ينفع دردشة لمريضات السرطان ؟؟
مجتمع رجيم / معاً ضد السرطان .. من أجل الوقاية والعلاج
كتبت :
هنوتي
-
الأصوات تأتي من بعيد ، ناس يجيئون ويروحون ، أبواب تفتح وتغلق ، ممرضات يضحكن ، وشعور عارم بالغثيان يجتاحني .. رفعت يدي وبالكاد تلفظت : اكسكيوز مي .. كأنه صوت يصدر من أعماق البحر .. صوت من فئة : المممف بففف المعروف جيداً في عالم الكوابيس .. أسمع كل شيء جيداً الآن ، ولكني لم أفتح عيني فلا أدري أكان أحد قريباً مني أو لا ..
مرة ثانية وبجهد جهيد : اكسكيوز مي .. هنا سمعت الممرضة تقول : يييس . وجاءتني مسرعة . فقط أشرت لها بحركة تعني أني أريد أن أتقيأ ، فهرعت لتحضر وعاء وساندتني لأجلس قليلاً ، وتقيأت بالفعل .. وحتى ساعة أو لا أدري كم من الوقت مر قبل أن يرجعوني إلى حجرتي بعدما اطمأنوا على صحتي العامة ..
لا زلت مغمضة العينين ، وكان هذا أسوأ شعور أواجهه بسبب التخدير : الشعور بالنعاس المستمر ، وعدم القدرة على فتح العينين ورؤية ما حولي ، الذهن الضبابي .. في حجرتي تقيأت مرتين بعدها ، وفي كل مرة أتقيأ كأن غشاوة تنزاح عن ذهني ، فأشعر ببعض النشاط أستفيد منه في الذهاب إلى الحمام أو النوم مجدداً لدقائق !!
في الثانية عشر ليلاً كنت أدرك أن وقت صلاة العشاء قد خرج ولم أصل بعد ، وصرت أبحث بعقلي الضبابي عن حكم ذلك .. طبعاً هو جائز لأني لست في حال تسمح بأدائها لا جسدياً ولا عقلياً ..
وأخيراً ، شحذت همتي وطلبت صندوق التراب الذي ينبغي أن يتوفر منه واحداً لكل مريض ، غابت الممرضة برهة من الزمن ثم عادت تتأسف من انتهاء الكمية !!
انتهاء الكمية ؟؟ أيؤكل هو ؟؟
لم يعد لي بد من الوضوء لأني لم أكن في حال تمنعني من القيام .. بإمكاني أن أذهب إلى الحمام مع بعض المساعدة من الممرضة ولكنه يشق علي شيئاً ما ، أما والتراب معدوم فلم أجد لنفسي مناصاً من الوضوء .. قمت للمرة الثانية فتوضأت ، وأديت الصلاة جالسة على كرسي بسبب الدوخة الشديدة ، ولعدم قدرتي على السجود بسبب العملية .
رجعت إلى سريري ولفت نظري وجود كيس بجانب مخدتي .. فتحته ، فوجدت سراويلي الطويلة والبندانا !!
تباً لهم ، فعلوا ما أرادوا .. فقط انتظروا حتى أغيب عن الوعي و ( مشوا كلامهم ) ، و ضحكت في سري من سخافتهم ..
مددت يدي أتحسس مكان العملية ، فوجدت الشاش واللصاق يغطي المنطقة ، وأنبوبين بلاستيكيين يخرجان من جسمي ، ينتهي كل منهما بوعاء يحتوي على سائل أحمر .. عرفت فيما بعد أن هذين الأنبوبين لتصريف السوائل المتجمعة في مكان العملية .
حاولت أن أنام ، خاصة وأن كل من في الحجرة يغط في سبات عميق ، ولكن الحركة كانت صعبة علي نوعاً ما إذ كان شقي الأيسر ثقيلاً خاصة مكان الجراحة ومؤلماً بعض الشيء ، فنمت على ظهري لاستحالة النوم على أحد جانبي اليوم ، وكان الجو لطيفاً إذ أن جارتي جزاها الله خيراً تبرعت لي بالمروحة الكهربائية التي طلبتها من المستشفى قبل أيام.
لابد أني تأخرت في أداء صلاة الفجر في اليوم التالي بسبب استغراقي في النوم المزعج المتقطع الذي يصاحب كل عملية وكل ولادة . صليت وأنا أحمد الله على أني أحسن حالاً من البارحة ، وتناولت إفطاري ونمت ثانية .
مكثت في المستشفى أربعة أيام ، كان الطبيب المساعد يزورني يومياً ليطمئن على وضع الجرح ، وليفحص الأنبوبين المثبتين في مكان العملية ، وزارتني أخصائية العلاج الطبيعي لتقيس ذراعي اليسرى ومدى تجمع السوائل فيها لتقارنها فيما بعد بالأيام التالية ، كما علمتني بعض التمارين أؤديها كل يوم لئلا يتصلب المفصل ولا أتمكن بعد ذلك من تحريك ذراعي ورفعها للأعلى .
