كلمة التوحيد وأثرها في نفس المؤمن
مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
حكمة تشبيه المؤمن بالشجرة
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته، فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر، فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به، فعروقها العلم والمعرفة واليقين، وساقها الإخلاص، وفروعها الأعمال، وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضي، فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور، فإذا كان العلم صحيحا مطابقا لمعلومه الذي أنزل الله كتابه به والاعتقاد مطابقا لما أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله، والإخلاص قائم في القلب والأعمال موافقة للأمر والهدي والدل والسمت مشابه لهذه الأصول مناسب لها
علم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإذا كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار .
ومنها أن الشجرة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها فإذا قطع عنها السقي أوشك أن تيبس، فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر، والتفكر على التذكر، وإلا أوشك أن تيبس
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضى الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه
((إنَّ الإيمَان لَيخلُق فِي جَوف أَحدِكم كَما يَخلق الثَّوب ، فَاسأَلُوا اللهَ أن يُجدِّد الإيمَانَ في قُلوبِكم))
وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك، ومن هنا تعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات، وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وظفها عليها، وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم .
ومنها أن الغرس والزرع النافع
قد أجرى الله سبحانه العادة أنه لا بد أن يخالطه دغل ونبت غريب ليس من جنسه، فإن تعاهده ربه ونقاه وقلعه كمل الغرس والزرع واستوى وتم نباته وكان أوفر لثمرته وأطيب وأزكى، وإن تركه أوشك أن يغلب على الغرس والزرع ويكون الحكم له أو يضعف الأصل ويجعل الثمرة ذميمة ناقصة بحسب كثرته وقلته، ومن لم يكن له فقه نفس في هذا ومعرفة به فإنه يفوته ربح كثير وهو لا يشعر فالمؤمن دائما سعيه في شيئين سقي هذه الشجرة وتنقية ما حولها فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حولها تكمل وتتم والله المستعان وعليه التكلان.
فهذا بعض ما تضمنه هذا المثل العظيم الجليل من الأسرار والحكم ،ولعلها قطرة من بحر بحسب أذهاننا الوقفة وقلوبنا المخطئة وعلومنا القاصرة، وأعمالنا التي توجب التوبة والاستغفار، وإلا فلو طهرت منا القلوب وصفت الأذهان وزكت النفوس وخلصت الأعمال وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله
لشاهدنا من معاني كلام الله وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم وتتلاشى عنده معارف الخلق وبهذا تعرف قدر علوم الصحابة ومعارفهم
وأن التفاوت الذي بين علومهم وعلوم
من بعدهم كالتفاوت الذي بينهم في الفضل،
والله أعلم
حيث يجعل مواقع فضله ومن يختص برحمته.
المصدر
من كتاب إعلام الين عن رب العالمين: ابن قيم الجوزية