تفريغ محاضرة : (الأخفياء) للشيخ ابراهيم الدويش

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : || (أفنان) l|
-






محاضرة : (الأخفياء)
فضيلة الشيخ : إبراهيم الدويش


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وهذه ليلة الاثنين الموافق 23/10/1414هـ وعنوان هذا اللقاء (الأخفياء).
فقد كنت تأملت، ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجه مسلم في صحيحه

في كتاب الزهد قوله:
(إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وسلم (الخفي) فمازالت تلك الهواجس والأفكار والأسئلة تدور في الخاطر المكدود؛
من هو هذا العبد الخفي ؟
من الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟
من هم الأخفياء ؟
قلت ربما هم الذين عرفوا ربهم وعرفهم فأحبوه وأحبهم وحرسوا أن يكون بينهم وبينه أسرار وأسرار،

والله سبحانه وتعالى يعلم إسرارهم فكان خيرا لهم.

وقلت ولربما هم الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم إلا لخوفهم من ربهم، وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.

وقلت ربما هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم هذه الصحوة المباركة،
فكم من ناصح ، وكم من مرب وكم من داع للحق لا يعرف، وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار، وسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم.
وقلت أيضا ربما هم الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء،
وكم من دمعة بللت الأرض، فبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقينا ربنا.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم اللذين يسعون في ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، لإطعام الطعام، وبذل المال ليفكوا كربة مكروه، وليفرجوا هم أرملة ضعيفة، شديدة الحال، كثير العيال.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم أولئك اللذين لا يعرفهم الناس أو اللذين لا يعرفوا أعمالهم الناس، ولكن الله سبحانه وتعال يعرفهم، وكفا بالله شهيد، فهنيئا لهم .
ثم قلت وما الذي يمنع أن يكون أولئك جميعا؟
وما الذي يمنع أن تكون هذه الصفات كلها صفات لأولئك الأخفياء؟


ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا الموضوع، فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم، وأستغفر الله جل وعلا.
ونحن أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا، وقد قالها عبد الله بن المبارك.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم........ليس صحيح إذا مشى كا المقعد
رحمك الله يا بن المبارك، عندما قلت هذا لبيت، تعني به نفسك.
فماذا نقول إذا نحن عن أنفسنا؟
ورحم الله القائل :
أحب الصالحين ولست منهم.......لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي..........ولو كنا سواء في البضاعة
لماذا الحديث عن الأخفياء؟
كان الحديث عن الأخفياء لأني ولربما لأنك أيضا نظرت الحال أولئك الرجال الذين نسمع قصصهم ونرى أثارهم ومصنفاتها ونرى أنهم أحياء، أحياء بذكرهم وبعلمهم وبنفعهم وإن كانوا في بطن الأرض أمواتا بتلك الأجساد الطيبة الطاهرة.
فأسأل وتتساءل معي، ما هو السر في حياة أولئك الرجال؟
السر هو توجه القلب كل القلب لله جل وعلا، توجهت قلوب أولئك الرجال فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا الحاضر.
فكان القلب علمه وعمله لله سبحانه وتعالى.
وكان حبه وبغضه لله.
وقوله وفعله لله.
حركاته وسكناته لله.
دقه وجله لله.
سره وعلانيته لله.
يوم أن كانت الآيات هي الشعارات التي ترفع، وهي الكلمات التي تتردد بالقلب قبل اللسان، وفي كل مكان:
 قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .
هكذا كانت الآيات ترفع فامتلأت بها القلوب.
أما اليوم، فتعال وأنظر لحالنا يا أخي الكريم، أنظر لحالنا كأفراد؛
فقلوبنا شذر مذر.
ونفوسنا عجب وكبر.
وأفعالنا تزين وإظهار.
وأقوالنا لربما كانت طلب للاشتهار.
وهمومنا في الملذات.
وحديثنا في الشهوات.
وصدق صلى الله عليه وسلم في قوله:
( إن الله كره لكم ثلاثة؛ قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال).
وانظر حالنا كأمة؛
ذل ومهانة وهوان واحتقار.
ولا داعي لأن أواصل هذا الكلام عن حال هذه الأمة في هذا العصر، ولكني أسوق لك دليلا قريبا،
في شهر رمضان ثلاثة مذابح للمسلمين:
مذبحة السوق في ساراييفو.
ومذبحة الإبراهيمي في فلسطين.
ومذبحة في السودان.
أكان ذلك يكون لو كانت القلوب متوجهة إلى الله بصدق؟ لا والله.
أقولها ثقة بالله سبحانه وتعالى، لا والله لا يكون هذا الذل وهذا الاحتقار لهذه الأمة، لو توجهت قلوب أصحابها،
وتوجهت قلوب المسلمين جميعا إلى الله جل وعلا.
رب ومعتصماه انطلقت......ملء أفواه الصبايا اليتم
لا مست أسماعهم لكنها......لم نلامس نخوة المعتصم
إذا فالسر في حياة أولئك التوحيد، التوحيد لله، ليس التوحيد قولا، فكلنا نقول لا إله إلا الله ولكنه التوحيد القلبي، يوم أن تكون الأفعال والأقوال محركات القلب وسكناته كلها لله سبحانه وتعالى عرف هذا السر أولئك الأخفياء، فكانت الدنيا لهم، والآخرة دارهم.
ثم أيضا سبب آخر ومهم جدا للحديث عن الأخفياء.
فيا أخي الحبيب ويا أختي المسلمة:
إن فقدت الأعمال والأقوال – أيا كان نوعها – إن فقدت خلوص النية لله جل وعلا، انطلقت من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات والعياذ بالله.
ألم تسمع لذلك الحديث المفزع للقلوب الذي كما أراد أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه –أن يرويه لنا، أو يرويه لأصحابه، وقع مغشيا عليه.
يفعل ذلك ثلاثة مرات أو أربع، لهول ذلك الحديث المفزع.
حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة:
(قارئ القرآن والمجاهد، والمتصدق بماله).
أفضل الطاعات، وأفضل القربات إلى الله جل وعلا، يوم صرفت لغير الله أصبحت أحد المخالفات، بل أصبحت هي التي تقود أصحابها إلى النار والعياذ بالله.
وهذا الحديث لما سمعه معاوية رضي الله عنه وأرضاه قال:
(قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بعدهم؟، أو فكيف بمن بقي من الناس؟)
ثم بكى معاوية. رضي الله عنه وأرضاه بكاءً شديداً.ة يقول الراوي حتى ضننا أنه هالك.
انظروا صحابة رسول الله، يخشون على أنفسهم عندما يسمعون الحديث.
فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟
يقول الراوي: حتى ضننا أنه هالك، ثم أفاق معاوية،.ومسح وجهه ودمعه بيده. رضي الله تعالى عنه،
وقال صدق الله ورسوله:
 من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون.
لأنهم فعلوا ذلك ليقال قارئ، وليقال متصدق، وليقال جريء.
ولا شيء يحطم الأعمال مثل الرياء ومثل التسميع، بأن يقول فلان:
سمعت وعلمت وفعلت وجئت وذهبت، مسمعا للناس بأفعاله عياذا بالله.
التزام التخلص من كل الشوائب التي تشوب هذه النية، كحب الظهور أو التفوق على الأقران، أو الوصول لأغراض وأغراض من جاه أو مال أو سمعة أو طلب لمحمدة وثناء الناس، فإن هذه وأمثالها قاسمة للظهر متى شابت النية.
ولذلك كان النظر لحياة الأخفياء ولأحوالهم ومدارسة أمورهم من أعظم الأسباب لوصول إلى طريق المخلصين، جعلني الله وإياك منهم .

