القلب النبيل قصه مشوقه بقلم : جمره الحب

مجتمع رجيم / القصص والروايات الادبية
كتبت : متلثمه بشعرهـــــــــا
-
القلب النبيل
بقلم: جمرة الحب

لم تكن جميلة و لا فاتنة .. و كانت ملامحها خشنة و حياتها مقفرة كصحراء مجدبة .. و لكنها كانت ذات قلب نبيل ملئ بالمشاعر الصادقة .. ك متدفق بالعطاء و الخير ..
و عندما جاء المليونير الشاب الوسيم اختار الأنثى الفاتنة و تدله في حبها .. دون أن ينتبه إلى ذات القلب النبيل ..
و لكن .. كان للقدر اختيار آخر .. عندما رتب بلمساته أن يضعهما وجهاً لوجه ..

و من شخصياتها:
سعاد
غادة
ممدوح
و عدة أشخاص غيرهم

نبدأ بالجزء الأول تحت اسم:
جراح قلب
اليوم خطبة أختي الصغيرة { غادة } .. و أسمع الزغاريد و أصوات الضحكات الصاخبة قادمة من صالة شقتنا الصغيرة .. جاء الجيران و الأصدقاء ليباركوا لأختي .. و حملت تعليقاتهم لي قدراً من السخرية و التلميحات الجارحة .. و بدلاً من ان تصد عني أمي الألسنة التي تأكلني .. رأيتها تشارك الساخرين سخريتهم .. و تزيد من جراحي و آلامي ..
حاولت أن أكبت دموعي .. مارست قدراً هائلاً من الإرادة في أن أتماسك .. و أنا جالسة في حجرتي الصغيرة الضيقة المطلة على ذلك المنور المعتم ..
و كانت مرآة دولابي الصغير المتهالك تعكس صورتي .. تلك الصورة التي حاولت أن أهرب منها عمري كله دون جدوى ..
صرت لا أطيق صورتي .. لا أطيق نفسي .. لا أطيق كل ما يحيط بي .. حتى الهواء الذي أتنفسه أتمنى لو منعته عن صدري .. لم أعد أحتمل حجرتي الضيقة الكالحة الجدران .. و النافذة ذات اللون المعتم .. و التي لا تأتي بأي بصيص ضوء من المنور الكريه الرائحة الذي تطل عليه .. و تلقي إلى صدري برائحة تكاد تقبض على روحي ..
حتى ملابسي القليلة في دولابي أشعر أنني لا أكاد أحتمل رائحتها .. صارت حياتي كلها عبئاً على روحي ..
و تساقطت دموعي رغماً عني .. في كثير من الأحيان لا أشعر أنني أبكي .. إلا بعد أن تبلل دموعي وجهي و ملابسي .. و تدمي عيني ..
من بين غشاوة الدموع لمحت وجهي منعكساً فوق المرآة .. و نظارتي الطبية السميكة تكاد تخفي عيني .. منذ وعت عيناي الدنيا و أنا أرتدي هذه النظارة السميكة و بدونها لا أكاد أرى .. لا تفارقني ليلاً أو نهاراً .. لكم قاسيت و عانيت بسببها من سخرية زميلاتي و قريباتي .. و كل ذنبي أن الله خلقني لا أكاد أرى بدونها .. حتى أختي الصغيرة لم ترحمني من سخريتها .. و كم من مرة أخفت نظارتي متعمدة .. لكي ترقبني ضاحكة و أنا أبحث عنها متعثرة .. أتخبط بين الجدران و المقاعد و الأرائك .. و يوم تعثرت قدمي في مقعد حجرتي بسبب إخفاء { غادة } أختي لنظارتي الطبية و سقت على الأرض و كسرت ساقي .. لم تنال { غادة } أي عقاب .. و قالت إنها لم تخف نظارتي .. بل أنا التي نسيت أين وضعتها .. و صدقتها أمي .. و نلت من عقابها الكثير برغم آلامي ..
و ظللت شهراُ كاملاً راقدة في فراشي بساق مكسورة ,, لا أنال غير سخرية أختي { غادة } .. و بعض إشفاق أمي .. و كثير من غضبها .. و لهذا صرت لا أطيق نظارتي الطبية أيضا ..
كتبت : متلثمه بشعرهـــــــــا
-
يقولون إن المذاكرة أكلت نظري .. و تسخر { غادة } مني قائلة : ما فائدة الشهادة التي تسلب من الفتاة عينيها .. إن الرجل عندما يختار زوجة له يختارها جميلة و لو كانت بلا شهادة .. و لكن بماذا ستفيده شهادتها إذا كان معها نظارة طبية لا تكاد ترى بدونها ؟
فهل كانت نظارتي الطبية ثمناً لشهادتي الجامعية التي حصلت عليها بتفوق .. أن انها كانت قدراً حزيناً .. ككل مايحيط بي في هذه الحياة ؟
أقتربت من المرآة .. مسحت دموعي .. و قفت لحظه احدق في صورتي المنطبعة فوق صفحة المرآة مشوشة مضطربة ..
