فرعون الشام - للشيخ على بن عمر بادحدح

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
فرعون الشام - للشيخ على بن عمر بادحدح
فرعون الشام - للشيخ على بن عمر بادحدح



p5hxtdmltvymh4nb59f.



فرعون الشام - للشيخ على بن عمر بادحدح






وصية الله لكم في كل آن وحين تقواه جل وعلا إلى قيام يوم الدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
معاشر المؤمنين:
كتاب الله جلّ وعلا ينير كل ظلمة ويبين كل حق ويرشد إلى كل فضيلة، كم نحن في حاجة إلى مزيد الارتباط به وكثير التدبر في آياته وعظيم الحرص على النظر في الواقع من خلاله.
ولعل وقفتنا في هذا اليوم لا تخرج عن الآيات نتلوها ونتأمل في صلتها بواقعنا.

فرعون الشام مع أن فرعون ارتبط بمصر لكننا سنرى الآيات وهي تخبرنا عن واقعنا وعن كل واقع مضى أو سيأتي؛ لآن هذا القرآن {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]
ولأن الله سبحانه وتعالى أودع فيه هداية البشر وصلاح أمرهم إلى قيام الساعة.
فهذه ومضات سريعة في قصة فرعون عندما جاء موسى بدعوة الحق، عندما بدأ النور يشرق، عندما بدأ الصلاح تتضح معالمه، ماذا كان موقف الطغيان؟

{إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء: 54-55]
وفي الشام قالوا هؤلاء عصابات!
وهؤلاء شراذم!

وهؤلاء إرهابيون ضد الوطن والمواطنين!
ثم انبرى فرعون قائلاً: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26]
فصار الصلاح فساداً!

وأصبح الحق باطلاً!
وغدا الخير شراً!
بما يقوله أولئك الطغاة المجرمون: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} فكأن القائم بالحق والخير والصلاح هو ذلك الطاغية المجرم القاتل!!
يلبّس على الناس ويشيع المقالات الزائفة الباطلة ويمضي في ذلك ليكمل الصورة كما نراها اليوم بأن وراء هؤلاء من يعينهم وأنهم عصبة متفقون وأن بينهم خطة تآمرية على البلاد والعباد فيقول: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 123]
وكأن لسان الحال يطابق لسان المقال!

