السلام عليكم ورحمة الله .. ندووووش اضطريتين أنزل الخاطرة اليوم كان باقي لي يومين ع الموعد ) بس عشان خاطر تلحقيها .. لكن هذا لا يعفيكي من وضع تعليقاتك في اليومين دول .. ونعم ن في كلامي نبة حزن فعلاً لأنه ابتداء من الآن كان فيه أحداث مو مرة حلوة ، لكن الحمد لله على كل حال .
نهلة وقلب جزاكم الله خيراً على المرور ..
بعد رجوعي من إحدى جلسات الكيماوي أحسست بحرارة خفيفة وعدت يومها إلى المدينة .. وصلنا الساعة التاسعة مساء ، وبلغت من التعب مبلغاً جعلني أنام قبل أن أجلس مع أولادي ، واستيقظت في الساعة الحادية عشر مساء ودرجة حرارتي 38,3 درجة ..
كان طبيبي قد أخبرني أن أنتبه على درجة حرارتي ، إذ أنني مع ضعف المناعة الذي نتج من الدواء الكيماوي قد يصيبني التهاب دون أشعر به فتكون الحمى هي العرض الواضح لهذا الالتهاب ، فإذا وجدت أن حرارتي قد وصلت 38 درجة فعلي الإسراع إلى المستشفى العام مباشرة ودون إبطاء ليقوم أطباء الطوارئ باللازم وهو القيام بتحليل دم لمعرفة عدد الكريات البيضاء الخاصة بالمناعة ، فإذا بلغت عدداً معيناً ، فإني أُعطى حينئذ مضادات حيوية بكمية معينة عن طريق الوريد ، وحذرني من التأخر والانتظار حتى الصباح مثلاً ، وهذا هو السبب بعينه الذي جعله يمنعني من تناول مسكنات معينة لعل أولها البنادول والبروفين ، وذلك حتى لا تنخفض الحرارة دون أن أدرك أن هناك التهاباً ينمو في جسمي .
ولكن دفء الفراش في هذه الليلة الباردة من شهر يناير ، و إرهاقي من السفر ومن ترسبات جلسات الكيماوي الماضية ، و الحمى ، إضافة إلى عدم رغبتي في إزعاج زوجي النائم كلها كانت أمور تدعوني للعودة إلى النوم ، فاستيقظت في الثانية صباحاً ودرجة حرارتي جاوزت 38 ونصف ..
خفت في الحقيقة أن يحدث ما لا يحمد عقباه لو تأخرت أكثر من ذلك ، فأيقظت زوجي وذهبت إلى الطوارئ في المستشفى العام .
كانت ليلة ليلاء .. فيها الكثير من التنقلات بين الأقسام المختلفة ، على كراسي متحركة مهترئة ، أشعر أني هشة، بسبب الحمى والنعاس ووطأة الكيماوي ، لو دفعتني لسقطت وانكسرت ..
أُجريت لي تحاليل وأخيراً انتهى بي المطاف في غرفة فوق سرير بارد صلب بدون مخدة والمغذي في وريدي ، وأسلمت نفسي لهم ليحقنوني بما يورنه مناسباً من الأدوية .. فقط أرجوكم دعوني أنام قليلاً ..
مكثت عندهم حتى أذن الفجر ، فصليت وأنا جالسة لشدة تعبي وعدم قدرتي على الوقوف ، ثم انصرفت راجعة إلى بيتي محملة بالكثير من الأدوية .
انتهى مسلسل الكيماوي أخيراً ..
المسلسل المتعب والذي أكاد أجزم أنه أسوأ ما في علاجات السرطان .. انتهيت بفضل الله وأنا أشعر بالكثير من التفاؤل وإشراق الحياة ..
بعد أسبوعين راجعت الطبيب الجراح الذي قرر إجراء العملية في أسرع وقت ممكن ، وفعلاً حُددت بعد أسبوع .
حاولت المماطلة بعض الشيء ، إذ أن أبنائي يمرون بفترة اختبارات شهرية ، وإجازة منتصف الفصل الدراسي ستكون بعد 3 أسابيع ، لكن الطبيب قال بلا مبالاة : لا يمكن التأخير أكثر من 3 أسابيع بعد آخر جلسة كيماوي لكن إذا أصررت على التأخير فإن ذلك يكون ممكناً في حال خضوعك لجلسة أو اثنتين من الكيماوي..
غني عن الذكر أني كدت أهرب لما سمعته يذكر الجلستين الإضافيتين ، لكني تمالكت نفسي ووافقت على الموعد – وكأني أملك شيئاً آخر غير الموافقة!!
يوم السبت ، بعد 3 أسابيع تقريباً من آخر جلسة كيماوي دخلت المستشفى في السادسة مساء وبعد إجراءات طويلة وأسئلة ، والكثير من الغثيان بسبب رؤيتي للمستشفى مجدداً ( وأقسم أن للمستشفى رائحة ما اكتشفتها إلا بعد الكيماوي وهاهي الآن تعلن عن نفسها بضحكة خبيثة ) أخذتني الممرضة إلى الحجرة المشتركة التي ستكون مقري .
حجرة كبيرة مقسمة بالستائر المسدلة ، فيها 3 مريضات غيري مع مرافقاتهن ..
وضعت حقيبتي بعدما تأكدت من إسدال ستائري حولي ، فلست في المزاج الذي يسمح لي بالتحدث مع أي أحد ، ولا أن يراقبني أي أحد ..