ثم سبب ثالث: لأهمية الإخلاص، ولخطر الرياء.
ولرجوع الناس إلى الله جل وعلا ، ولكثرة أعمال البر والخير والدعوة إلى الله من الرجال والنساء بحد سواء ، ولإقبال الناس عموما على العبادات، وحرصهم على الخيرات- والحمد لله-، مما نراه من الناس في هذه الفترة المتأخرة، كان لا بد من طرح هذا الموضوع لئلا تذهب هذه الأعمال وهذه العيادات عليهم سدى من حيث لا يشعرون.
كان لازما أن نتحدث في مثل هذا الموضوع، وقد كان أهل العلم يحبون أن يتخصص أناس للحديث عن النية وبيانها للناس ولذلك تكلمنا عن هذا الموضوع، تذكيرا وتنبيها وتحذيراً، لشدة الحاجة إليه .
الخفاء في الكتاب والسنة
والخفاء منهج شرعي، ولذلك اسمع أيها المحب لقول الحق جل وعلا:
 وإن تخفوها وتأتوها الفقراء فهو خير لكم.
هذه الآية الكريمة – كما يقول الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى:
ظاهرة في تفضيل صدقة السر وإخفائها.
ويقول سبحان :
 ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين .
ويقول المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال:
(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه).
أنظر لدقة الخفاء في هذه الصدقة، وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
وقال أيضا الحافظ ابن حجر:
( وهو من أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة ).
وفي الحديث نفسه صورة أخرى يذكرها صلى الله عليه وآله وسلم:
( ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ).
ثم حديث الرجل الذي تصدق ليلا على سارق وعلى زانية وعلى غني وهو لا يعلم بحالهم،
والحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
ووجه الدلالة في هذا الحديث على أن الخفاء منهج شرعي.
إن الصدقة المذكورة وقعت في الليل، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث:
( فأصبحوا يتحدثون).
بل وقعت رواية أو لفظا صريحا كما في مسلم، يقول صلى الله عليه وآله وسلم على لسان الرجل:
(لأتصدقن الليلة).
فدل ذلك على أن صدقته كانت سرا في الليل، إذا لو كانت هذه الصدقة بالجهر نهارا لما خفى عنه حال الغني، بخلاف حال الزانية وحال السارق فالغني ظاهرة حاله، فلذلك كانت الصدقة سرا في الليل .
وأيضا حديث النافلة، صلاة النافلة في البيوت.
فمن حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه وأرضاه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).
وروى الطبراني من حديث صهيب بن النعمان قالَ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس، كفضل المكتوبة على النافلة).
أنظر الشاهد حيث يراه الناس إذا فالاختفاء عن الناس في صلاة النافلة لا شك أنه أفضل.
ومن حديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه ، كما اخرج البخاري ومسلم، قال : قال النبي
صلة الله عليه وآله وسلم :
(من سّمع سمّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به).
ومن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
( من سمع الناس بعلمه سمع الله به مسامع خلقه ، وصغره وحقره ).
أخرجه احمد في مسنده ، والطبراني ، والبيهقي ، وإسناده صحيح.
وذكر الذهبي في السير في ترجمة عبد الله بن داود الخريبي، أنه رضي الله عنه قال:
(كان يستحبون ( أي السلف الصالح) أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها).
وذكر وقيع بن الجراح في كتابه الزهد، والإمام هناد ابن السري في كتاب الزهد، أن الزبير بن العوام قال:
(من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل ).
وسنذكر بإذن الله صور عديدة لحياة كثير من السلف ، تدل على أن هذا الأمر كان منهاجا لهم ،وكان يحرصون عليه ويتمسكون به.
متى يكون الخفاء ؟
قد يقول قائل بعد سماع ما تقدم :
وهل نخفي أعمالنا دائما فلا نظهر منها شيء أبد إذا ؟
الإجابة على السؤال يتفضل بها شيخ الإسلام ابن القيم –رحمه الله تعالى- في كتابه مدارج السالكين عندما قال :
(ولا مشاهدا لأحد فيكون متزينا بالمراءاة)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
(هذا فيه تفصيل أيضا وهو أن المشاهدة في العمل لغير الله نوعان) (انتبه جيدا):
(أولا مشاهدة تبعث عليه أو تقوي باعثه ، تبعث على العمل أو تقوي هذا العمل، فهذه مراآة خالصة أو مشوبة ، كما أن المشاهد القاطعة عنه أيضا من الآفات والحجب.)
أي كما أن المشاهدة التي تجعلك تقطع العمل بتاتا أيضا هي من الآفات والحجب.
ثم يقول: ( ثم يقول ومشاهدة – أي أخرى – لا تبعث عليه ولا تعين الباحث ، بل لا فرق عنده -أي عند صاحبها- بين وجودها وعدمها ، لا يهمه يراه الناس أو لا يرونه ، ولا تدخله في التزيين والمراءات ، ولا سيما عند المصلحة الراجحة في المشاهدة إذا كان هناك مصلحة راجحة).
ما هي المصلحة ؟ يقول ابن القيم :
(إما حفظا ورعاية ، كمشاهدة مريض أو مشرف على هلكة يخاف وقوعه فيها ، أو مشاهدة عدو يخاف هجومه ، كصرة الخوف عند المواجهة أو مشاهدة ناظر إليك يريد أن يتعلم منك فتكون محسنا إليه بالتعليم وإلى نفسك بالإخلاص، أو قصدا منك للإقتداء وتعريف الجاهل . يقول ابن القيم : فهذا رياء محمود والله عند نية القلب وقصده).
ثم يقول – رحمه الله تعالى - :
(فالرياء المذموم ، أن يكون الباعث قاصد التعظيم والمدح والرغبة فيما عنده من ثرائه ، أو الرهبة منه ، وأما ما ذكرنا من قصد رعايته أو تعليمه أو إظهار السنة.
وملاحظة هجوم العدو ونحو ذلك ، فليس في هذه المشاهد رياء بل قد يتصدق العبد رياء وتكون صدقته فوق صدقة صاحب السر، مثل ذلك ، يقول ابن القيم :
رجل مضرور سأل قوما ما هو محتاج إليه، فعلم رجل منه انه إن أعطاه سرا حيث لا يراه أحد لم يقتدي به أحد ولم يحصل له سوى العطية ، وانه إن أعطاه جهرا يقتدي به ويتبع ، وأنف الحاضرون من تفرده عنهم بالعطية ، فجهر له بالعطاء.
فكان الباعث له على الجهر إرادة سعة العطاء عليه من الحاضرين، فهذه مراءاة محمودة، حيث لم يكن الباعث عليها قصده التعظيم والثناء ، وصاحبها جدير بأن يحصل له مثل أجور أولئك المعطين). .
انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
وينقل لنا الحافظ ابن حجر أيضا في فتح الباري لما تكلم عن صدقة الفرض وصدقة النفل،
وهل الأفضل إعلانهما أو إخفائهما ؟ قال رحمه الله تعالى ينقل عن الزين بن المنير قال:
(لو قيل إن ذلك (أي الإخفاء أو الإظهار) يختلف باختلاف الأحوال لما كانت بعيدا ، فإذا كان الإمام مثلا جائرا ومال من وجبت عليه ( أي الزكاة أو الصدقة الفرض ) مخفيا فالإسرار أولى وإن كان المتطوع ممن يقتدي به ويتبع ، وتنبعث الهمم على التطوع بالإنفاق، وسلم قصده فالإظهار أولى) انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
ومن هنا نعلم أيها الأحبة أنه ليس دائما نخفي العمال، بل قد يظهر الإنسان أعماله لمصلحة راجحة كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى .
أخفياء ولكن !!
ولكن يكثر في هذا الزمن الأخفياء ولكنهم أخفياء من نوع آخر.
أخفياء يختفون عن أعين الناس، ويحرصون كل الحرص ألا يطلع أحد من الناس على أعمالهم.
هؤلاء الأخفياء هم الذين أخبر عنهم النبي صلى اله عليه وآله وسلم في قوله:
(لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا)، أعوذ بالله.
يقول راوي الحديث ثوبان- رضي الله عنه - : يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا ، أن نكون منهم ونحن لا نعلم.
اسمع! ثوبان الصحابي الجليل هو الذي يقول : أن نكون منهم ونحن لا نعلم ، فرحمك الله يا ثوبان ،
ورضي الله عنك ، قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-:
( أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ). أخرجه ابن ماجة من حديث ثوبان بسند صحيح .
وأخفياء من نوع آخر.
