزمر:10) هلموا إلى الجنة بغير حساب.
حوار أهل الجنة وأهل النار:
"وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.” (الأعراف 44)
ثم يؤتى بكبش عظيم، وينادى: يا أهل الجنة أتعرفون ما هذا؟
فيردون: لا.
فيُنادى: يا أهل النار أتعرفون ما هذا؟
فيقولون:لا.
فيرد المنادي: إنه الموت. فيا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت. وينادي أهل النار الملائكة:"وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ.” (غافر 49-50) وعندما يجدون أن كلامهم مع خزنة جهنم لا رجاء منه ينادون مالكًا:”وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.” (الزخرف:77) فينادون الله:” قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ* رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ*قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ.” (المؤمنون106-108) فهيهات، وقد أضاعوا وقت التوبة في الدنيا. اللهم سلم! هيا بنا يا أمة محمد نغتنم وقت الدنيا في التوبة، فيا من ارتكب أي ذنب، هلم إلى التوبة:”...فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.” (آل عمران:185)
نداء الله للمؤمنين:
"يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.” (الزخرف:68) تخيل أن الله يناديك؛ لكيلا تفزع مما يلاقيه الظالمون من عذاب! أنت في مأمن اليوم:"الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ.” (يونس:63)
نداء الصيام والقرآن:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني به، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان" سوف يأتي الصيام مجسدًا يوم القيامة، ويناديك ويدافع عنك، فأتقن صيامك ولو ليوم واحد. كذلك القرآن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في حديث رواه مسلم: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن و أهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة و آل عمران، تحاجان عن صاحبهما" أي: تدافعان عنه، وتشفعان له يوم القيامة. فهنيئًا لكل من حفظهما!
نداء صلة الرحم:
تذهب الرحم وتتعلق في عرش الرحمن، وتقول أمام البشر كلهم: يا رب، ظُلمت، يا رب، أُوذيت، يا رب، قُطعت.
- فيقول لها الله -عز وجل-: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك.
- فقالت: رضيت يا رب.
- فقال: لكِ ذلك.
وتأتي مرة أخرى عند المرور على الصراط، وتقول لك: لا تمر حتى تعطيني حقي.
نداء المظلوم:
يأتي القتيل الذي قتل ظلمًا يوم القيامة، ويبحث عمن قتله حتى يجده، فيأخذ برأسه، ويذهب إلى الله -عز وجل- ويقول له: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ حتى يأخذ له الله حقه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك و تعالى، فقال أحدهما: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تعالى: أعطه مظلمته..
فقال: يا رب، لم يبق من حسناتي شيء..
فقال الله تبارك و تعالى للطالب: فكيف نصنع و لم يبق من حسناته شيء؟
قال: يا رب، فليحمل من أوزاري..
قال: ففاضت عين رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بالبكاء، ثم قال: " من يتحمل عنهم أوزارهم؟ فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك، وانظر في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، و قصورًا من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا؟
قال الله تعالى: هذا لمن أعطى ثمنه..
فقال: يا رب و من يملك ثمنه؟قال الله تعالى: أنت تملكه.
قال: بماذا يا رب؟
قال : بعفوك عن أخيك، قال: يا رب، فإني قد عفوت عنه،قال الله عز و جل: فخذ بيد أخيك فادخلا الجنة.
نداء إبليس في النار:
"وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.” (إبراهيم:22) يخطب فيهم بعد أن أغواهم في الدنيا، وأضلهم، ثم يتبرأ منهم يوم القيامة.
نداء النبي عند الحوض:
تخيل صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ينادي: أمتي! أمتي! فتذهب إليه، فيغترف الماء بيده الشريفة من حوضه، ويسقيك من كفه، وتلامس شفتاك كف النبي الشريفة، وأنت ترتشف الماء، فلا تظمأ بعدها أبدًا.
نداء الله عز وجل على باب الجنة:
يا أهل الجنة، إن لكم أربعة أشياء: لكم أن تحيوا فلا تموتون أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضون أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرمون أبدًا، وإن لكم أن تسعدوا فلا تحزنون أبدًا. يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا فحي على زيارة الرحمن. تخيل أنك ذاهب إلى لقاء ربك، وأمامك أناس على منابر من نور، ومنابر من فضة، ومنابر من ذهب. يحكي ابن القيم حديثًا طويلًا يوم ينادي الله المؤمنين ويلقاهم.
فيناديهم الله -عز وجل-: يا أهل الجنة، سلامٌ علكيم.
- فيقولون: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام.
- فينادي فيهم الله -تبارك وتعالى-: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟
تخيل وأنت ترفع يدك، وأنك معهم، فقد كنت من المؤمنين بالغيب في الدنيا.
فيقول لهم الله: اليوم يوم المزيد، فاسألوني يا أهل الجنة.
- فيتفقون في القول: ارض عنا يا رب.
- فيقول لهم الله: إني لو لم أرضَ عنكم لما أسكنتكم جنتي، ولكن اسألوني يا أهل الجنة.
- فيتفقون في القول على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك.
فتكشف الحجب فينظرون إلى الله -عز وجل-. فلم يعطوا لذة منذ خُلِقوا ألذ وأحب إليهم من النظر إلى وجه الله الكريم، فما منهم من أحد إلا ويحاضره ربه محاضرة، أي: يكلمه.
- فيقول الله -عز وجل-: يا أهل الجنة هل رضيتم؟
- فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة.
- فيقول الله لهم: بقي شيء.
- فيقولون: وما هو يا رب؟
- فيقول: "أرضى عنكم، فلا أسخط عليكم بعدها أبدًا، سلوني يا أهل الجنة، تمن يا عبدي، واشته، فما تمنيت شيئًا إلا وأعطيتك إياه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”فيتمنى العبد حتى إذا انقطعت به الأماني يذكره الله بأمنيات نسي أن يذكرها، ألا تحب كذا؟ أما تريد كذا؟” فتخيل وأنت في قصرك، ولك شاطئك وفواكهك الخاصة، وكل ما تشتهي هو ملك لك، كل ما عليك أن تتمنى.
أرجو أن تفكروا جيدًا، وتتخيلوا فعلًا هذا اليوم من العرض على الله، وقراءة الصحف، واختلاف النداءات حولنا، ترى هل تنادينا الجنة، أم تنادينا النار؟ كل منا يعلم حاله جيدًا، فكفى بنفسك عليك حسيبًا.






منقول