كيف تنموا افكار وابداع تلاميذكم
مجتمع رجيم / التربية و التعليم
كتبت :
سحر هنو
-
على التلامذة التفكير على صوت عالٍ والبحث عن الأفكار كالزئبق. هل سبق وأمسكتم يومًا بقطرة زئبق؟ تكون بين يدكم للحظة وفجأة تهرب من بين أصابعكم وتتناثر إلى قطرات. هكذا هي المفاهيم التي نجدها هنا في بحثنا. إنها مثيرة للدهشة، صعبة وتطرح إشكاليات عدة.
يمكننا البحث عن الدلالات ونقاط الارتباط وإيجاد المشاكل واكتشاف طبيعتها والنظر إليها من زاوية مختلفة وحلّها. كذلك يمكننا البحث عن الحقيقة المطلقة، لكننا كلما اقتربنا منها أصبحت أكثر تعقيدًا وصعب إدراكها بالفكر، واحتجنا إلى الجوء إلى المقارنة والتصنيف والحكم والتعليل. إنه عمل شاق!
كم مرّة سمعت أصواتًا في الصف تقول: {ساعدوني! فدماغي يؤلمني من كثرة التفكير، لكن لنحاول أكثر!}
يصبح التلامذة أشبه بالصقور عند اشتمام رائحة فكرة جديدة ويهرعون بالاتجاه المعاكس ويجرّون وراءهم غالباً معلّمة مذهولة! إنه أمر مثير للبهجة وشاق وممتع للغاية!
إليكم بعض التعليقات التي أدلى بها تلامذة حول التفكير بصوت مرتفع على مدى سنوات:
- يمكن التكلم بحرية.
- ليس من محق ومخطئ.
- يمكن مشاركة الأفكار.
- أتعلم كيفية التعبير عن أرائي.
- من الممتع الاستماع إلى الآخرين.
- إنه أمر يفتح آفاق التفكير.
- يساعد في النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة.
- يساعد في الشعور بالفرح عندما أكون حزينًا.
- يمكنني التنفيس عن مشاعري.
- من الجيد أن نعبّر عن أنفسنا من دون أن يقول لنا أحد إننا على خطأ.
- أحب التحدث والتفكير في الأمور التي ألاحظها دومًا.
- إنها الحرية بعينها.
بإجراء نقاش مع التلامذة حول التربية ترى أن الأفكار تتدفق في الاتجاهات كافة، تتناول المسؤولية واللوم والجهل والتربية والحقوق...
كيف تتجلّى أهمية التفكير الجماعي في عمليّة التعليم؟
تلامذة اليوم يحتاجون إلى الوقت من أجل التفكير مليًا وتقليب أوجه النظر والاستكشاف وتوسيع المفاهيم والنظر في مسائل الأخلاق والقيم ضمن مجموعة. من شأن هذا التفكير الجماعي تعزيز:
- الجهوزية لطرح الأسئلة والتساؤل والتأمل والتمتع بحسّ نقدي، ووضع الفرضيات والاستدلال.
- الوعي الفكري والمقارنة واتخاذ القرار وإطلاق الأحكام والتذكر وإقامة الروابط، والإقرار بصحة الأشياء والافتراض والاعتقاد.
- الخبرة في التواصل، والتعبير عن أفكارنا والتأكد والتنافس والإخبار والافتراض ووضع الطروحات.
- الإصغاء إلى أفكار الآخرين، واكتساب خبرة في الاستدلال والتصنيف، وتكوين المفاهيم وإعطاء الحجج، ووضع التعريفات وتعليل النتائج.
- حسّ الملاحظة والتساؤل والقياس والوصف والتقييم، والشرح والتنبوء والتوضيح، والتأمل في عملية التفكير. بهذه الطريقة يطرح المرء الموضوع والطرق المستعملة في التفكير ويعاينها ويتساءل: {هل هذا هو التعليل المنطقي لوجهة نظري}.