دخلت الممرضة لتقوم بأعمالها الروتينية من قياس الضغط وإلقاء بعض الأسئلة ، ثم أجريت لي عملية تخطيط قلب سريعة لم تستغرق أكثر من 5 دقائق ، ثم تتابعت الأحداث الصغيرة بين دخول وخروج الممرضات ، وتناول العشاء ، وخروج الزوار ، حتى سكنت العنابر وعم الهدوء في العاشرة مساء .
ذهبت لأغتسل وصليت العشاء ، ثم استرخيت على سريري وأنا أفكر في هذا الوضع الجديد ..
يحدث للآخرين فقط ، أليس كذلك ؟؟ يالك من مغفلة !!
بدأت الأنوار تخفت ، وهدأت الحركة ، وجاءت الممرضات لينظفن إحدى المريضات اللاتي في الحجرة ، كانت قد أصيبت بحادث سيارة ففقدت القدرة على تحريك رجليها ، وهي الآن تريد أن ينظفها الممرضات بعد قضاء حاجتها في فراشها لتتمكن من الصلاة ..
وفي الليل ، هاج شوقي إلى شمس وأنا التي لم أتركها ليلة واحدة .. وتناهى إلى سمعي بكاء جارتي ، وهي امرأة كبيرة أجرت عملية تغيير ركبتيها ، فكانت تتألم وتبكي . ثم سمعت من الطرف الآخر من الحجرة نحيب خافت لتلك المرأة التي لا تستطيع أن تتحرك .. كنت أستطيع أن أتخيل سبب بكاءها .. امرأة في الثلاثين تفقد قدرتها على الحركة .. الله أعلم كم لها من الوقت في المستشفى وكم ستبقى .. وكل هذا وهي بعيدة عن أبنائها .
أذكر ليلتها كتبت ملاحظة في الآيبود ، بين دموعي المنهمرة : " ها أنا الآن وحيدة في المستشفى لا أفعل شيئاً إلا الاستماع إلى الآيبود ورثاء النفس .. أشعر بالحر والانزعاج ، ومزيداً من الشوق لشمستي التي لم أبت قط بدونها.. تتردد في جنبات ذهني مقولة : احمدوا الله على العافية ..لم أفتقد عافية البدن فقط ، ولكني أيضاً أفتقد السلام النفسي الذي طالما أنعم الله به علي ، ولم أكن أعيه .. تركي لأولادي الأيام الطوال وسفري المستمر المتعب ، والآن تركي لشمس ليلي ونهاري .. يالله كم أفتقد يدها الباردة الصغيرة وهي تدخلها في ثوبي لتتحسس نحري وظهري ، ثم تخرجها لتمسح على رأسي الأصلع ثم تسمعني حكاية رغماً عني تبدؤها بقولها : كين ياماكين ، في قديم الزمين ، وسالف العصر الأوان، كان فيه اسمه مياو ( يعني كان فيه قطة اسمها مياو لكن شمسة تحب الاختصار ) ..
أشتاق لضمها وتقبيلها ، وها أنا الآن في آخر الليل ، والناس هجوع ، أتوق لليوم الذي أحتويها في صدري ثانية ، تتحسس كفها الباردة جسدي وأغمض عيني باستمتاع وأحمد الله على أن ما مر قد صار ذكريات " ..
أنهيت تحاليلي وأذن لي الطبيب بالخروج على أن أرجع يوم الاثنين صباحاً لإجراء العملية ، فخرجت أسابق الريح إلى شمسة ، لأجدها معرضة عني شيئاً ما وكأنها تعاتبني على غيابي المستهجن ليلة البارحة . ولكن إن هي إلا سويعات وعادت شمس فأشرقت وعدت إلى ضحكاتها وأحضانها .
في الليل ، بعد أن خلد الجميع للنوم ، جلست أتفكر في يوم غد .. الحدث الجلل .. عملية الاستئصال ..
شعرت فجأة بحزن عميق يجتاح صدري ..
أحقاً سأفقد عضواً من جسدي ، وُلد معي وعاش معي ثلاثاً وأربعين سنة ؟
كأن فقده فقد لأحد أولادي ، كيف لا وهو قطعة مني حقيقة لا مجازاً ..
بكيت ، استغفرت الله ..
خفت أن يرى الله في قلبي تسخطاً وعدم رضا ، فهو إن كان أخذ فقد أعطى من قبل كثيراً ،ولئن ابتلى فقد عافى من قبل كثيراً ..
وتفكرت كيف أعطاني حب أهلي وصديقاتي .. فقد وصلتني عدة رسائل نصية من بنات إخواني وبعض صديقاتي يتمنين لي السلامة ويشجعنني ..
استلقيت على سريري ، كتبت في الفيس بوك رسالة توديعية ، تلوت أذكار النوم ، أرسلت لأولادي أوصيهم بتقوى الله والمحافظة على الصلاة ، وأخبرهم كم أحبهم .. ثم جال بخاطري ، لو كنت سأفقد أحد أولادي فعلاً ، هل كنت أتمتع بنوم أو استقبال رسائل ؟ سبحان الله ، كيف أن فقدان البضع الحقيقي أهون بكثير من فقدان البضع المجازي ، وحمدت الله على نعمة الولد ودعوت الله أن يحميهم ويحفظهم .