من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الخوف والخشية

مجتمع رجيم / السيرة النبوية ( محمد صلى الله عليه وسلم )
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الخوف والخشية
من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الخوف والخشية





8urkacdbomxo21mvt78d



من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الخوف والخشية

الشيخ على بن عمر بادحدح


الخوف والخشية من الله -سبحانه وتعالى- ضمن الأخلاق الاعتقادية والشمائل الإيمانية لخير البرية -صلى الله عليه وسلم- وقد ذكرنا: أن هذه الأخلاق والشمائل المتعلقة بالإيمان والعبادات الباطنية هي من أهم هذه الأخلاق والشمائل وأعظمها، وأكثرها إظهارا لرفعة مقام رسولنا -عليه الصلاة والسلام- وأكثرها بيانا لما هو عليه صلى الله عليه وسلم من أثر هذه الشمائل العظيمة في واقع حياته كقدوة حسنة وأسوة عظيمة لأمته.
وكما مر بنا في خلق الرضا نقسم الحديث إلى قسمين:
الأول: يتناول الموضوع ذاته، فنتحدث عن الخوف والخشية ومعانيهما ومكانتهما وآثارهما،
الثاني: يتناول الأمثلة القولية والعملية من حياته صلى الله عليه وسلم التي تتجلى فيها أعظم صور الخشية والخوف من الحق سبحانه وتعالى.
الخوف والخشية ومعانيهما ومكانتهما وآثارهما:
أولاً: معنى الخوف والخشية:-
والكلمتان متقاربتان في معناهما اللغوي، يقول ابن فارس في معجمه عن الخشية: أنها من الفعل الثلاثي خشي، قال: وهو أصل يدل على خوف وذعر، فالخشية الخوف.
وفي الخوف قال: أنه مشتق من هذا الفعل الثلاثي: خوف، أو خَوَفَ، ثم قال: هو أصل يدل على الذعر والفزع.
وإذا نظرنا إلى التعاريف الاصطلاحية سنجد أقوالا كثيرة لأهل العلم في هذه المصطلحات ذات الدلالات الإيمانية.
فقال بعضهم في الخوف: إنه اضطراب القلب، وحركته من تذكر المخوف، وهذا تعريف حسن؛ لأنه يصف حقيقة الخوف بما يقع من أثره في القلب والنفس، فهو اضطراب القلب وعدم سكونه، والاضطراب دليل على وجود ما لا يكون مناسبا أو ملائما للقلب ليطمئن ويسكن، فالاضطراب دليل على وجود شيء لا يحبه القلب، بل هو مكروه له، وسببه تذكر المخوف الذي يخاف منه، سواء أكان عدوا أم كان شيئا من أمور الحياة الدنيا التي تعرض له، وأعظم منه خوفه من الله سبحانه وتعالى.
وقال الهروي في المنازل في تعريف الخوف: الانخلاع من طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر.
الانخلاع من طمأنينة الأمن: أي جاء بالضد، ضد الخوف هو الأمن، وأثر الأمن هو الطمأنينة، فالخوف: هو انخلاع هذه الطمأنينة من القلب بسبب مطالعة الخبر، أي معرفة الخبر الذي يتعلق بالأمر الذي يكون منه الخوف، سواء أكان موتا أم كان حسابا أو عقابا، أو شيئا من أمور الدنيا.
وقالوا في تعريف الخشية: هي تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل.
فهو أثر انعكس على القلب من أمر يخالفه ولا يحبه وللتوضيح قالوا: "وتارة يكون بكثرة جناية العبد يعني يخاف لأنه أفرط في المعاصي والمخالفات، وتارة يكون بمعرفة جلال الله وهيبته" لكن كما هو معلوم في لغة العرب أن المعاني قد تتقارب، ولكن لابد أن يكون بينها فرقا.
ثانياً: ما الفرق بين الخوف والخشية ؟
لبيان شيء من التفاوت بينهما لأهل العلم مقالات منها أنهم قالوا: الخشية خوف مشوب بتعظيم. يعني فيه معنى الخوف، ولكن بتعظيم الذي يخاف منه، نحن مثلا نعرف أن الطالب قد يخاف من الاختبار، لكنه لا يسمى خشية باعتبار أنه أمر يسير ليس فيه تعظيم وليس المخوف منه عظيما وضخما أو هائلا، كما قد يكون في شأن الخشية .
وبعضهم قال: الخشية خوف مقرون بإجلال يعني بتقدير وتعظيم، وأكثر ما تكون الخشية عن العلم بما يُخشى منه. فالخوف يختلف كذلك عن الخشية بأن للخشية تعلقا أكبر بالعلم والمعرفة بما يخشى منه.
قال ابن القيم -رحمه الله- في المدارج: الخشية أخص من الخوف يعني الخوف معنى عام، والخشية معنى فيه خصوصية، كما قلنا خوف ممزوج أو مشوب بتعظيم أو بإجلال.
قال فالخشية للعلماء كما قال الله -عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: من الآية 28).
فهو خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام "إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية"


الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1336
خلاصة حكم المحدث: صحيح


فالخشية فيها مقام أعلى في معرفة الخوف ولذلك ذكروا هذا الفرق في أن الخشية منزلة أعلى وأعظم في دلالة الخوف.
ومما قاله الفيروز أبادي في بيان هذا الفرق، كلام يدل على هذا المعنى وهو أوسع مما ذكر، قال:
الخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والوجل للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية.
وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا).
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2449
خلاصة حكم المحدث: حسن




فعلمه بالله عز وجل وعظمته وشدة عذابه، وسطوة انتقامه جعل في قلبه من الخشية ما ليس في قلب غيره من بقية الأمة.
ولذلك أيضا في الفرق بينهما أن صاحب الخشية يلتجئ إلى الاعتصام بالعلم، وصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب والبعد، بمعنى أن الخائف لأن خوفه ليس له ارتباط بالمعرفة والعلم، يسعى إلى الهرب وتجنب المحذور، لكن صاحب الخشية رغم وجود الهرب فإنه يعتصم بالعلم فيكون ملتمسا طريقا إلى الأمن أفضل من مجرد الخوف، الآن إذا فاجأ الناس شيء خافوا واضطربوا وتحيروا، وكان للخوف أثره في عدم قدرتهم على فعل الأنفع لما يدفع ذلك الخوف، أما إذا جاءهم أمر وكانوا على بصيرة وعلم وبينة بأن هذا الخطر هو نوعه كذا وطريقته كذا وهذا مثلا السلاح يؤثر بهذه الطريقة، أو هذا المرض العدوى منه كذا وكذا، عندما تزيد معرفتهم تكون خشيتهم بهذا العلم أو من خلال هذه المعرفة أدعى إلى أخذهم بأسباب السلامة والوصول إلى شاطئ الأمن بإذن الله -سبحانه وتعالى-.
ومن هنا قال الكفوي: الخشية أشد من الخوف، وكما قال أيضا: الخشية تكون من عظم المخشي، وإن كان الخاشي قويا، والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف يسيرا.
يمثل الله -سبحانه وتعالى- بقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (الحشر: من الآية 21).
هل الجبل ضعيف؟
هل الجبل يوصف بالضعف؟
الجبل يوصف بالشدة والثبات والقوة، ومع ذلك خشع وخشي وقد يندك، لماذا؟

لأن الخشية هنا من عظمة المخشي، والخوف من ضعف الخائف، فإن بعض الناس نعرف أنهم قد يخافون، كما نقول في بعض التعبيرات: فلان يخاف من ظله، تعبير عن شدة خوفه من أدنى شيء.
لماذا يختلف الناس؟
هذا يخاف ويضطرب والآخر لا يضطرب؛ لأن هذا أقوى من هذا، فالخوف في أكثر أحواله يكون بسبب ضعف الرجل أو ضعف الخائف، وإنما الخشية تكون بسبب عظمة الذي يخشى منه. وهذه الفروق لعلها توضح الأمر وتبينه.
والرازي قال كلاما بهذا المعنى واستشهد له بمثل ما ذكرنا من هذا القول في الاستشهاد بقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} (الحشر: من الآية 21).
ثالثاً: الخوف والخشية في القرآن والسنة:
ما مقامهما؟
ما عظمتهما؟