وكأن صفحات التاريخ الغابرة تقرأ لتروي أخبار اليوم الحاضرة!.
ثم بدأت الخطوات العملية بعد الدعايات الإعلامية: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 53]
يؤلب ويجمع ويحشد ويبين صورة مغلوطة للمعركة: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء:34-35]
فلقّنهم ذلك ووجههم إليه وبيّنه لهم من منطلق طغيانه وفرعونيته فإذا بالملأ يسيرون سيرته ويعيدون مقالته ويكررون على الناس أكاذيبه: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } [الأعراف: 109-110]
وهذا ما نراه بأم أعيننا ونسمعه بآذاننا.
واستعان بالسحرة وأولئك استعانوا بالكفرة والفجرة والقتلة من أراذل أهل الأرض ومن قساة القلوب وممن لا دين لهم ولا خلاق ولا إنسانية ولا ضمير ولا حياة تدل على انتمائهم إلى جنس بني آدم بحال من الأحوال.
ماذا قال السحرة؟
{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَليمٍ} [الأعراف: 111-112]
وهنا بدأت المواجهة، وهنا جاء الملأ مرة أخرى يؤلبون وهم محيطون بالفرعون؛ لأن بقاءه من بقائهم ووجوده من مصلحتهم: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127]
فجاءت قوته الدنيئة وبطولته الشنيعة وذله الذي يكشف عن دناءة أصله وطبيعة نفسه، قال: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127]
بطولة على الأطفال الصغار!!
يُذبحون!
يُحرقون!
تُدمر البيوت فوق رؤوسهم!
ولعل فرعون المذكور في القرآن خير من فرعون الشام إذ كان يستحي النساء أن يبقيهنّ أحياء فإذا جاء المولود ذكراً قتلوه وإذا جاء أنثى تركوه، أما هؤلاء فما تركوا بشراً ولا حجراً ولا شجراً إلا وأتوا عليه قتلاً أو حرقاً أو قصفا وذلك دلالة على بشاعة تدل على خلو تام من الإنسانية فضلاً عما يمكن أن يكون من ضمير حي أو دين رادع أو إيمان مانع أو غير ذلك مما يعهده الناس على الأقل فيمن هم من بني آدم.
ثم جاءت المراحل الأخرى في المواجهة لنرى الصورة الأخرى، لنرى المواجهة الإيمانية، لنرى الصورة المبدئية المنهجية اليقينية المستندة إلى التوكل والاعتماد على رب البرية، لنرى صورة أخرى نريد أن نذكرها تذكيراً لأنفسنا، ونريد أن نذكرها فألاً وتيمناً وفخراً لما عليه إخواننا في بلاد الشام من خير ساقه الله إليهم ومن إيمان ثبّت الله به أقدامهم ورفع به رؤوسهم وسدد به رميهم وقدّمهم بفضل الله عز وجل في كثير من المواطن على عدوهم.
قال موسى في مواجهة الباطل في مواجهة الكذب والدجل: {مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]
رؤية واضحة، يقين جازم، إيمان ثابت لا يتزعزع، معرفة حقيقة مستندة إلى الوحي والحق والدين: {مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ} ذلك تخييل وتدجيل وكذب وافتراء مهما علا صوته مهما كثر المتحدثون به مهما تكاثرت القوى المادية لنصرته فإنه باطل، ثم انظر إلى اليقين {إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ} والسين في المستقبل أي عاجلاً أو آجلاً سيظهر عواره وستزول الغشاوة عمن انخدع به وستظهر حقيقة بطلانه وفساده وضرره وخطره: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} استنباط يتحول إلى قاعدة مضطردة وإلى كلية قرآنية في كل زمان ومكان: {إِنَّ اللّهَ} والتوكيد هنا لمزيد من قوة المعنى والجزم بصحة الحقيقة المذكورة فيه، وكأنه واقع أيضاً في جواب القسم: {لاَ يُصْلِحُ} والصيغة بالمضارع تدل على الاستمرار: {عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } أي كل أنواع العمل من قولهم الإعلامي الزائف الذي يظهر كذبه، ومن عملهم الإجرامي المتآمر الذي ينتهي مفعوله، ومن عملهم العسكري القاتل الذي يرتد بعون الله عليهم، وبسلاحهم يُقتلون بعد أن يُغنم منهم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}، وفي موضع آخر: {أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس : 77]
لو كان هؤلاء كما يدعي المجرم القاتل شرذمة قليلون، لو كانوا عصابات مأجورة، لو كانت لهم أهداف مادية أكانوا يصبرون هذه الأعوام؟! أكانوا يضحون بكل هؤلاء الأرواح؟!
أكانوا يضربون الصور الغريبة الفريدة التي قلّ نظيرها في الثبات والقوة والرسوخ؟!
أكانت لهم هذه المعنويات المرتفعة رغم كل هذه الجرائم التي تقتلهم وتحرقهم وتدمّر بيوتهم ومساجدهم؟!
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16].
وفي المقابل أيضاً جاء التوجيه من موسى عليه السلام لأتباعه وهو توجيه القرآن لأتباع الأنبياء جميعاً وهو هداية الله جلّ وعلا لأهل الإيمان في كل زمان ومكان وفي كل عصر ومِصر: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]
سبحان الله آية واحدة لو تأملناها لوجدنا فيها مفاتيح الثبات ورأينا فيها معالم الطريق وأبصرنا فيها نور النصر ولمحنا رايات العز، وقال موسى لقومه ماذا تصنعون؟!
استعينوا بأمريكا أو بروسيا!!
استعينوا بالعرب أو بالشرق أو بالغرب!!
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ} فليس من معين لعباده إلا إياه.
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} [النمل: 62]
تأمل كيف كان الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى في الحالات العصيبة وظروف الكرب الرهيبة والمواقف التي لم يعد فيها للمرء حيلة، لما كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار وكفار قريش قد بلغوا مدخل الغار وإذا بأبي بكر يقول: "لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا"، وينطق لسان اليقين وتنطلق مقولة الثبات ويعلن محمد صلى الله عليه وسلم أعظم أسباب القوة: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا)، مضى الكفار وانصرفوا وخرج محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وسار ولحقه سراقة وغاصت أقدامه وانطلق ووصل المدينة وانساح الإسلام وفتحت الفتوح ودخل مكة فاتحاً ومضى إلى ربه بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجا، ويوم كان قبل ذلك في رحلته إلى الطائف بعد أن سُدّت الأبواب في وجهه في مكة وإذا بالطائف تغري سفهاءها يتكلمون بما لا يليق ويرمونه بالحصى فتدمى أقدامه عليه الصلاة والسلام وهو وحيد لا أحد معه، لا نصير له، لا مواسي يسري عنه: (اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي).
وأخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشد ما لقي أخبرها بالموقف الذي كان بعد الطائف وأنه قد أصابه من الهمّ والغم حتى إنه انطلق لا يلوي على شيء، لا يدرك أين يسير فلما أغلقت أبواب الأرض فتحت أبواب السماء ونزل الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت)، وجاء نفر من الجن بعد أن أعرض البشر والإنس واستمعوا للقرآن واتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم.
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ} ماذا ستكون النتيجة؟
جزم لا تردد فيه، يقين لا شك معه: {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
لا بد أن نرى ذلك رأي العين، لا بد أن يقيننا به كيقيننا بالمحسوس الملموس كما فعل وقال أنس بن النضر رضي الله عنه يوم أحد، يوم دارت الدائرة على المسلمين وشاعت الشائعة بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قُتل فإذا بأنس بن النضر يقول: "واهاً لريح الجنة والله إني لأجد ريحها دون أحد"، يشمّه كأنه محسوس ملموس ويقبل مجاهداً: "لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فعلام الحياة بعده؟" فيُستشهد وفي جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ليس فيها واحدة في ظهره رضي الله عنه وأرضاه، واليقين هو الذي أنطق من دقّ الرمح في صدره فخرج من ظهره فقال: "الله أكبر فزت ورب الكعبة" فاز وهو مقتول!
لأنه مضى إلى ربه شهيداً ولأنه ثبت على دينه قائماً.
ومن عجائب مبايعات الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة حكيم بن خزام: "بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخرّ إلا واقفاً" أن أثبت لا أبدل، لا أتغير حتى أمضي إلى الله عز وجل مستمسكناً بديني رافعاً رايته ثابتاً على منهجه لا يخيفني شرق ولا يرهبني غرب ولا تزعزعني قوة مهما عظمت؛ لأن الركون إلى قوة الله: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
وإلى المشهد الأخير في هذه المواجهة وهذه المنهجية: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]
بعضهم لم يكن على مستوى الحدث ولم يكن لديه اليقين الراسخ والإيمان الثابت، لكن الجواب جاء قويا مزلزلاً: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]
يقين جازم، والسين هنا لمستقبل قريب ولم يكن يعرف كيف سيهديه الله، وكيف سيخرج من بحر أمامه وجيش وراءه، لكنه لم يشك لحظة في ذلك وجاء الوحي: {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63]
ونجى الله موسى ومن معه ودخل فرعون وأطبق عليه البحر فكانت النتيجة: {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 65-66]
مشهد عظيم لو أن أحداً نظر إلى أول المواجهة، إلى موسى عليه السلام الذي ليست له قوة، إلى بني إسرائيل المستعبدين المستضعفين، إلى فرعون بجبروته وقوته وجيوشه، إلى فرعون ببطشه وظلمه وطغيانه، إلى فرعون بسحرته وكهنته ومن معه، هل كان أحد يمكن أن يتصور المشهد في ختامه؟!
وكذلكم صورت لنا الآيات ذلك لما أدركه الغرق {قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90]
وجاءت الآيات القرآنية: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } [يونس: 91-92]
وإن أمنيتي أن يكون فرعون الشام كحال فرعون الذي ذكر في القرآن؛ لأن كثيرين يسألون أو يقولون هل سينتهي حاله هارباً أو سجيناً أو مقتولاً؟
وأقول لعل الله يمضي فيه قدره بما جرى به القدر في شأن فرعون: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20]
{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]
صورة ينبغي أن ندركها نحن؛ لأننا بعيدون عن المواجهة ومع ذلك يتسرّب إلى بعضنا الوهن وتمضي وتنتشر بيننا المقولات المبلبلة والمشككة وكأننا لا ندرك هذه الحقائق، وهي أيضاً رسالة نؤكدها لما أرسله إلينا إخواننا وأبطالنا في الشام (مالنا غيرك يا الله) قالوها منذ زمن والأمور تتغير وتتبدل شيئاً فشيئاً لما يمضيه الله عز وجل من قدرها الذي نسأل الله أن يعجل فيه الفرج والنصر وأن يجعله آية من آياته التي تثبت إيمان المؤمنين وتجعل أهل الباطل في اندحار وانكسار وهزيمة.