وهم المقصرون الفاترون أهل الخمول والكسل، فلو أنك نصحت أحدهم وصارحته بحاله وسألته عن أعماله فقلت له مثلا ماذا حفظت من القرآن ؟
وهل تحرص على صيام النوافل أم لا ؟
وتقول له : ماذا قدمت للإسلام ؟
وهل تنكر المنكرات ؟
وهل وهل …وغيرها من الأسئلة التي تبين حقيقته أمام نفسه.
أنت تريد الخير بنصيحته وتريد مكاشفته بحاله ، حتى يرى حاله على حقيقتها ، فتسأله هذه الأسئلة ، فيجيب هو على نفسه. لأجابك هذا الشخص بقوله:
هذا بيني وبين الله ، وهل كل عمل أعمله لا بد أن أطلعك عليه؟
أنظر هو الآن ماذا يخفي هو يظهر لنا الإخلاص ، لكنه يخفي الحقيقة، ما هي الحقيقة؟
أنه مقصر في أعماله ، وانه قد لا يكون عنده شيء.
وقد لا يكون حفظ من القرآن شيء وإن حفظ فالقليل.
وقد لا يكون قدم للإسلام شيئا وإن قدم فالقليل القليل.
وهو يستحي أن يصارح الآخرين بهذه الأعمال التي هي لا شيء حقيقة.
فبالتالي لا يملك حتى يبريء ساحته في هذه اللحظة إلا أن يقول لك هذا بيني وبين الله ، وهل كل عمل أعمله لا بد أن تطلع عليه ؟.
فانظر كيف وقع هذا المسكين ، أظهر لنا الإخلاص وأخفى حقيقة النفس وتقصيرها ، فوقع في الرياء من حيث لا يشعر.
وما أكثر أولئك للأسف وهذا لا شك خداع للنفس وتشبع بما لا يعطى.
وهكذا التصنع والتزين والتظاهر ، أما الحقيقة التي أخفاها اليوم فإنه لا يستطيع أبد أن يخفيها:
 يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
فنعوذ بالله من حالهم، ونستغفر الله لحالنا .
يقول عمر رضي الله عنه، اسمع لكلام المحدث الملهم رضي الله عنه وأرضاه يقول:
(فمن حسنت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ). ذكر ذلك ابن القيم في إعلام الين .
عقبات في طريق الأخفياء
انتبه لهذه العقبات، والعقبات في طريق الأخفياء – يا أخي الحبي وأختي المسلمة- كثيرة جداً، فالحديث عن الرياء والعجب وغيرهما مما ينافي الإخلاص طويل جداً، ولكن أسوق هنا عقبتين من هذه العقبات للاختصار:
العقبة الأولى.
هو ما ذكره أبو حامد الغزالي في كتابه الإحياء –رحمه الله تعالى – حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي قال:
(وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته بحيث لا يريد الاطلاع عليه ولا يسر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدؤوه بالسلام.
ويقابلوه بالبشاشة والتوقير.
وأن يثنوا عليه وأن ينشطوا في قضاء حوائجه.
وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان.
فإن قصر مقصر ثقل ذلك على قلبه، ووجد في ذلك استبعادا في نفسه كأنه يتقاضى الاحترام والطاعة التي أخفاها، كأنه يريد ثمن هذا السر الذي بينه وبين الله احترام الناس، وهو لم يظهر العمل، والعمل الخفي بينه ويبن ربه، ولكنه ( ما دام أنه عمل ) نظر لنفسه.
فيريد أن يكسب هذه الأمور من الناس ، فإن قصر الناس في هذه الأمور، إذا استبعد نفسه ونظر لحله ، ولو لم يكن قد سبق منه تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه).
إلى آخر كلامه .
هذه الصورة ، وصورة أخرى من العقبات في طريق الأخفياء.
وهي ما أشار إليها ابن رجب عندما قال – رحمه الله تعالى - :
(وهنا نكتة دقيقة ، وهي الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند نفسه ، فيرتفع بذلك عندهم ، ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء ، وقد نبه عليه السلف الصالح، قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: (كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ، وكأنك تريد بذمها زينتها ، وذلك عند الله سفه).
ما المعيار في الإخلاص والرياء ؟
ما هو المعيار في الإخلاص ؟ والمعيار في الرياء ؟
ولا بد أن ننتبه لهذا الأمر ولعلكم تتساءلون ، إذا فالقضية حساسة والقضية تصيب النفس بالخواطر والهواجس.
وقد ينشغل الإنسان بملاحظة نفسه في هذا الباب.
إذا ما هو المعيار والميزان والضابط في أن أعرف أني مخلص أو غير مخلص؟
ذكر ذلك أهل العلم فبينوا:
أن الضابط في الإخلاص هو استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن.
أن تستوي أعمالك في ظاهرك وباطنك، هذا معيار الإخلاص.
وأن الضابط في الرياء أن يكون ظاهرك خير من باطنك.
أما الصدق والإخلاص أن يكون الباطن خير من الظاهر.
ليست القضية أن يستوي الظاهر والباطن، هذا هو الإخلاص، أما صدق الإخلاص، أن يكون الباطن أفضل من الظاهر، وهذا تنبيها هاما جدا.
لابد أن ننتبه له عند الحديث أو الكلام عن الإخلاص أو الرياء كما ذكرت، لأنه مسلك شائك، ولا ينبغي للإنسان أن يترك كثير من أعمال الخير بحجة الخوف من الرياء.
أنتبه يا أخي الحبيب! انتبهي أيتها الأخت المسلمة!
لا ينبغي لك ولا ينبغي لكي، أن تترك كثير من الأعمال بحجة الخوف من الرياء، أو حتى أن تفتح على نفسك باب الهواجس والوساوس، فيقع الإنسان فريسة لهذا الأمر.
فيدخل الشيطان على القلب، فيصبح الإنسان دائما في وسواس وهواجس حول هذا الباب،
ولذلك اسمع الإمام النووي رحمه الله وهو يقول كلاما جميلا جدا حول هذا الأمر المهم، في كتاب الأذكار،
يقول في الصفحة الـ 8-9:
(الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعا، فإن اقتصر على إحداهما فالقلب أفضل.
ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوف من أن يضن به الرياء بل يذكر بهما جميعا ويقصد به وجه الله تعالى، وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله:
أن ترك العمل لأجل الناس رياء).
اسمع لهذه الكلمات واحفظها جيدا، احفظ هذه الكلمات كما تحفظ اسمك، حتى تنجو من قضية الوساوس والهواجس في الإخلاص والرياء،
يقول الفضيل رحمه الله:
( ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس ، والاحتراس من ظنونهم الباطلة لأنسد عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئا عظيما من مهمات الدين وليس هذه طريقة العارفين).
انتهى كلامه رحمه الله تعالى وهو كلام نفيس جدا .
واسمع لكلام ابن تيمية – رحمه الله – في الفتاوى عندما يقول:
(ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى ، أو قيام الليل، أو غير ذلك.
فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يضع ورده المشروع لأجل كونه يسن الناس، إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرا لله ، مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص).
اسمع بعض الناس يدخل على بعض الناس من هذا الباب، فينهاه عن أمر لا يفعله أمام الناس،
لماذا؟ يقول : خشيه الرياء.
يقول ابن تيمية –رحمه الله تعالى- عن ذلك:
(ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء فنهيه مردود عليه من وجوه:
الأول: أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوف من الرياء، بل يؤمر بها والإخلاص فيها، فالفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياء.
ثانيهما: لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله _صلى الله عليه وآله وسلم- (إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس ولا أن أشق قلوبهم)..
الثالث: إن تسويغ مثل هذا يقضي إلى أن أهل الشرك والفساد يمكرون على أهل الخير والدين، إذا رأوا من يظهر أمر مشروعا قالوا : هذا مراء فيترك أهل الصدق إظهار الأمور المشروعة حذرا من المزعوم، فتعطل الخير. هذه كلمات جميلة جدا من ابن تيمية رحمه الله.
الرابع: إن مثل هذا يعني إنكار الناس عمل مشروعا بحجة أنه رياء، يقول : إن مثل هذا من شعائر المنافقين ، وهو الطعن على من يظهر الأعمال المشروعة، قال تعالى:
الذين يلمزن المطوعين من المؤمنين في الصدقات، والذين لا يجدون إلاّ جهدهم فسيخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم.
انتهى كلامه مختصر من الفتاوى .