زارني الطبيب يوم الخميس ، وأخيراً أخبرني أنه سينزع أحد الأنبوبين بعدما وصلت كمية السوائل فيه إلى أقل من 50 ملل.
لم تكن عملية نزع الأنبوب مؤلمة ألبتة ، ولكنها مزعجة بعض الشيء ..
وأخيراً خرجت من المستشفى ..
خرجت تسبقني روحي إلى أمي ، وشمستي ، وأولادي الذين قدموا لزيارتي في عطلة نهاية الأسبوع .
أخيراً سأنعم بالمكوث مع هذه الأرواح الحبيبة ، سأنعم بتناول طعام أمي اللذيذ ، سأنعم بالنوم المريح بدون إزعاج الفطور في السابعة صباحاً ، ولا زيارة الأطباء في التاسعة .
كانت عمليتي استئصال للثدي الأيسر بأكمله واستئصال لخمس وعشرين غدة ليمفاوية ، اتضح وصول المرض إلى اثنتين منها ، لذا كان هذا الخدر الشديد حتى كأن هذا الجزء غير موجود ، والشد الذي أجده في ذراعي والذي كان يمنعني من مدها أو رفعها لأعلى ، فكنت إذا أردت تناول كأساً من خزانة المطبخ العلوية بيدي اليسرى أحتاج لأن أقف على أطراف أصابعي ثم أمد يدي وبعد ذلك قد أصل وقد لا أصل لهذه الكأس . وفي تلك الفترة حُرمت من لذة التمطع .. كتبت عندئذ في الفيس بوك : " من النعم المنسية : نعمة التمطع .. أسألوني .. لذيذة هي النشوة التي نتلقفها عند نهاية " التمطيعة " الطويلة والتي ننفض بها عن أبداننا أثر الكسل والوسن ، ولكن عندما يعجز المرء عن فرد إحدى يديه أو رجليه بالكامل بسبب إعاقة فيهما مؤقتة أو دائمة فإن اللذة تكون مبتورة ، تماماً كالتثاؤب المقطوع، وعندها تزفر متحسراً على أيام العافية ، فاللهم غفراً ، اللهم حمداً."
بعد أسبوع تقريباً بدأ ألم غريب في المنطقة .. ألم كأنه حرق أو ( سلخة ) في إبطي ، وكلما أنظر لا أجد شيئاً. كنت لا أطيق حتى كم ثوب النوم ، أو قميصي القطني .. أشعر وكأني أرتدي كماً من شوك ..
شعرت أمي بألم في صدرها .. ولما زاد معها اشتكت ، ويالدهشتنا أجمعين أن كان ألمها هو نفس ألمي ، ولكن كنت أحس به في إبطي الأيسر ، وهي تشعر به تحت ثدييها .. يا الله .. يالروعة الأمهات ، ظلت تشتكي منه حتى بعد أن شفيت أنا .. وأتساءل .. متى سندرك قيمة ما حبانا الله من نعم ؟ أحين نفقدها ؟
كان ألم ( السلخة ) هذا يتزايد ، وشعوري بتورم ذراعي يضايقني ، وموعدي مع الطبيب ليس قريباً ، وشعرت ببعض القلق ، فكان أن وضعت أروى في المنتدى الذي تشترك فيه سؤالاً يشرح فيه حالتي ، فتواصلت معها أختان ، صوفي زوجة جراح تجميل في أمريكا ، و صديقتها إيمان ، شرحتا لها أن هذا أمر طبيعي وقد يستمر معي لشهر تقريباً .. فعلاً .. مر شهر وأسبوعين حتى اختفت آلام الحرق وإحساس التورم ، لكن ظل الخدر باقياً.. جزاهما الله خيراً .. لا أدري ما كنت سأفعل لو لم يرزقني الله مساعدتهما والتي تكررت عدة مرات .
بعد أسبوعين ، ذهبت إلى المستشفى حيث نزع الجراح المساعد الأنبوب الثاني ، وأعطاني بعض التعليمات وانصرف .. بقيت معي الممرضة الفليبنية المسلمة ، نظفت الجرح ولما علمت برغبتي في الاغتسال رشت على الجرح من بخاخ لتصنع طبقة عازلة ، وأدت عملاً متقناً أثار إعجابي ، وكانت قد غيرت لي الجرح مرتين من قبل ، والآن هاهي تعطيني شاشاً لاصقاً في حال أردت تغيير الجرح بنفسي ، كمية وافرة من نوع جيد لا يتوفر مثله كثيراً في الصيدليات ، فلما أردت الانصراف كان قلبي قد امتلأ بالامتنان لها ، فسألتها عن اسمها فأجابتني : آسية .. فقلت لها : أنت مرة كويسة .. شكراً كثيراً .. سأدعو لك . وانصرفت أريد أن أسابق الريح لأصل إلى البيت وأرى ما كان مختبئاً خلف الشاش ..