الخطبة الثانية:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله في كل آن وحين وإن منبع التقوى آيات القرآن المبين فلا بد أن نرجع إليها ونستمد منها والحق جل وعلا يقول: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم : 42-43].
وسيأتي ما ذكرته الآيات: {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 45-47].
وتلكم الآيات والآيات كثيرة: {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
التاريخ حتى في غير صفحات الإسلام والمسلمين يدلنا على هذه السنن الكونية، نيرون الطاغية المجرم أحرق روما كلها، فماذا كانت خاتمته؟ بالعصي ضرباً وبالسيوف تقطيعاً بأيدي شعبه الذي انتفض عليه وعلى ظلمه، موسوليني الفاشي الذي أذل شعبه ثم انطلق يعيث في الأرض فساداً، قُتل شنقاً مربوطاً عقبه إلى رأسه حتى يكون وجهه إلى الأرض يرى الناس وهي تمر به وتبصق عليه، وغيرهم وغيرهم، فإن الله سبحانه وتعالى قد قال: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: 13]
شيء يسير، جند من جند الله قليل يرينا العبر في أولئك الظلمة والطغاة، فالظالم الطاغي اعتدى على الناس، قتلهم، دمّر بيوتهم، سلب حقوقهم، لكنه أعظم من ذلك، واجه رب العزة والجلال محاداً له معادياً لدينه منتهكاً لمقدساته وبيوته وكتابه، فأين مهربه من الله؟ وأين هو من قوة الله؟ فلئن ضعف الخلق فإنهم مستندون إلى خالقهم، ولئن كان بينه وبين الخلق مواجهة مهما كانت فإن الأعظم فيمن يحاد الله ورسوله ويعادي دينه، فإن العاقبة لا شك ماحقة، ونحن نرى ذلك في أمور يسيرة وفي أفعال محدودة وقد ذُكر بعضها في القرآن كمن يمنع مساجد أن يذكر فيها اسمه ويسعى في خرابها له العقوبة فكيف بمن جمع كل ذلك بانتهاك النفوس المؤمنة المسلمة البريئة، وباستهداف المساجد وبيوت الله عز وجل وغير ذلك من أنواع الإجرام قد نراه تعاظم ربما في الأيام القليلة الماضية وقد نراه أسرف في بشاعته وقسوته، وأقول إن شاء الله إنها الضربات الأخيرة التي في الرمق الأخير؛ لأن الظالم والطاغية والجبار إذا وجد نفسه محاصراً ضرب يمنة ويسرة فعسى الله أن يجعل ذلك آخر مكره وآخر ضرّه، وأن يجعل العاقبة للمؤمنين وللمتقين، وقد قال جل وعلا: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} [الحج: 45]
وبشرنا الحق سبحانه وتعالى في بشارة مرة أخرى نعود فيها لنختم بقصة فرعون: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص : 4]