ما مكانهما حتى نستطيع أو ندرك أننا أمام أمر عظيم وخصلة مهمة، ومعنى من معاني القلوب والنفوس كلنا محتاج إليه ومفتقر إليه؟
1- الأمر والتذكير:
الله عز وجل أمر بخشيته، وذكّرنا بذلك، ودعانا إليه سبحانه وتعالى، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} (لقمان: من الآية 33).
الله -عز وجل- أمرنا أن نخشى ما يكون من أمره وتقديره وقيام الساعة وما يكون فيها من حساب وعقاب، وقال جل وعلا: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} (الأعراف: من الآية 56).
أمر بأن يكون هناك خوف مع هذا الرجاء، والتذكر لأمر الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا عندما يدعونا إلى أمر إنما يدعونا إليه لأنه في مصلحتنا ومنفعتنا من جهة، ولأنه أمر لابد لنا منه، ولو تركناه لكان فيه علينا أثر سيئ، أو ضرر يقع على الإنسان المسلم في دنياه، وقد يكون له أثر أيضا في أخراه.
2- النهي والتحذير:
نهى الله عز وجل عن خشية غيره وحذر من ذلك، وجاءت الآيات في هذا كثيرة، كما في قوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} (البقرة: آية 150).
وقال -عز وجل-: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} (آل عمران الآية 175).
وقال: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} (المائدة: الآية 44).
والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في آيات كثيرة، وعرّض على سبيل الذم والقدح بمن يخشى غير الله كما قال في قوله: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} (النساء: الآية 77). والحال أن هذا الفعل منهم غير مقبول، بل هو مذموم.
3- المدح والثناء للخشية وأهلها:
وقد ذكرها الله -عز وجل- صفة للأنبياء، وذكرها صفة للملائكة، وذكرها صفة للأولياء، والله -سبحانه وتعالى- قال في صفة الملائكة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الأنبياء:26،27). ثم قال سبحانه وتعالى في بيان الصفة: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء: الآية 28).
فوصف الملائكة الذين هم عباد الله المقربون بهذه الصفة كما بين الحق سبحانه وتعالى :{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (النحل:50).
وذلك أيضا في صفة الملائكة، وقال جل وعلا في صفة الأنبياء: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب: الآية 39).
فجعل ذلك صفة لخير خلقه وصفوته وهم الرسل والأنبياء.
وأيضا بين الله سبحانه وتعالى أنه صفة الأولياء وأصحاب العقول، لما بين من جملة صفاتهم، قوله: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد:21).
فهذه صفة أهل الإيمان وصفة أهل الولاية والتقوى، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء:48،49).
فهذا كله على سبيل المدح والثناء، والترغيب والتحبيب في هذه الصفة التي جعلت للملائكة المقربين الذين يفعلون ما يؤمرون، وللأنبياء الذين هم صفوة الخلق، ولخيرة خلقه من المتقين والعابدين والمؤمنين.
وأيضا جعلت صفة للعلماء، كما قال -عز وجل-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:الآية 28).
وكما قال عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى الحديث: (أما إني أعبدكم لله وأشدكم له خشية).
على قدر علم المرء يعظم خوفه فلا عالم إلا من الله خائف
وآمن من مكر الله بالله جاهل وخائف مكر الله بالله عارف
وأيضا من وجوه ذكر الخشية في القرآن: المقارنة والمفارقة: المقارنة بين خشية الله وخشية غير الله، والمفارقة بين من يخشون الله ومن يخشون غير الله، فالله عز وجل قال: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (التوبة: الآية 13).
وقال في سياق ذكر قصة التبني وقصة زيد بن ثابت في مخاطبة النبي -عليه الصلاة والسلام-: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (الأحزاب:الآية 37).
ولم تكن خشية النبي صلى الله عليه وسلم خشية مذمومة، وإنما كان لا يريد أن يأتيهم بما لا يعرفون فينكرون، والله عز وجل أراد أن يجعل رسوله عليه الصلاة والسلام قدوة ومثلا لأن يبطل أعراف الجاهلية بفعل يخالفها ويناقضها فيكون هو قدوة للمسلمين أجمعين.
وهكذا نرى هذه المعاني واضحة في دلالات آيات القرآن وبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فهي صفة عظيمة ومقام جليل ينبغي أن يحرص المرء على أن يعمر بها قلبه، وأن يجعلها هي المشاعر أو الأحاسيس التي تملأ نفسه.
4- مقالات السلف في الخشية:
ولتأكيد هذه المعاني، نذكر بعض مقالات السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم، وماذا كانوا يقولون في الخشية والخوف وصفتهما وآثارهما، وبعض الكلام النفيس الرائع الإيماني الذي صدر عن أولئك الذين تنورت قلوبهم بأنوار الإيمان، واستهدت بهدي النبي العدنان عليه الصلاة والسلام.
هذا عمر الفاروق رضي الله عنه في وصية جامعة يذكر الخشية في ثناياها، يقول: (لا تصحب الفجار لتعلَّم من فجورهم، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله، وتخشع عند القبور، وذل عند الطاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الذين يخشون الله).
إذا: لا أمين إلا من خشي الله، واستشر الذين يخشون الله، وصية نافعة تدل على مقام الخشية، ومعرفة الصحابة لهذا المقام.
ومن كلام ابن مسعود النفيس الجميل، وهو مروي عند البخاري أنه كان يقول: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا).
وهذا تصوير دقيق وفقه إيماني عجيب من ابن مسعود، أراد أن يبين أن الذنب اليسير عند المؤمن يراه عظيما، لماذا؟