وجه قمحي اللون أقرب إلى السمار .. الأنف كبير غير متناسب مع العينين الصغيرتين السوداوين .. و الشفتان واسعتان شاحبتان .. و الذقن عريضة غير رقيقة .. و بشرتي خشنة جافة .. و الشعر القصير مجعد لا تفلح أي كريمات في تهذيبه و تصفيفه ..
كانوا يقولون عني دائماً أن ملامحي ملامح رجل أخطأت الطريق إلى أنثى .. و كانت أشقى سنوات عمري هي سنوات دراستي الجامعيه ..
في المدرسة لم يكن وعيي قد تفتح .. و كنت لا أزال طفلة حتى بعد أن حصلت على الثانوية العامة .. طفلة منغلقة على نفسها .. و كان يترامى إلى أذني سخرية كنت اتحملها .. فلم أكن أرى فيهم إلا مجموعة من الأطفال المتفاخرين بأشياء لا فضل لهم فيها ..
و لكن .. كان الحال في الجامعة مختلفاً تماماً ..
رأيت هناك عالماً واسعاً كبيراً .. و أشكالاً مختلفة من الفتيات و الشبان ..
لم أكن أشبه أحداً فيهم ..
لم أسمع أحداً يسخر مني .. و لكنني رأيت ذلك في عيونهم .. لم أسمع أي تعليق جارح على ملامحي .. و لكنني أدركت مدى نفورهم مني و تجنبهم لي .. و إشاراتهم البعيدة الساخرة التي كانت تقصدني من وراء ظهري .. و جرح سمعي تغيير أسمي فأطلقوا علي أسم { سعد } بدلاً من { سعاد } .
كانوا يعاقبونيي على ذنب لم أرتكبه .. و يؤلمونني على فعل لم أذنب فيه ..
و لم تكن لي حيلة غير الانطواء .. و الوحدة .. بعيداً عن قسوة هذا العالم ..
لم تكن لي صداقات .. و حتى القليلون الذين حاولوا التقرب مني .. كان ذلك لرغبتهم في الإستفادة من ملخصاتي و كراساتي الدقيقة .. و بعد أن ينالوا مايريدون يبخلون علي حتى بتحية الصباح .. و ينضمون إلى قافلة الساخرين ..
لم تكن تفوتني محاضرة واحدة .. فلم يكن لي من رفيق و لا صديق غير دراستي بكلية التجارة .. و كنت أسمع أمي تقول لي باستمرار : إذا لم تحصلي على شهادتك فلن تتزوجي أبداً .. فالشهادة هي سلاح الفتاة ضد الزمن ..
و كانت تصمت و لا تكمل .. و لكنني كنت أقرأ في عينيها بقية حديثها المبتور .. كانت عيناها تقولان لي : إذا لم تحصلي على شهادة جامعية تغري رجلاً ما بالزواج منك .. فأي إغراء آخر قد يدفع أي رجل في هذا العالم للارتباط بك ؟؟
كتبت : متلثمه بشعرهـــــــــا
-
و هكذا كانت آلامي تتزايد .. و جراحي تتعمق .. و أحزاني تتعملق ..
لم أسمع أمي أبداً تطلب من { غادة } أن تذاكر .. بل كانت دائماً تدللها و تحضنها و تقبلها و هي تقول لها : يا بخت العريس الذي ستكونين من نصيبه .. فسيتزوج حورية من الجنة ..
ثم تعقد حاجبيها شأن التاجر الذي يدرك قيمة بضاعته .. و تضيف : لن أزوجك إلا لمن يستحقك .. و يدفع ما أريد من مهر ..
و ذا راتها تستذكر دروسها في أحيان قليلة تلومها قائلة : لا تكثري من المذاكرة لئلا تتعب عيناك الجميلتان ..
كانت { غادة } تصغرني بخمس أعوام .. و هب في الثانية و العشرين .. و أنا أكاد أتجاوز السابعة و العشرين ..
و منذ ولادة { غادة } .. تضاعفت آلامي و صارت مثل شجرة أحزان لها ألف فرع .. لا تصد عني ألماً أو تدفع عني أذى أو جراحاً ..
لم أكن أكره { غادة } أختي أبداً برغم الآلام التي سببتها لي .. كنت أحبها مثل نفسي .. كقطعة مني .. هي أختي الوحيدة .. و لكن هل كانت { غادة } تحبني بنفس القدر ؟؟
أذكر و أنا طفلة أنني كنت موضع عناية أبي .. و كان { رحمه الله } رقيقاً عطوفاً .. يأتبيني باللعب و الهدايا و كل ما أتمنى ..
و كانت أمي خشنة العاطفة معي .. في معاملتها لي نفور و ضيق .. كأنها نادمة على أنها أتت بي إلى الدنيا ..