مرة ثانية وبجهد جهيد : اكسكيوز مي .. هنا سمعت الممرضة تقول : يييس . وجاءتني مسرعة . فقط أشرت لها بحركة تعني أني أريد أن أتقيأ ، فهرعت لتحضر وعاء وساندتني لأجلس قليلاً ، وتقيأت بالفعل .. وحتى ساعة أو لا أدري كم من الوقت مر قبل أن يرجعوني إلى حجرتي بعدما اطمأنوا على صحتي العامة ..
لا زلت مغمضة العينين ، وكان هذا أسوأ شعور أواجهه بسبب التخدير : الشعور بالنعاس المستمر ، وعدم القدرة على فتح العينين ورؤية ما حولي ، الذهن الضبابي .. في حجرتي تقيأت مرتين بعدها ، وفي كل مرة أتقيأ كأن غشاوة تنزاح عن ذهني ، فأشعر ببعض النشاط أستفيد منه في الذهاب إلى الحمام أو النوم مجدداً لدقائق !!
في الثانية عشر ليلاً كنت أدرك أن وقت صلاة العشاء قد خرج ولم أصل بعد ، وصرت أبحث بعقلي الضبابي عن حكم ذلك .. طبعاً هو جائز لأني لست في حال تسمح بأدائها لا جسدياً ولا عقلياً ..
وأخيراً ، شحذت همتي وطلبت صندوق التراب الذي ينبغي أن يتوفر منه واحداً لكل مريض ، غابت الممرضة برهة من الزمن ثم عادت تتأسف من انتهاء الكمية !!
انتهاء الكمية ؟؟ أيؤكل هو ؟؟
لم يعد لي بد من الوضوء لأني لم أكن في حال تمنعني من القيام .. بإمكاني أن أذهب إلى الحمام مع بعض المساعدة من الممرضة ولكنه يشق علي شيئاً ما ، أما والتراب معدوم فلم أجد لنفسي مناصاً من الوضوء .. قمت للمرة الثانية فتوضأت ، وأديت الصلاة جالسة على كرسي بسبب الدوخة الشديدة ، ولعدم قدرتي على السجود بسبب العملية .
رجعت إلى سريري ولفت نظري وجود كيس بجانب مخدتي .. فتحته ، فوجدت سراويلي الطويلة والبندانا !!
تباً لهم ، فعلوا ما أرادوا .. فقط انتظروا حتى أغيب عن الوعي و ( مشوا كلامهم ) ، و ضحكت في سري من سخافتهم ..
مددت يدي أتحسس مكان العملية ، فوجدت الشاش واللصاق يغطي المنطقة ، وأنبوبين بلاستيكيين يخرجان من جسمي ، ينتهي كل منهما بوعاء يحتوي على سائل أحمر .. عرفت فيما بعد أن هذين الأنبوبين لتصريف السوائل المتجمعة في مكان العملية .
حاولت أن أنام ، خاصة وأن كل من في الحجرة يغط في سبات عميق ، ولكن الحركة كانت صعبة علي نوعاً ما إذ كان شقي الأيسر ثقيلاً خاصة مكان الجراحة ومؤلماً بعض الشيء ، فنمت على ظهري لاستحالة النوم على أحد جانبي اليوم ، وكان الجو لطيفاً إذ أن جارتي جزاها الله خيراً تبرعت لي بالمروحة الكهربائية التي طلبتها من المستشفى قبل أيام.
لابد أني تأخرت في أداء صلاة الفجر في اليوم التالي بسبب استغراقي في النوم المزعج المتقطع الذي يصاحب كل عملية وكل ولادة . صليت وأنا أحمد الله على أني أحسن حالاً من البارحة ، وتناولت إفطاري ونمت ثانية .
مكثت في المستشفى أربعة أيام ، كان الطبيب المساعد يزورني يومياً ليطمئن على وضع الجرح ، وليفحص الأنبوبين المثبتين في مكان العملية ، وزارتني أخصائية العلاج الطبيعي لتقيس ذراعي اليسرى ومدى تجمع السوائل فيها لتقارنها فيما بعد بالأيام التالية ، كما علمتني بعض التمارين أؤديها كل يوم لئلا يتصلب المفصل ولا أتمكن بعد ذلك من تحريك ذراعي ورفعها للأعلى .
زارني الطبيب يوم الخميس ، وأخيراً أخبرني أنه سينزع أحد الأنبوبين بعدما وصلت كمية السوائل فيه إلى أقل من 50 ملل.