من خوفه من الله سبحانه وتعالى، والمنافق يرى الذنب العظيم هينا لعدم وجود الخوف في قلبه من الله جل وعلا.
ومن هنا كان من بعض أقوال السلف: (لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت).
ومن كلام ابن مسعود أيضا: (ليس العلم بكثرة الحديث، ولكن العلم من الخشية).
ومن لطائف ما يذكره الشعبي، يقول: (إنما العلم الخشية) جاءه رجل وهو يقول له كذا، وقال من ضمن كلامه يا عالم، قال: وهل رأيت عالما؟ (إنما العالم من يتقي الله أو من يخشى الله).
ومن كلام أبي الدرداء أيضا، قال: (تمام التقوى، أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراما، ليكون بينه وبين الحرام حجاب).
وهذا أيضا تردد في كلام كثير من السلف.
ومن كلام الحسن البصري -رحمه الله-: (لقد مضى بين أيديكم أقوام، لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم).
وعن مسروق -رحمه الله- قال: (كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله).
ومن كلام السري السقطي -رحمه الله- كلام نفيس في خصال كثيرة، قال: (للخائف عشر مقامات، منها: الحزن اللازم، والهم الغالب، والخشية المقلقة، وكثرة البكاء، والتضرع في الليل والنهار، والهرب من مواطن الراحة، ووجل القلب).
انظر إلى هذه الصفات كيف جعلها أمارات وعلامات للخوف والخائفين من الله سبحانه وتعالى.
ومما نقله ابن القيم -رحمه الله- من كلام السلف كلام نفيس ذكره عن أبي سليمان، قال: (ما فارق الخوف قلبا إلا خرب).
وقال أيضا عن إبراهيم بن سليمان، وهو كلام نفيس، قال: (إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات).
لأن الشهوات المحرمة تتعلق بها القلوب للالتذاذ بها، فإذا كان الخوف ساكنا في القلب يخوِّف من أثر هذه الشهوات المحرمة، وما يكون من آثارها من ضيق في الدنيا، ومن آثار المعاصي، ومن عقوبة في الآخرة، أحرق مواضع الشبهات وطرد الدنيا عنه.
وذو النون من مقالاته: (الناس على الطريق ما لم يزُل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف، ضلوا الطريق).
5- الخوف والخشية هل هما غاية أو وسيلة ؟
الخوف والخشية وسيلة لغاية أعظم وهي: أصول الامتثال بتقوى الله عز وجل، فالخوف وسيلة تدعو الإنسان أو تدفع الإنسان أو تصل بالإنسان إلى أن يتقي الله بفعل المأمورات وترك المنهيات؛ خوفا وخشية منه -سبحانه وتعالى-.
ولذلك في الجنة الله -عز وجل- يصفها دائما بقوله: {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس: الآية 62).
لأنهم بلغوا الغاية، فلا مكان للخوف حتى يبلغوا الغاية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل).
الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 3377
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره





الذي يخاف يسرع ويمشي في الليل ليصل إلى مأمنه، وإذا وصل مأمنه اطمأن وأمن وانتهى خوفه، فالوصول إلى الجنة هو غاية الغايات ومنتهى المقاصد.
6- أنواع الخوف : وينقسم إلى نوعين: محمود ومذموم:
الخوف المحمود: هو الذي يدفع إلى البعد عن المحرمات، ويبقي باب الأمل والرجاء مفتوحا.
أما الخوف المذموم: هو الذي يغلب على القلب حتى يدخل إليه اليأس والقنوط من رحمة الله، فهذا خوف مذموم، مقعد عن العمل، ميئس من رحمة الله، مخالف لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المؤمن.
7- حقيقة الخوف والخشية وقوتهما وضعفهما بأي شيء يكون.
الخوف كما يقول ابن القيم: مسبوق بشعور وعلم.
ما معنى هذا: عندما تكون في حجرتك أو في بيتك في الليل فتسمع صوتا، ماذا يحصل؟
شيء من الخوف أو لا؟
صوت أو حركة غير مألوفة في جوف الليل، هنا نشأ شعور، هل أنت تعرف ما هذا بالضبط؟
لا، لكن أحيانا قد تكون عالما، مثلا في البلاد لا سمح الله حرب، وأنت في بيتك، لكن تعرف أن هناك الآن قتال وكذا، أنت تعلم ذلك، فالخوف أو الخشية إما بشعور ليس معينا، وإما بعلم فهو مسبوق بهذا، فمحال أن يكون للإنسان خوف مما لا شعور له به، لم تسمع صوتا لم تسمع حركة لم تر شيئا خيالا كما يقولون، هل سيكون هناك خوف؟