صور من حياة الأخفياء
نأتي الآن وبعد هذا المشوار للب هذا الدرس، وهو صور من حياة الأخفياء وأسوق إليكم أيها الأحبة هذه الكوكبة، وهذه مواقف، وهذه الأحداث، من حياة أولئك الأخفياء.
وهي مليئة بالدروس والعبر لمن تفكر ونظر وتدبر.
فسير الصالحين المخلصين مدرسة تخرج الرجال والأجيال.
فريغفاسمع لهذه القصص، واسمع لهذه الأحداث:
الأخفياء والصدقة، والقيام على الفقراء والمساكين.
كتبت : || (أفنان) l|
-
الجزء الثاني


خرج عمر بن الخطاب يوما في سواد الليل واحدا، حتى لا يراه أحد، ودخل بيت، ثم دخل بيت آخر، ورآه رجل، لم يعلم عمر أن هذا الرجل رآه.
رآه طلحة –رضي الله عليه وأرضاه- فضن أن في الأمر شيء أوجس طلحة في نفسه، لماذا دخل عمر لهذا البيت؟ ولماذا وحده؟ ولماذا في الليل؟ ولماذا يتسلل؟ ولماذا لا يريد أن يراه أحد؟ ارتاب طلحة في الأمر، والأمر عند طلحة يدع إلى الريبة.
ولما كان الصباح ذهب طلحة فدخل ذلك البيت فلم يجد إلا عجوز عمياء مقعدة، فسألها:
ما بال هذا الرجل يأتيك؟ وكانت لا تعرف أن الرجل الذي يأتيها هو عمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه- قالت العجوز العمياء المقعدة:
إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا بما يصلحني، ويخرج الأذى عن بيتي. أي يكنس بيتها ويقوم بحالها، ويرعاها عمر –رضي الله عنه وأرضاه-.
ولن نعجب أن رئيس الدولة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يفعل ذلك، فكم من المرات فعل ذلك عمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه-، فهذه الموقف ليست عجبا في حياة عمر. ولكن نعجب من شدة إخفاء عمر لهذا العمل حتى لا يراه أحد، وفي الليل، وفي سواد الليل، ويمشي لواذا خشية أن يراه أحد فيفسد عليه عمله الذي هو سر بينه وبين الله .