وبعد هذه الآية: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 5-6]
{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود : 81].
إلى أهلنا وإخواننا في الشام وصية موسى، ولكن واجبنا هو اليقين بذلك وواجبنا إثر اليقين بذلك أن نحقق الأخوة التي قالها الحق جلّ وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]
والتي بيّنها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، وكذلكم واجب النصرة: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ } [الأنفال: 72]
وذلك واجب لا يمكن أن يكون موضعاً لتساءل لأنه واضح جلي في وجوب نصرة المظلوم فضلاً عن نصرة الإسلام والدين فضلاً عن نصرة بلاد الشام وما ورد فيها من النصوص.
فنسأل الله عز وجل أن يسخّرنا لنصرتهم وأن يجعلنا في ذلك باذلين ومنفقين وله داعين ومروجين وأن يجعلنا لهم مناصرين ومثبتين وألا يجعلنا من المتخاذلين ولا المخذلين، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
اللهم ثبّت أهلنا في بلاد الشام، اللهم ثبّت أقدامهم وأفرغ اليقين في قلوبهم وصبّرهم وارزقهم الصبر على كل هذا البلاء واجعل اللهم لهم فرجاً قريبا ونصراً عزيزا عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم امسح عبرتهم وسكّن لوعتهم وآمن روعتهم وأجب دعوتهم وسد جوعتهم ووحد كلمتهم وأعل رايتهم وسدد رميتهم وانصرهم اللهم على عدوك وعدوهم يا أرحم الراحمين

كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاك الله خيرا وبارك الله فيكِ

محاضرة قيمة

سلمت يمناك لمنقولك الهادف

اثابك الله

التالي

قصة قوم سبأ آيات وعبر

السابق

المشروع الحضاري الإسلامي - الشيخ عبد الرحمن السديس

كلمات ذات علاقة
للشيخ , الشام , بادحدح , على , عمر , فرعون