لا، لابد من ذلك.
لذلك يقول: الخوف له متعلقان، أحدهما: نفس المكروه الذي تحذر وقوعه، والثاني: السبب والطريق المفضي إليه.
هناك مثلا في جهة ما لنقل قتال، فهذا أمر تخشاه، لكن هناك طريق يؤدي إليه أو أسباب تفضي إليه، أو أعمال قد تؤدي بك إلى أن تدخل في هذا القتال، فأنت تخشى الأمر نفسه، وتخشى ما قد يوصلك إليه معاً فلذلك قوة الخوف والخشية تعتمد على العلم والمعرفة، وتعتمد على عظمة المخوف وعظمة استيلاء الخوف على القلب حتى يمنع من كل طريق يؤدي إلى ذلك المخوف.
ومقالة أبي الدرداء في ترك بعض الحلال خشية أن يكون حراماً من الورع الذي يبعث عليه الخوف، لكن ينبغي أن يكون بدون مبالغة تفضي إلى تحريم الحلال، أو منع المباحات أو نحو ذلك مما قد يكون على خلاف هذا.
8- بعض ثمرات الخوف والخشية وآثارهما المحمودة في الدنيا والآخرة:
الأول: الوعد بالجنة واستحقاقها. وهو أعظم هذه الآثار وأجلها كما قال الله عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرحمن:46).
وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعـات: 40 ، 41).
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) كما روى الترمذي.
وعنده أيضاً عن النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم) رواه الترمذي بسند حسن.
الثاني: المغفرة والمثوبة. مغفرة الذنوب واستحقاق الأجر من الله وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (الملك:12).
وفي الحديث الذي رواه البخاري وغيره عبرة عظيمة في هذا المعنى: قصة الرجل الذي مات وأوصى أهله قال: إذا أنا مت فاحرقوني ثم ذرّوني فاجعلوا بعضي في البر وبعضي في البحر، فصنعوا ذلك فبعثه الله عز وجل فقال: "ما حملك على ما صنعت؟" قال خشيتك، فغفر الله له.
في تعليق لابن تيمية على هذا الحديث يقول: هذا رجل شك في أصلين عظيمين من أصول الإيمان شك في البعث لأنه في بعض الروايات عند مسلم قال: فوالله لئن قدر عليّ الله ليعذبني عذابا ما عذبه أحد. قال: شك في البعث وشك في قدرة الله عز وجل، لكن ما كان في قلبه من خوف الله سبحانه وتعالى كان ذلك سبباً في مغفرة الله له، وهذا يرينا أثر عظمة ومنزلة الخوف والخشية وفائدتهما.
الثالث: الرضا والمحبة من الله سبحانه وتعالى. وهذا أيضاً من أعظم الآثار والثمار فالله جل وعلا يقول: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (البينة:الآية8).
فرضا الله مقرون بهذه الخشية.
الرابع: العظة والعبرة. فإن الخشية هي التي تهيئ القلوب للانتفاع بالمواعظ والتذكر بها والانتفاع مما فيها كما قال جل وعلا: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} (فاطر: الآية18).
{ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} (الأعلى:10). {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (النازعـات:26).
الخامس: النصر والتمكين بإذن الله عز وجل. فمن خاف الله لم يخف أحداً سواه ومن خشي الله لم يخش غيره، فيكون في قلبه من قوة اليقين ما يجعله يواجه كل عدو وكل مخوف من هذه الأمور الدنيوية، فينتصر بإذن الله -عز وجل-.
كما قال الله جل وعلا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم: 13 ،14).
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهذا يدلنا على عظمة الخوف والخشية