ومثل ذلك سار عليه أيضا زين العابدين –رضي الله عنه وأرضاه-، علي بن الحسين ،
فقد ذكر الذهبي في السير وابن الجوزي في صفة الصفوة:
أن علي ابن الحسين كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به، ويقول:
(إن الصدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل).
وهذا الحديث مرفوع إلى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- من طرق كثيرة لا تخلوا أسانيدها من مقال، ولكنها بمجموع الطرق صحيحة، وقد صحح ذلك الألباني في الصحيحة.
وأن عمر بن ثابت قال:
لما مات علي بن الحسين فغسلوه، جعلوا ينظرون إلى أثار السواد في ظهره فقالوا ما هذا؟
فقالوا كان يحمل جرب الدقيق (أكياس الدقيق) ليلا على ظهره، يعطيه فقراء المدينة.
وذكر ابن عائشة قال: قال أبي:
(سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين).
رضي الله عنه وأرضاه.

وعن محمد بن عيسى قال: كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى (طرسوس).
وكان ينزل الرقة في خان (يعني فندق)، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، قال فقدم عبد الله الرقة مرة فلم يرى ذلك الشاب، وكان مستعجلا( أي عبد الله بن المبارك)،
فخرج في النفير (أي إلى الجهاد).
فلما قفل من غزوته، ورجع إلى الرقة، سأل عن الشاب.
فقالوا إنه محبوس لدين ركبه.
فقال عبد الله وكم مبلغ دينه ؟
فقالوا عشرة آلاف درهم.
فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلا ووزن له عشرة آلاف درهم،وحلفه ألا يخبر أحد مادام عبد الله حيا، وقال إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس.
وأدلج عبد الله (أي سار في آخر الليل).
وأخرج الفتى من الحبس وقيل له عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك، وقد خرج.
فخرج الفتى في أثره، فلاحقه على مرحلتين أو ثلاثة من الرقة.
فقال يا فتى ( عبد الله بن المبارك يقول للفتى ) أين كنت؟.
أنظر عبد الله يتصانع –رضي الله عنه وأرضاه- أنه ما علم عن حال الفتى فقال عبد الله المبارك : يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان.
نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسا بدين.
وكيف كان سبب خلاصك؟
قال : جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس
فقال له عبد الله: يا فتى احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك.
فلم يخبر ذلك أحد إلا بعد موت عبد الله .

الأخفياء والعبادة.
في الصلاة مثلا قالت امرأة حسن بن سنان:
كان يجيء – أي حسان- فيدخل معي في فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا علم أني نمت سل نفسه فخرج، ثم يقوم فيصلي.
قالت فقلت له يا أبا عبد الله، كم تعذب نفسك، أرفق بنفسك.
فقال اسكتي ويحك ، فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زمانا.
وعن بكر بن ماعز قال: ما رئي الربيع متطوعاً في مسجد قومه قط إلا مرة واحدة.

وفي الصيام:
فمن أعجب المواقف ما ذكره الذهبي في السير، قال الفلاس، سمعت ابن أبي علي يقول: (صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان خزازاً يحمل معه غذائه فيتصدق به في الطريق.)، وكان بعضهم إذا أصبح صائما أدهن، ومسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فلا يري أنه صائم.

وفي قراءة القرآن ، ذكر اين الجوزي في صفوة الصفوة. عن سفيان قال :
أخبرتني مرية الربيع بن هيثم قالت: (كان عمل الربيع كله سرا، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف، فيغطيه بثوبه). أي إذا قدم الرجل على الربيع قام الربيع فغطى المصحف بثوبه حتى لا يرى الرجل أنه يقرأ القرآن.

الأخفياء والبكاء.
أما الأخفياء والبكاء، فقال محمد بن واسع:
(لقد أدركت رجالا كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة، قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر امرأته).
يقول رحمه الله تعالى:
(إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته لا تعلم، ولقد أدركت رجال يقوم أحدهم في الصف، فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه).