- طرح الأسئلة ومحاولة فهم الأفكار الشائعة التي نستعملها يوميًا من دون التفكير بها.
- البحث عن معاني الأمور، والمعاني المفصلة في أفكارنا وأقوالنا.
- التساؤل والغوص عميقًا في أفكارنا.
- التعمّق في الأفكار التي يجدها العقل البشري محيّرة.
الهدف من التفكير بصوت عالٍ ضمن مجموعات يكمن في تطوير المفاهيم الذاتية الإيجابية واحترام الذات التي تؤدي إلى متعلّمين مسؤولين أذكياء مبدعين مستقلين. التلامذة أكثر فضولاً ووعيًا للتكيف مع مستقبل من التغيير.
لماذا يجب تعزيز ورش العمل الفكرية في المدارس؟
البحث عن الأفكار طريقة تعزز نمو التلميذ الشخصي. وتطبيقها جماعياً يهيء التلامذة لحياة فاعلة في العالم، إذ يساعدهم في تطوير مهارات التواصل والتفاعل مع الآخرين.
كذلك ينمي التفكير الجماعي التلامذة اجتماعيًا، فيقدّرون آراء الآخرين ويحترمونها ويحللونها ويحلّون النزاعات ويفاوضون على حلول للمشاكل ويتعلّمون عبر الإصغاء إلى الآخر، ويشرحون مفاهيمهم بطريقة منطقية، ويحافظون على آراءهم ويفهمون أن القيم تدعم الأحكام التي يطلقونها في حياتهم اليوميّة.
يمكن لورش العمل التفكيرية تنشيط وعي التلامذة الاجتماعي. فعبر مناقشة المواضيع جماعياً، يتمكن التلامذة من فهم مزيد عن قوانين الأخلاق الأساسية، والنظام القضائي والمجتمع الذي يعيشون فيه ويقدّرونه. يحتاج التلامذة إلى اكتساب مجموعة واسعة من المهارات، وسلّم قيم خاص بهم ومعرفة الأسباب التي تصنع الديمقراطية والمجتمع السليم وفهمها، إضافة إلى اكتساب عادات التفكير والتحليل النقدي. يمكن لهذه الطريقة في التفكير مساعدتهم في اتخاذ قرارات واعية. فمسائل مهمة عدة كتلوث البيئية، والصراعات المسلّحة والإيدولوجية والقضايا الطبية مثل زراعة الأعضاء، يجب أن تناقش بعناية مع أخذ وجهات النظر كافة بعين الاعتبار.
يمكن لمطاردة الأفكار أن تؤمن البيئة المؤاتية والفرص للتلامذة للتساؤل وإيجاد النواقص والإمكانات، وهذه الطريقة بالتفكير بصوت عالٍ تسلّط الضوء على اهتمامات التلامذة وتجعلهم يبحثون عن الأسباب، وهي تبنى على التساؤل والتشكيك اللذان يميّزان عالم الطفولة.
يمكن لتقنية البحث عن الأفكار التأثير في طريقة التلامذة في القراءة والكتابة، لا سيما أنهم يقرأون ويكتبون بشكل مختلف عن بعضهم البعض. مثلاً، إذا كانت القصص الخرافية الفلكلورية من ضمن برنامجهم المدرسي تكون قضايا مثل: الخير والشر، إطاعة الوالدين، اللطف، الفضول، الصداقة، الإيمان، التقييد بالقوانين، السحر، القبائل، الاستكشاف الذاتي، الاستقلال، المسؤولية، الرحمة... مواضيع مهمة لمناقشتها. وإذا كانوا يدرسون سيرة حياة أحد الكتّاب، فيمكنهم العمل على اكتشاف الأفكار الموجودة في كتبه. روالد دال يطرح مثلاً أسئلة مثيرة للفضول في كتبه: {هل يمكن للأشجار أن تتكلم وتتواصل؟ هل من وجود للعمالقة؟ هل للحيوانات مشاعر؟
كيف تدير المعلمة ورش العمل الفكرية؟
لعلّ الجزء الأصعب في هذه العملية تخلي المعلمة عن استقلاليتها الفكرية. ليصبح رأي كل شخص مقبولاً ويجب أخذه بعين الاعتبار. عندما ينظر التلامذة إلى المعلمة يتوقّعون حلاً لمعضلة ما، لذا يصعب عليها قول {لا أعرف، ماذا تظن أنت؟} فعلى المعلمون أن يكونوا مرنين بما يكفي لمتابعة الحديث حين يتخذ منحى آخر مختلفًا عما يتوقعون.