كتبت : ~ عبير الزهور ~
-



وهذه الخصلة معدودة في خصال الأخلاق والشمائل الإيمانية الاعتقادية التي بدأناها بالرضا وثنينا فيها بالخشية.
وبعد أن أشرنا إلى ما يتعلق بالخشية من حيث معناها والمسائل المتعلقة بها نشرع في عرض النماذج العملية التطبيقية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم التي تبرز لنا عظمة خشيته لله سبحانه وتعالى وخوفه منه، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له).
والأمثلة في حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام كثيرة، والمتأمل فيها يجدها ذات دلالة عظيمة، ونقف هنا وقفات متعددة في خشيته وخوفه عليه الصلاة والسلام.
الوقفة الأولى: مواقف عملية في خشيته صلى الله عليه وسلم:
ورد في السنة والسيرة النبوية الكثير من أحوال وأخبار ومواقف خشيته عليه الصلاة والسلام منها: ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي من أقرب الناس إليه وأحبهم له، فتقول فيما ثبت برواية صحيحة عند البخاري ومسلم: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى من لهواته، إنما كان يتبسم تبسماً، وكان إذا رأى ريحاً عُرف في وجهه، فقالت: يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَه عرفتُ في وجهك الكراهة، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة ما يؤلمني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِب قوم بالريح، وقد رأى قوماً العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا).
وهذا الحديث عظيم في بيان خشية المصطفى صلى الله عليه وسلم يظهر في سمته العام ليس حالة عارضة أو حادثة معينة، وإنما كما قالت رضي الله عنها: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته.
يعني: ما رأيته مستجمعا ضاحكا، أي: متمكناً في الضحك ومسترسلاً فيه، قالت: كان يتبسم تبسماً، والمستجمع هو الذي يقصد الشيء ويجتمع له ويجد فيه، يعني لم يكن من دأبه ولا من سمته القصد إلى الضحك والتوغل فيه والاستزادة منه أبداً حتى تقول لم تكن ترى لهواته، واللهاة هي ما نسميه لسان الموت عندما يضحك الإنسان ضحكاً شديداً فيفتح فمه من شدة ضحكه ترى هذه اللهوات، قالت: ما رأيت ذلك من رسول الله عليه الصلاة والسلام وإنما كان يتبسم تبسماً.
وذلك حال من غلبت عليه الخشية، وكان في نفسه وقلبه استحضار الخوف من الله عز وجل.
ثم بينت ذلك في نظرته عليه الصلاة والسلام للأحوال والعوارض، كيف كان ينظر إليها؟
ونحن نرى أحوالنا اليوم، ونحن ننظر إلى الأمور نظراً فيه خفة، وفيه عدم تأمل فيما يكون وراء هذه العوارض والأحوال.
تقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الريح عُرِف في وجهه، يعني: يتغير وجهه تأثراً، قالت: فقلت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم يستبشرون، يعني: يرون أن فيه المطر، وأنت إذا رأيتَه رأيتُ في وجهك الكراهة، لماذا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (ما يؤلمني أن يكون فيه عذاب) من شدة خشيته لله عز وجل واستحضاره لما قد يقدره الله من البلاء والعذاب والفتنة.
يقول: (ما يؤلمني أن يكون فيه عذاب) وقد رأى قوماً الريح من قبل ورأوا الغيم هذا، وقالوا: كما في قصة هود عليه السلام مع قومه، قالوا: هذا عارض ممطرنا فجاء الجواب القرآني: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الأحقاف: من الآية 24).
وهذا يبين لنا السمت الغالب على شخص النبي عليه الصلاة والسلام لتذكره عقوبة الله عز وجل وابتلاؤه لعباده مما يسلطه على الناس بما تقضي به حكمته ويجري به قدره.
وفي حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (إبراهيم:36).
وتلا أيضاً قول الله عز وجل على لسان عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة:118).
ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ودعا لأمته وهذا يأتينا تفصيلاً في الكلام عما يتعلق بخشيته على أمته.
ونأخذ موقفاً آخر ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة في الفراش في النوم فلم أجده، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدمه وهو في المسجد تعني: وهو ساجد أي: في موضع السجود وهو يقول: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).
توقظه الخشية من نومه ويهزه الخوف من مضجعه، فتقول عائشة: افتقدته فإذا هو ساجد، وهذا الدعاء يبين ما كان يدفعه وينهضه إلى هذه الطاعة والعبادة (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) يعني: يخشى سخط الله ويلتمس رضاه.
(وبمعافاتك من عقوبتك) أي: يخشى عقوبة الله ويلتمس معافاته، ثم يثني على الله سبحانه وتعالى.
ومرة ثالثة مع السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تخبر أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وقد انسل من جوارها، وخرج فخرجت تتبعه تريد أن ترى أين يذهب فإذا به يذهب إلى البقيع يزور أصحابه ويدعو لهم، ولما رجع انتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة فسبقته، فجاء إلى عائشة وهي قد تصنعت النوم فقال: (مهيم) يعني: ماذا يا عائشة؟
فإذا بها تنهج من شدة ما كانت تجري، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى أنه تذكر أصحابه فخرج يتذكر الموت ويدعو لهم.
وفي حديث أم المؤمنين زينب قالت: استيقظ النبي عليه الصلاة والسلام ليلة ثم قال: (ويل للعرب من شر قد اقترب فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)


الراوي: زينب بنت جحش أم المؤمنين المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7059
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وحلق بإصبعيه بإبهامه وسبابته ثم قال: من لي بصويحبات الحجر أو الغرف يعني:أزواجه، حتى يذكرهن بضرورة أن يقمن في الليل، ويذكرن الله عز وجل ويدعونه ويتعبدن ويصلين لله خوفاً من هذا.
فكان دائماً يذكر بهذه المعاني في صورة يضرب بها المثل من نفسه، وتروي ذلك أزواجه أقرب الناس إليه، وأعرفهم بحاله في خلوته، وفي حلس بيته، وفي داخل داره صلى الله عليه وسلم.
وهذا يدلنا على ما كان في قلبه ونفسه من خشية الله وخوفه منه.
وهذا حديث يرويه خارجة بن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن أم العلاء، وهي امرأة من الأنصار بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: لما كانت الهجرة قسم النبي عليه الصلاة والسلام المهاجرين، وآخى بينهم وبين الأنصار، قالت: فكان من قسمنا عثمان بن مظعون رضي الله عنه وهو من أكثر الصحابة زهداً وتعبداً، قالت: فأنزلناه في أبياتنا، فوجع، وكان وجعه هو الذي توفي فيه، فلما توفي غسل وكُفِّن في أثوابه، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت: رحمة الله عليك يا أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، تعني: بإكرام الله له أنه رضي عنه وغفر له، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أن الله أكرمه؟) قالت: فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمتى يكرمه الله؟