وذكر الذهبي في السير عن محمد بن زيد – رضي الله عنه ورحمه- قال:
(كان أيوب السختياني في مجلس، فجاءته عبرة، فجعل يمتخط ويقول ما أشد الزكام).
يظهر-رحمه الله تعالى- أنه مزكوم لإخفاء البكاء.

هكذا حرصهم على هذه الصفة الخفاء في الأعمال تلك الصفة التي عشقوها رحمهم الله تعالى، فإذا فشل أحدهم في إخفاء دمعاته أو بكائه أو اصطناع المرض لإخفاء هذه الدمعة.

كان يقوم من مجلسه مباشرة خشية أن يكشف أمره، وذكر ذلك الإمام أحمد في كتاب الزهد يوم قال
إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام).
خفاء شديد.

واسمع إلى هذه القصة العجيبة الغريبة، و والله لقد أدهشتني هذه القصة.
واسمع لها يا أخي الحبيب، فهي قصة طويلة، فسر مع أحداثها وفصولها.
واسمع عن محمد ابن المنكدر، وقد ذكر هذه القصة ابن الجوزي في صفة الصفوة وذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء، عن محمد بن المنكدر ، وفي ترجمته قال:
(كانت لي سارية في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أجلس أصلي إليها الليل.
فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا يستسقون فلم يسقوا.
فلما كان من الليل صليت عشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت فتساندت إلى ساريتي.
فجاء رجل أسود، تعلوه صفرة، متزر بكساء، وعلى رقبته كساء أصغر منه.
فتقدم إلى السارية التي بين يدي وقمت خلفه.
فقام فصلى ركعتين ثم جلس فقال:
أي رب أي رب، خرج أهل حرم نبيك يستسقون فلم تسقيهم، فأنا أقسم عليك لما سقيتهم.
يقول ابن المنكثر: فقلت مجنون.
قال فما وضع يده حتى سمعت الرعد ثم جاءت السماء بشيء من المطر أهمني الرجوع إلى أهلي .يعني من كثرة المطر.
فلم سمع المطر حمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها قط، ثم قال:
ومن أنا وما أنا حيث استجبت لي ولكني عذت بحمدك، وعذت بطولك.
ثم قال فتوشح بكسائه الذي كان متزرا به، وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه ثم قام، فلم يزل قائما يصلي حتى إذا أحس الصبح سجد وأوتر وصلى ركعتي الصبح ثم أقمت صلاة الصبح فدخل في الصلاة مع الناس.
ودخلت معه فلما سلم الإمام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى إلى الباب.
فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله ثم جئت إلى ساريتي فتوسطت إليها وجاء فقام فتوشح بكسائه، وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام يصلي، فلم يزل قائما حتى إذا خشي الصبح سجد، ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر.
وأقيمت الصلاة فدخل مع الناس في الصلاة ودخلت معهم.
ثم إذا سلم الإمام خرج من المسجد وخرجت خلفه، فجعل يمشي واتبعه حتى دخل دار عرفتها من دور المدينة.
ورجعت إلى المسجد فلما طلعت الشمس وصليت خرجت حتى أتيت الدار فإذا أنا به قاعدا يخرز وإذا هو إسكافي.
فلما رآني عرفني، وقال: أبا عبد الله مرحبا ألك حاجة، تريد أن أعمل لك خفا ؟
فجلست فقلت ألست صاحبي بارحة الأولى؟
فاسود وجهه، وصاح بي، وقال: ابن المنكدر ما أنت وذلك.
قال وغضب، قال ففرقت والله منه أي (خفت والله من غضبه).

وقلت: أخرج من عنده الآن، فلم كانت الليلة الثالثة صليت العشاء في مسجد رسول الله ثم جئت إلى ساريتي فتوسطت إليها، فلم يجئ فقلت: أن لله ما صنعت! إنا لله ما صنعت!.

فلما أصبحت جلس في المسجد حتى طلعت الشمس ، ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتوح وإذا ليس في البيت شيء.

فقال لي أهل الدار: يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين هذا أمس؟
قلت ماله ؟ قالوا لما خرجت من عنده أمس بسط كسائه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلدا ولا قالبا إلا وضعه في كسائه، ثم حمله ثم خرج، فلم ندر أين ذهب.

يقول ابن المنكدر:
فلم يبقى في المدينة دارا أعلمها إلا طلبته فيها، فلم أجده.

-رحمه الله- خشية أن يفتضح عمله ولأجل أنه عُرف خرج من المدينة كلها، وهو يريد أن يكون السر بينه وبين الله.

يا أختي الحبيب يا أختي المسلمة.

أترك لكم هذه القصة العجيبة ، أتركها لكم لتعيش معها، ولتقفوا معها، انظروا إليها وانظروا إلى أنفسكم،
لنرى من أنفسنا عجبا.

ذكر الذهبي في السير بإسناده إلى جبير بن نفير، أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته ، وقد فرغ من التشهد، يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر التعوذ منه، فقال له جبير:
(ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟
فقال دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل يقلب عن دينه في الساعة الواحدة، فيخلع منه).

وقال الذهبي في إسناده الصحيح..
الأخفياء والجهاد.
أما الأخفياء والجهاد ، فقد ذكر الذهبي عن أبي حاتم الرازي، قال:
(حدثنا عبدة بن سليمان المروزي، قال كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو قلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز.
فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله.
ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل من المسلمين فطارده سعد فطعنه فقتله.
( أي الرجل من المسلمين قتل وطعن الرجل من العدو).

فازدحم إليه الناس ، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو يكتم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو هو، فقال (أي عبد الله أبن المبارك لعبدة بن سلمان) وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا،) يعني (يفضحنا).

وعن عبيدة الله بن عبد الخالق قال:
(سبى الروم نساء مسلمات، فبلغ الخبر الرق وبها هارون الرشيد أمير المؤمنين.
فقيل لمنصور بن عمار أحد العلماء :
لو اتخذت مجلسا بالقرب من أمير المؤمنين، فحرضت الناس عل الغزو.
ففعل منصور بن عمار، وبينما هو يذكر الناس ويحرضهم يقول:
إذا نحن بخرقة مسرورة مختومة قد طرحت إلى منصور بن عمار، وإذا بكتاب مضمون إلى الصرة، ففك الكتاب ، فقرأه فإذا فيه:
إني امرأة من أهل البيوتات من العرب بلغني ما فعل الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك الناس على الغزو وترغيبك في ذلك.
فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذؤابتي (يعني جديلتي) فقطعتهما وصررتهما في الخرقة المختومة فأناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله.

فلعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال، فينظر إلى نظرة فيرحمني بها.

قال: فبكى منصور بن عمار وأبكء الناس.
وأمر هارون الرشيد أن نيادي بالنفير، فغزا بنفسه فأنكى بالروم، وفتح الله عليه).
وقد كان عبد الله بن المبارك يردد هذه الأبيات دائما يقول:
كيف القرار وكيف يهدأ المسلم........والمسلمات مع العدو المعتدي
الضاربات خدودهن برنة..............الداعيات نبيهن محمد
القائلات إذا خشين فضيحة...........جهد المقالة ليتنا لم نولد
ما نستطيع وما لها من حيلة...........إلا التستر من أخيها باليد.
أسوق هذا الموقف لنسائنا الصالحات، لينظرن إلى المرأة المسلمة إذا أخلصت إلى الله وكان همها العمل لله، فإنها دائما تبحث عن العمل.
أيا كان هذا العمل لا يقف آمالها ذلك السؤال ماذا أعمل؟
وماذا أفعل وماذا بيدي أن أصنع ؟
فإن من اهتم لأمر عمل وفكر بالعمل، ووجد ماذا يعمل.
هذه المرأة عملت وسمعت واهتمت واحترق قلبها فما كان منها إلا أن قدمت جديلتيها، أكرم شيء في بدنها حتى يصنعوا من هاتين الجدلتين قيد فرس غازي في سبيل الله.
وقل ماذا قدمتي أيها المسلمة للمسلمات وأنت تسمعين الروم كيف يفعلن بهن ؟
ومذا قدمت يا أخي الحبيب؟ وماذا فعلنا؟
وماذا فعلتي للمسلمين في كل مكان؟
والروم وغيرهم ترون وتسمعون، بل وعلى مسامع العالم كله ماذا يفعل بالمسلمات .

الأخفياء والعلم.
جاء في ترجمة الإمام الماوردي – رحمه الله- كما ذكر ذلك ابن خلكان في كتابه ((وفيات الأعيان)) ، قال:
إن الماوردي لم يظهر شيء من تصانيفه في حياته وإنما جمعها كلها في موضع، فلما دنت وفاته قال لشخص يثق إليه:
(الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، فإن عاينت الموت ووقعت في النزاع فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها فأعلم أنه لم يقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب فألقها في دجلة ليلا، وإن بسطت يدي ولم أقبض على يديك فأعلم أنها قبلت ، وأني قد ظفرت بما كنت أرجوه من النية الخالصة.
قال ذلك الشخص:
فلما قارب الموت ووضعت يدي في يده، فبسطها ولم يقبض على يدي ، فعلمت أنها علامة القبول فأظهرت كتبه بعده).

وقبله كان الإمام الشافعي- رحمه الله- يقول:
(وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلي شيء منه أبداً، فأوجر عليه ولا يحمدوني).
فالإمام الشافعي –رحمه الله- يظن أن حمد الناس به منقصة للأجر، ونقص من صفة الخفاء،
تلك الصفة التي عشقت منهم –رحمهم الله تعالى- .

وينقل الذهبي أيضا في السير قول هشام الدستوائي، -واسمع لهذا القول- يقول هشام:
(والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث، أريد به وجه الله عز وجل).
سبحان الله!! القائل هشام الدستوائي!

يقول الذهبي معلقا على هذا الكلام:
(والله ولا أنا، فقد كان السلف يطلبون العلم لله، وحصلوه ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق).
إلى آخر كلامه الجميل في السير، في ج7ص52، لمن أراد أن يرجع إليه.

فإذا كان هذا كلام هشام، وكلام الذهبي – رحمهما الله تعالى ورضي عنهما – فماذا يقول إذا طلاب العلم اليوم؟
بل ماذا يقول المتعلمون أمثالنا في مثل هذه المواقف منهم رحمهم الله تعالى؟

ويصل الخفاء منتهاه عند أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري – رحمه الله تعالى ورضي عنه-

قال محمد بن منصور:
كنا في مجلس أبي عبد الله البخاري.
رفع إنسان قذاة من لحيته، وطرحها إلى الأرض، أي في المسجد.
فرأيت البخاري، (أنظر إلى حركة البخاري) ينظر إليها أي القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد رأيته أحرجها وطرحها إلى الأرض.
سبحان الله! حتى القذاة وإخراجها من المسجد كانوا يريدون إخفائها بدقة.
رحمهم الله تعالى ورضى الله عنهم.

هذا الموقف وهذه الصور من حياة أولئك العلام، وحياة أولئك الأخفياء الذين حرصوا أن يكون لهم خبيئة من العمل.
الذين حرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار وأسرار.
وتلك العمال هي المنجية يوم أن تقدم على الله جل وعلا وتكشف الصحف.
فإذا الصحف مليئة بتلك العمال، وتلك الأسرار بينك وبين الله عز وجل .
والقصص وهذه الصور ليست لمجرد القصص أيها الأخ الصالح، وليست لمجرد الحديث.
بل هي للعبرة والعضة.
يا أخي الحبيب، أنت تجلس في المجالس، وتتحدث مع الآخرين.
ما بال مجالسنا في هموم الدنيا وملذاتها ؟
أو في الغيبة والنميمة و الكلام عن فلان وعلان!
يا أختي المسلمة، لنعلم مثل هذه المواقف ولنحفظ شيء منها وإن كان قليلا.
ولنملأ مجالسنا بذكرها، حتى يعلم الناس حقيقة هذه الأمور، ويرتبط الناس وترتبط قلوبهم بقلوب أولئك الرجال، فيخرج الأجيال من مدارسهم -رحمهم الله تعالى- بالنظر إلى سيرهم وأحوالهم..
الأخفياء في كلمات
قال ابن المبارك –رحمه الله تعالى- :
ما رأيت أحد أرتفع مثل ذلك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة.
إذن فالقضية ليست قضية كثرة الصيام ولا الصلاة وإنما بالإخلاص والإخفاء لهذه الأعمال.
وقال ابن وهب: ما رأيت أحدا أشد استخفاء بعمله من حيوة بن شريح، وكان يعرف بالإجابة
(أي بإجابة الدعاء).
وقال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، فكأنه ينبت على لون آخر.