أثناء النقاشات على المعلمين أن يكونوا مهيّئين تمامًا للأفكار التي ينطوي عليها موضوع ما، لأنهم يديرون دفة النقاش ويجب أن يتأكدوا من حصول الولد الخجول على فرصة للكلام بتوجيه الأسئلة إليه من وقت إلى آخر.
يؤدي المعلمون أيضًا دور المفسّرين، يقولون مثلاً: {هل هذا ما قصدته؟} لا سيما عندما يعاني أحد الأولاد من صعوبة في التعبير عن وجهة نظره. ويعود الأمر إليهم في التأكد من أن التعليقات كافة لها معنى، لأن بعض الأولاد يريد إخبار القصص فحسب. لذا على المعلمين العثور على طريقة لجعلهم يعودون إلى النقطة الأساسية.
في جلسات التفكير الجماعي، على المعلمين أن يدعوا الأولاد يجلسون بشكل دائري (على الكراسي أو على الأرض أو حول طاولة التفكير الواسعة التي تشبه إلى حدّ ما طاولة غرف الاجتماعات أو طاولة الطعام) ليتمكن الجميع من رؤية بعضهم البعض وملاحظة ردود الأفعال. من المهم قبل البدء بجلسة التفكير الجماعية الاتفاق على القواعد السلوكية التي يجب الالتزام بها خلال الجلسة والتي تتضمن القواعد، والتوقعات والحقوق والواجبات.
كرة التفكير الصوفية
استعمال كرة التفكير الصوفية طريقة ممتازة تزوّد التلامذة بالقدرة على إدارة النقاش بأنفسهم. أرمي كرة من الصوف إلى أحد التلامذة بعد التعريف عن الموضوع الذي ستناقشه. وبعد أن ينتهي التلميذ من التعبير عن رأيه، يرمي كرة الصوف إلى الآخر وهكذا دواليك. يساعد حمل الطابة في التفكير وإطلاق المشاعر. أثناء الحصة يمرّر التلامذة الطابة على جميع أفراد الدائرة ليحصل كل من الجالسين على دور. من فوائد استعمال طابة الصوف أيضاً أن يقول المعلم للولد: {حصلت على الطابة أربع مرات} بدلاً من القول: {إنك تسيطر على مسار النقاش}.
ما الذي يجدر بالتلامذة فعله؟
على التلامذة الإصغاء لآراء الآخرين واحترامها كما المشاركة، والتزام الأدوار والامتناع عن السيطرة على مسار النقاش. يجدر بهم كذلك طلب الإيضاحات أو التبريرات لآراء الآخرين بتهذيب وتوجيه الانتقادات للأفكار وليس للأشخاص والغوص في مناقشة آراء الآخرين عبر طرح أسئلة عميقة. كذلك يفترض بهم التحلي بالصبر مع الآخرين عند شرح وجهات نظرهم كما أثناء شرح مفاهيمهم للآخرين، والتنبه إلى عدم مقاطعة كلام الآخر وإلا قطعوا حبل أفكاره. إضافة إلى عدم تشتيت انتباههم.
امرحوا! حظًا موفقًا في هذه التجربة الشيقة!
من قراءاتى