لم تكن عملية نزع الأنبوب مؤلمة ألبتة ، ولكنها مزعجة بعض الشيء ..
وأخيراً خرجت من المستشفى ..
خرجت تسبقني روحي إلى أمي ، وشمستي ، وأولادي الذين قدموا لزيارتي في عطلة نهاية الأسبوع .
أخيراً سأنعم بالمكوث مع هذه الأرواح الحبيبة ، سأنعم بتناول طعام أمي اللذيذ ، سأنعم بالنوم المريح بدون إزعاج الفطور في السابعة صباحاً ، ولا زيارة الأطباء في التاسعة .
كانت عمليتي استئصال للثدي الأيسر بأكمله واستئصال لخمس وعشرين غدة ليمفاوية ، اتضح وصول المرض إلى اثنتين منها ، لذا كان هذا الخدر الشديد حتى كأن هذا الجزء غير موجود ، والشد الذي أجده في ذراعي والذي كان يمنعني من مدها أو رفعها لأعلى ، فكنت إذا أردت تناول كأساً من خزانة المطبخ العلوية بيدي اليسرى أحتاج لأن أقف على أطراف أصابعي ثم أمد يدي وبعد ذلك قد أصل وقد لا أصل لهذه الكأس . وفي تلك الفترة حُرمت من لذة التمطع .. كتبت عندئذ في الفيس بوك : " من النعم المنسية : نعمة التمطع .. أسألوني .. لذيذة هي النشوة التي نتلقفها عند نهاية " التمطيعة " الطويلة والتي ننفض بها عن أبداننا أثر الكسل والوسن ، ولكن عندما يعجز المرء عن فرد إحدى يديه أو رجليه بالكامل بسبب إعاقة فيهما مؤقتة أو دائمة فإن اللذة تكون مبتورة ، تماماً كالتثاؤب المقطوع، وعندها تزفر متحسراً على أيام العافية ، فاللهم غفراً ، اللهم حمداً."
بعد أسبوع تقريباً بدأ ألم غريب في المنطقة .. ألم كأنه حرق أو ( سلخة ) في إبطي ، وكلما أنظر لا أجد شيئاً. كنت لا أطيق حتى كم ثوب النوم ، أو قميصي القطني .. أشعر وكأني أرتدي كماً من شوك ..
شعرت أمي بألم في صدرها .. ولما زاد معها اشتكت ، ويالدهشتنا أجمعين أن كان ألمها هو نفس ألمي ، ولكن كنت أحس به في إبطي الأيسر ، وهي تشعر به تحت ثدييها .. يا الله .. يالروعة الأمهات ، ظلت تشتكي منه حتى بعد أن شفيت أنا .. وأتساءل .. متى سندرك قيمة ما حبانا الله من نعم ؟ أحين نفقدها ؟
كان ألم ( السلخة ) هذا يتزايد ، وشعوري بتورم ذراعي يضايقني ، وموعدي مع الطبيب ليس قريباً ، وشعرت ببعض القلق ، فكان أن وضعت أروى في المنتدى الذي تشترك فيه سؤالاً يشرح فيه حالتي ، فتواصلت معها أختان ، صوفي زوجة جراح تجميل في أمريكا ، و صديقتها إيمان ، شرحتا لها أن هذا أمر طبيعي وقد يستمر معي لشهر تقريباً .. فعلاً .. مر شهر وأسبوعين حتى اختفت آلام الحرق وإحساس التورم ، لكن ظل الخدر باقياً.. جزاهما الله خيراً .. لا أدري ما كنت سأفعل لو لم يرزقني الله مساعدتهما والتي تكررت عدة مرات .
بعد أسبوعين ، ذهبت إلى المستشفى حيث نزع الجراح المساعد الأنبوب الثاني ، وأعطاني بعض التعليمات وانصرف .. بقيت معي الممرضة الفليبنية المسلمة ، نظفت الجرح ولما علمت برغبتي في الاغتسال رشت على الجرح من بخاخ لتصنع طبقة عازلة ، وأدت عملاً متقناً أثار إعجابي ، وكانت قد غيرت لي الجرح مرتين من قبل ، والآن هاهي تعطيني شاشاً لاصقاً في حال أردت تغيير الجرح بنفسي ، كمية وافرة من نوع جيد لا يتوفر مثله كثيراً في الصيدليات ، فلما أردت الانصراف كان قلبي قد امتلأ بالامتنان لها ، فسألتها عن اسمها فأجابتني : آسية .. فقلت لها : أنت مرة كويسة .. شكراً كثيراً .. سأدعو لك . وانصرفت أريد أن أسابق الريح لأصل إلى البيت وأرى ما كان مختبئاً خلف الشاش ..