واسمع لقوله -رحمه الله تعالى (وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي).

فالاجتهاد في البعد عن الرياء والتسميع وطلب محمدة الناس وثنائهم أمر كانوا يعانون منه -رحمهم الله تعالى- وقال بان القيم:
أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص، وعن نفسك بشهود المنة، فلا ترى في نفسك ولا ترى الخلق.
وقال الأخفياء –رحمهم الله تعالى-، وصاحوا بملء أفواههم لمن لا يخلص نيته، ولمن غفل عن هذا الأمر، صاحوا بقولهم، -كما مالك بن دينار:
قولوا لمن لم يكن صادقا لا يتعب.
فقولوا أيها الأحبة لمن لم يكن صادقا بعمله لله جل وعلا، ومخلصا بعمله لله سبحانه وتعالى:
لا يتعبن، لا يتعب نفسه.
فقد رأيتم وسمعتم أولئك الثلاثة وتلك الطاعات العظيمة، التي أصبحت وابلا على أصحابها، فكانوا أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة والعياذ بالله.
فقولوا ورددوا وصيحوا بأعلى أصواتكم لمن لم يكن صادقا في عمله، وفي دعوته، وفي أفعاله كلها: لا يتعبن، لا يتعب نفسه .
وأخيرا كيف تكون من الأخفياء
ما هو الطريق للوصول إلى حياة الأخفياء؟
ما هو العلاج والوصول لطريق الأخفياء رحمهم الله تعالى؟

ألخصه بالنقاط السريعة التالية :
أولا: الدعاء والإلحاح فيه، ومواصلة هذا الدعاء، وتحري ساعة الإجابة.
وأهمية الاستمرار في الدعاء، والإلحاح، والاستمرار، لاتكل ولا تمل، ولذلك قال –صلى الله عليه وآله وسلم- وعلمنا بذلك الحديث الذي يذهب عنا كبار الشرك وصغاره، عندما قال:
(الشرك أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره،
تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم).
أحفظ هذا الدعاء، وكرره كثير وأسأل الله بصدق أن يرزقك الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال .

ثانيا: الإكثار من مصاحبة المخلصين الناصحين الصادقين.
إن وجدتهم في هذا الزمن فعض عليهم بالنواجد، وإن لم تجد فالجأ لحياة الأخفياء والجأ لمصاحبة المخلصين من السلف الصالح، رضوان الله عليهم، بقراءة أقوالهم والنظر في الكتب والتراجم للاطلاع على تلك الأحوال، ولا شك أن القلب فيه حياة بالنظر لحياة أولئك .

ثالثا: معرفة عظمة الله تعالى، معرفة الله من خلال أسمائه وصفاته.
أعرف من تعبد وأعرف لمن تعمل، واعرف عظمة الله جل وعلا، واملأ قلبك بتوحيد الأسماء والصفات تطبيقا علميا، حتى تعظم الله، وقديما قالوا:
من كان بالله أعرف كان لله أخوف، ومن عظم الناس خاف من الناس، وعمل للناس، وسمع للناس وطلب ثناء الناس ومحمدة الناس، ولكن الله هو الذي سيجازي وهو الذي سيحاسب .

رابعا: أحرص أن يكون لك خبء من عمل.
احرص دائما أن يكون لك سر بينك وبيم الله جل وعلا ، لا يعلمه أحد من الناس إن استطعت حتى ولا زوجتك.
إن استطعت أن تعمل عمل بينك وبين الله لا يعلم عنه أقرب الأقربين إليك، فلا شك أن هذه الأعمال هي منجية يوم تسود وجوه وتبيض وجوه.

خامسا: دائما كن خائفا من الله، دائما كن خائفا على عملك، أن لا يقبل.
دائما كن خائفا أن يخالط هذا العمل رياء أو سمعه، مع الانتباه لذلك التنبيه المهم، الذي أشرنا إليه أثناء الموضوع، وقد تقدم الكلام عن ذلك، وأخشى أن تقدم على الله جل وعلا بتلك الأعمال المثيرة، والقوال الكثيرة، فتكون ممن قال الله عز وجل فيهم:

وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا
وقانا الله وإياك من حال أولئك.
سادسا: وأخير تذكر ثمرات الإخلاص.
تذكر هذه الثمرات، تذكر حلاوة القلب.
تذكر حب أهل السماء للمخلص.
تذكر وضع القبول له في الأرض.
وتذكر محبة الناس له، وطمأنينة القلب، وحسن الخاتمة، واستجابة دعائه، والنعيم له في القبر وفي الآخرة.
نسأل الله جل وعلا نعيم جناة الفردوس.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا إخلاصا يخلصنا يوم أن نقف أمامه سبحانه وتعالى.
ونستغفر الله ونتوب لله من أحوالنا ومن تقصيرنا.

( اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيء ونحن نعلمه ونستغفرك مما لا نعلمه).
وسبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد ألا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

منقول



كتبت : سنبلة الخير .
-
كتبت : * أم أحمد *
-
اللهم اجعلنا من الأخفياء ومع الاخفياء
اللهم تقبل منا صالح اعمالنا
اللهم بارك في يد التي نقلت هذا الموضوع
واكتب لها الأجور كالذين كتبوه
بارك الله فيكِ
كتبت : عبير ورد
-
كتبت : || (أفنان) l|
-
بارك الله فيكن أخواتي الحبيبات واثابكن
جزاكن الله خيرا على المرور وعلى الدعاء
تقبل الله منا ومنكن صالح الاعمال
احبكن في الله
الصفحات 1 2 

التالي

محاضرة : يا سامعا لكل شكوى

السابق

فيديوا للمحاضره التى تاب بسببها اكتر من 450 مشاهد فى يوم واحد

كلمات ذات علاقة
للشيخ , محاضرة , الأخفياء , الدويس , ابراهيم , تفريغ