وهذا حاله نعرفه فقال عليه الصلاة والسلام: (أما هو فوالله لقد جاءه اليقين، فوالله إني لأرجو له الخير، فوالله ما أدري -وأنا رسول الله- ماذا يُفعل بي)
قالت: فقلت: والله لا أزكي بعده أحداً.
نعم نرجو للمحسن الثواب، ونخشى على المسيء العقاب، لكن لا نعرف مصيره، وهذا يدلنا على أمر مهم يقع به الخوف الدائم والخشية التامة وهو أمر حسن الخاتمة، وماذا يكون بعد الموت.
ولذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: أدركتُ أقواماً هم أخوف منكم أن تحاسبوا على سيئاتكم، من أن تُرد عليهم حسناتهم.
يعني خوفهم من أن ترد عليهم الحسنات وألا تقبل منهم، أعظم من خوفكم أن تحاسبوا على سيئاتكم، وهذا فرق ما كان بين السلف وبين من فرطوا فيما كانوا عليه من الأحوال.
وهذا حديث يرويه البراء بن عازب رضي الله عنه وهو عند الإمام أحمد في مسنده، وعند ابن ماجة في سننه، ورواه البخاري في تاريخه، وسنده حسن.
يقول: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة، يعني: مجموعة من الناس متجمعين فقال: (علام اجتمع هؤلاء؟) فقيل: على قبر يحفرونه، قال: ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعاً حتى انتهى إلى القبر حيث كان الناس يدفنون، قال: فجثا عليه، يقول البراء: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ماذا يصنع، قال: فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم قال لأصحابه: (أي إخواني لمثل اليوم فأعدوا).
وهذا يدلنا على ما كان في قلبه عليه الصلاة والسلام من عظمة خشيته لله وسرعة تذكره وشدة استحضاره.
وحديث آخر يرويه الإمام أحمد والترمذي والبيهقي وغيرهم من أهل السنن، ورواه الترمذي بلفظ مختصر من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال بعضهم للرسول صلى الله عليه وسلم: شبت يا رسول الله، قال: (شيبتني هود وأخواتها).
يعني ما في الآيات في سورة هود وأخواتها من الوعيد ومن ذكر الآخرة.
أما رواية البيهقي عن ابن عباس وهي أيضاً عنده رواية أخرى من رواية أبي سعيد فيها شيء من بيان ذلك قال: قال عمر: يا رسول الله أسرع إليك الشيب، قال: (شيبتني هود وأخواتها: الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت).
ومن تأمل في هذه السور رأى أن فيها آيات كثيرة عن قيام الساعة، وعما يحصل من أحداث الكون، وما يقع من حساب وعقاب، وهذا أمر ظاهر وبين.
ومن أعظم ما يبين لنا كيف كانت خشيته عليه الصلاة والسلام في تعبير ذكر فيه ما يعلمه من الحقائق التي لا يعلمها غيره، ما رواه الإمام أحمد والترمذي في السنن وحسنه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم قرنه، وأحنى جبهته ينتظر الأمر بالنفخ في الصور) قالوا يا رسول الله فماذا نقول؟ قال: (قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وفرج بين إصبعيه.
يعني أن الأمر قريب، ولذلك قال: (الأمر أعجل من هذا) أعجل من أن تمد في الأمل وتسوف، ولذا كان هذا هو دأبه عليه الصلاة والسلام وسمته في خشيته لله سبحانه وتعالى.
الوقفة الثانية: الخشية في أقواله عليه الصلاة والسلام:
وذلك -على وجه الخصوص- خاص بدعائه عليه الصلاة والسلام كما مر بنا بعضه، وفي ذلك أقوال كثيرة مما ثبت له في كتاب الله عز وجل ومما قال به في دعائه وتذكيره صلى الله عليه وسلم.
أما من القرآن، فقد قال الله عز وجل في وصف الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} (الأنعام:15،16).
وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (يونس:15).
وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك).
(اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك).
(اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وعذاب القبر وفتنة القبر، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهم أزل خطاياي بماء الثلج والبرد) إلى آخر الدعاء، وهو ثابت من حديث الترمذي عند عائشة، وقال الترمذي حسن صحيح.
وفي حديث الصحابي الجليل عبدالله بن الشخير قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولصوته أزيز كأزيز المرجل، يعني من صوت بكائه عليه الصلاة والسلام.
الوقفة الثالثة: خشيته على أمته عليه الصلاة والسلام:
وأما خشيته على أمته فقد كان يذكر لهم أموراً يخشاها عليهم، حتى يجعل في قلوبهم الخشية مما يخوفهم منه عليه الصلاة والسلام.
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها) أي في الدنيا.
وكما قال: (لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، فتنافسوا فيها، فتهلككم كما أهلكتهم)


الراوي: عمرو بن عوف المزني المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2462
خلاصة حكم المحدث: صحيح

كما أخبر عن الأمم السابقة.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أكثر ما أخاف عليكم، ما يخرج الله عليكم من زهرة الدنيا).
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6427
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]





وهذا أمره بيِّن وظاهر، وفيه أيضا حديث عبدالله بن عمرو الذي ذكرنا طرفا منه، لما تلا ما قاله الله على لسان إبراهيم وعيسى، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أمتي.. أمتي.. أمتي) وظل يبكي عليه الصلاة والسلام، فقال الله عز وجل: (يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله: ما يبكيك؟) فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أمتي.. أمتي.. أمتي) قال الله: (يا جبريل اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) رواه مسلم في صحيحه.
وهذا من خشيته على أمته ورغبته في الخير لهم كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنما مثلي ومثلكم، كمثل رجل استوقد نارا فجعل الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار).
الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5858
خلاصة حكم المحدث: صحيح




