النزاع اللبناني

مجتمع رجيم / الموضوعات المميزة فى العلوم الطبيعية
كتبت : بتول الغلا
-
اللبناني -4689

ليست “امل” حركة نبيه برّي، هي الأقوى بين الشيعة. حزب الله بسلاحه وعديده وأنصاره هو الأقوى، وقد سبق بين الإثنين تنافس وعراك مسلّح أعقبه تحالف تامّ.

لم ينطو السجال حول مرسوم الأسبقيّة بدون عواقب. المرسوم الذي هدف إلى التعويض على دفعة من الضباط تأخّر تنصيبهم وهم في أغلبيّتهم الساحقة من المسيحيين، كان بتوقيع إثنين: رئيس الجمهوريّة المسيحي ورئيس مجلس الوزراء السنّي، أي بدون ثالث شيعي. فقد ألغيت هكذا الترويكا القديمة المتهمّة بثنائيّة فهم الشيعة أنّها تستبعدهم. حاول رئيس مجلس النوّاب الشيعي إنقاذ ماء الوجه مطالباً بمشاركة رمزيّة، هي توقيع وزير الماليّة الذي اختير شيعيّاً لملابسات كهذه.

رفض رئيس الجمهوريّة الذي اعتبر أن الترويكا في حقيقتها، إستضعاف لرئيس الجمهوريّة كما حدث مع الرؤساء السابقين الذين لم تكن لهم حيثيّة عون”الرئيس القويّ” الذي يتمتّع بشعبيّة مسيحيّة أكيدة. لم يفهم نبيه برّي رئيس مجلس النوّاب من ذلك إلاّ العودة إلى النظام القديم الذي بجناحين، ماروني وسنّي، وتدّخل على هذا الأساس. دار الوقت وإذا بشريط مسجّل يتسرّب وفيه يصف وزيرالخارجيّة صهر الرئيس عون، رئيس مجلس النوّاب بأنّه” بلطجي”أي فتوّة “بالمصريّ”. ليست المرّة الأولى التي يتراشق فيها السياسيّون ألفاظاً حادّة وجارحة، لكن هذه المرّة كانت اللفظة ذات مدلول سياسي خاصّ، فرئيس مجلس النوّاب بلطجي، يعني أنّه يحكم بعضلاته وعضلات أنصاره وليس هوعلى هذا النحو، أهلاً للحكم. هكذا تؤكّد اللفظة الجارحة موقفاً سياسياً يستبعده من العمليّة السياسيّة والمشاركة في الحكم. كان ردّ رئيس مجلس النوّاب شعبيّاً فقد نزل أنصاره إلى الشارع في نوع من التحدّي الصريح، فبدا أنّ البلاد على وشك انقسام هي جاهزة له. وطرحت مسألة التحالفات والعلاقات السياسيّة والنظام برمّتها. أمّا المسألة التي بقيت في الخفاء وإن بدا أنّها معروضة للمستقبل، فهي موقع الشيعة داخل النظام اللبناني وأمام توزع موقفهم بين المقاومة والتحرير، وبكلمة أخرى السلاح، وبين المشاركة في الحكم. تلك المسألة لا تخصّ نبيه برّي وحده بل تخصّ بالمقدار ذاته وربّما أكثر، حزب الله الذي بعد أن صمت عن مرسوم الأسبقيّة لم يلزم الصمت بعد شتيمة البلطجي فدانها.

ليست “امل” حركة نبيه برّي، هي الأقوى بين الشيعة. حزب الله بسلاحه وعديده وأنصاره هو الأقوى، وقد سبق بين الإثنين تنافس وعراك مسلّح أعقبه تحالف تامّ. ورغم أنّ حزب الله موجود في شتّى مؤسسات الدولة، في البرلمان والأجهزة الحكوميّة والوزارة، الآّ أنّ الدولة ليست بالنسبة لحزب الله هدفه الأوّل، فالمقاومة بسلاحها الّذي يتفوّق على الجيش الرسمي نفسه هي اولويته بالتأكيد والنزاع العربي الإسرائيلي والفلك الإيراني هما مقوّما سياسته اللذان لا يعدل بهما شيئا. السياسة اللبنانيّة والتسابق اللبناني على الدولة و الخدمات ليسا همّه الرئيس. يهمّه من الوضع اللبناني أن يؤمّن له اعترافاً لبنانياً وتغطية رسميّة لأولوياته الإستراتيجيّة. هذا بالتأكيد يلزمه بأن يقف من السياسة اللبنانيّة وأطرافها الطائفيّة بنزاعاتها وإستعراضاتها وتحالفاتها، موقفا حذراً ومجانباً في أحيان كثيرة. فهو لا يجازف بالتغطية الشعبيّة والرسميّة، يحاذرأن تحسب قوتّه امتيازاً شيعيّاً وأن تتعامل معه الطوائف الأخرى على هذا الأساس، فيخوض هكذا في النزاع الأهلي ويضيّع فيه هدفه الإستراتيجي الذي ليس محليّاً بل هو إقليمي، وإذا توسعنا رددناه إلى المنطقة كلّها. حزب الله هكذا يستمدّ من الشيعة مصدراً ومادّة ورعفاً إيديولوجيّاً وتحريضيّاً، لكنّه يتجنّب أن ينحدّ بهم او يدخل في التوازن الداخلي من بوّابتهم، كما أنّه حريص على ألا يؤذي هذا الإعتراف الرسمي والشعبي.

من ناحية أخرى فإن نبيه برّي جزء من النظام اللبناني، وموازينه موازين هذا النظام الذي هو صراع الجماعات على الدولة وخدماتها ومواقعها. صراع لا نعدم فيه العنف والفرض والنهب، هذا الصراع هو الحياة السياسيّة بكاملها، والأرجح أن هذا ليس مسار حزب الله. فأين تكون الطائفة من خطة حزب الله، وخاصّة حين تريد الجماعات الأخرى أن تبادل سكوتها عن سلاح حزب الله بمواقع في الدولة قد تؤدي إلى إبعاد الطائفة أو على الأقل، التقليل من دورها، وخاصّة بعد حرب سوريا والعراق التي كانت بالنسبة للطائفة خسائر بشريّة. هل تكون الطائفة مع الصراع على الدولة والطموح إلى خدماتها ومواقعها، كما فعل أنصار بري أم تكون مع حق السلاح ومبادلة هذا الحق بمواقع الدولة؟