وهذا من شدة شفقته وخشيته وخوفه على أمته، ورغبته في الخير لهم.
الوقفة الرابعة: خشية أتباعه صلى الله عليه وسلم:
فأما أبو بكر فكما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما لما قال عليه الصلاة والسلام عندما كان مريضاً : (مروا أبا بكر فليصل بالناس) اجتهدت وكانت تريد أن يصلي عمر فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال: (يأبى الله ذلك ورسوله مروا أبا بكر فليصل بالناس).
فقالت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف لا يملك إذا صلى أن يبكي فيبكي الناس ببكائه، هذا طبعه لما كان يصلي في مكة كان يعتدل في بيته فيصلي فيقرأ فيبكي، فيجتمع النساء والأبناء والرجال، فيبكون ببكائه رضي الله عنه.
ولما جاء أبو بكر إلى المدينة في أول الهجرة أصابته حمى المدينة، فكانت عائشة تدخل عليه وتعوده فكان يقول:
كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعلهأما الفاروق عمر فالروايات في خوفه كثيرة، لأن حياته طالت بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ومن ذلك أن عمر كان يقول: لو نادى مناد يوم القيامة أيها الناس: إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلا لخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل.
ولا يقول عمر هذا من باب التواضع ، وإنما كانت غلبة خوفه وشدة إيمانه ويقينه بما أخبر الله عز وجل من العقاب والعذاب، وخوفه من عدم قبول الأعمال هو الذي أنطق لسانه بذلك.
عَنْ قَتَادَةَ قال: خَرَجَ عُمَرُ رضي الله عنه مِنَ الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ الْجَارُودُ الْعَبْدِيُّ، فَإِذَا امْرَأَةٌ بَرْزَةٌ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا عُمَرُ رضي الله عنه فَرَدَّتْ عَلَيْهِ السَّلامَ، أَوْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهَا السَّلامَ، فَقَالَتْ : هِيهًا يَا عُمَرُ، عَهِدْتُكَ وَأَنْتَ تُسَمَّى عُمَيْرًا فِي سُوقِ عُكَاظَ تُصَارِعُ الصِّبْيَانَ، فَلَمْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حَتَّى سُمِّيتَ عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حَتَّى سُمِّيتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِي الرَّعِيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ خَافَ الْمَوْتَ خَشِيَ الْفَوْتَ، فَبَكَى عُمَرُ رضي الله عنه، فقال الْجَارُودُ: هِيهٍ فَقَدِ اجْتَرَأْتِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبْكَيْتِهِ، فقال عُمَرُ رضي الله عنه: "أَمَا تَعْرِفُ هَذِهِ؟ هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الَّتِي سَمِعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَهَا مِنْ فَوْقِ سَمَاوَاتِهِ، فَعُمَرُ أَحْرَى أَنْ يَسْمَعَ لَهَا".
وابن عمر يروي هذه الحادثة، قال: لما طُعِن عمر كانت رأسه على حجري أو على فخذي، فقال عمر: ضع رأسي على الأرض قال: فوضعته على الأرض، فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي.
وكان رضي الله عنه شديد الخوف، حتى ذُكِر في وصفه أن في وجهه بعض السواد كالأخاديد مما كان يكثر من البكاء من خشية الله.
وأبو هريرة رضي الله راوي حديث رسول الله وصاحبه كان يبكي في مرضه الذي مات فيه، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي.
وهكذا نجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تأثروا به واقتبسوا منه على هذا النهج، وهذه خلة عظيمة ومنقبة من أجل مناقبه وأحسن شمائله عليه الصلاة والسلام.
فحري بالمؤمنين أن يستحضروا عظمة الله ويتذكروا وعيده وعقابه، وأن يجعلوا ما يقرؤون وما يعرفون من القرآن والسنة كأنما يرونه رأي العين حتى يخلص إلى قلوبهم ويتأثروا به.
كما كان عليه الصلاة والسلام يخبرهم بذلك فيقول: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى).

كتبت : || (أفنان) l|
-


اللهم أرزقنا حبه وحب من احبه
اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد ماتعاقب الليل والنهاار
الله لا يحرمك أجر ماطرحتي ياقلبي

حفظكِ الله وزادكِ من واسع علمه وفضله
جعل الله ما تنقلين شاهداً لك لا عليك
دمتي بخير.


كتبت : Hayat Rjeem
-
بارك الله فيكِ
كتبت : ام احمد123
-
عليه الصلاه والسلام

جزاك الله كل خير
كتبت : أمواج رجيم
-
جزاك الله خير
لاحرمك الاجر
تقييمي
الصفحات 1 2 

التالي

من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم التوكل

السابق

من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الرضا 2

كلمات ذات علاقة
الله , الخوف , الرسول , شمائل , صلى , عليه , والخشية , وحشائش , وسلم