كنت أسمعها تقول عني : ليتها كانت ولداً !!
و كانت خالتي تقول لأمي ساخرة و هي تقصدني : على ماذا تحمت عندما كنت حاملاً فيها؟؟
و كانت إحدى جاراتي تسميني الشاويش { عطية } ..
لم يحدث أن سمعت كلمة تدليل من إنسان حولي .. حتى أمي ..
و كنت أسمع و أرى و أختزن في عقلي .. حتى دون أن أفهم .. و كانت حياتي إلى ذلك الحين محتملة ..
ثم جاءت { غادة } و أحدثت انقلاباً في حياتنا ..
كتبت : متلثمه بشعرهـــــــــا
-
كانت { غادة } شيئاً آخر .. جميلة كالقمر المنير .. وجه أشقر فاتن رقيق كنسمة الربيع .. و عينان لوزيتين خضراوان صبوحتان كندى العشب .. و شعر بلون الذهب .. و أنفها و فمها كانا تحفة للناظرين ..
و طارت أمي بمولودتها الجديدة الفاتنة ..
و بدأت { غادة } تحتل أهتمام الجميع .. الأقارب و الجيران و الأصدقاء ..
كانوا جميعاً يطرون جمال { غادة } .. ثم يكملون في لهجة آسفة : سبحان الله .. من يصدق أن من يأتي بمثل هذا الجمال الفاتن .. ينجب مثل تلك الوحاشة ؟؟ و كانوا يقصدونني بالطبع ..
و منذ تلك اللحظات .. لحطات المقارنة الأولى .. بدأت أحزاني و آلامي تتضاعف و تنمو مثل شجرة صبار .. تعاني من هجير المشاعر حولها .. ولا ترويها إلا قطرات دموعها .. فتنمو جافة يابسة .. ميتة المشاعر ..
كنت أختفي في حجرتي إذا ما أتى أقارب أو أصدقاء للزيارة .. حتى لا تقع عيونهم على وجه المقارنة .. أختفي من سخريتهم و كلماتهم الجارحة ..
و هكذا تعلت أن أكون وحيدة .. مبتئسة .. و كان الجميع ينسونني .. و في أحيان كثيرة كنت أبقى في حجرتي يومين كاملين لا أخرج منها إلا إذا كاد الجوع يقتلني .. و إذا لم أفعل .. لم يتذكرني أحد .. ولا حتى أمي !!!
و كثيراً ما اختلست النظرات و أنا طفلة إلى { غادة } .. و كثيراً ما وقفت أمام فراشها أتأمل تقاطيعها الجميلة .. ثم أنظر إلى المرآة .. و أتساءل في حزن : لماذا لم يخلقني الله جميلة مثل أختي .. حتى أنعم ببعض هذا الحب و الاهتمام الذي تناله من الجميع ؟؟
كتبت : متلثمه بشعرهـــــــــا
-
و لم يكن يشفق علي غير أبي .. و كنت احبه مثل روحي ..
و لكن .. لأن الدنيا اعتادت أن تضن علي حتى بلحظة سعادة مسروقة .. لذلك سقط أبي مريضاً .. و مات بعد أيام قليلة ..
حدث ذلك و عمري عشر سنوات ..
و ترك أبي لنا بعض المال و معاشاً لا بأس به استطاعت امي أن تدبر به حياتنا ..
و لكن موته ترك في قلبي جرحاً لا يندمل أبداً .. و مزيداً من الأشواك و المعاناة .. و طعم الصبار المر على شفتي لا يتركني أبداً .. فلم يكن أحد يحبني في هذا العالم .. مثل أبي ..
و أكملت الأيام دورتها ..
و كبرت { غادة } .. و كبرت انا قبلها ..
كنت احبها و أفخر أنها أختي الجميلة .. و لكنها تمتعض لمجرد ظهوري معها أمام الأصدقاء .. و تكاد تتبرأ مني .. تتأفف من كلمة أختي .. لا تطيق حتى أن تراني في مدى عينيها ..
كانت ترفض أن أذهب معها لتوصيلها إلى المدرسة .. حتى لا تضطر أن تقول أمام صاحباتها أني أختها ..
و ترفض أن تذهب معي لشراء شيء ما .. حتى لا أخطئ أمام البائع و أناديها بكلمة أختي ..
و كانت دائماً ترفض وجودي بجوارها .. ربما لأن في وجودي إهانة لجمالها و تقليلاً من شأنه .. و برغم أنها تصغرني .. فقد تعلمت أن تعطيني الأوامر .. تطلب مني أن أؤدي لها واجباتها المدرسية .. و أغسل لها ملابسها .. و أنظف حذائها ..
لا أنام قبلها أبداً .. و أستيقظ في الصباح لأجهز لها الإفطار و الشاي قبل ذهابها للمدرسة .. بل قبل استيقاظها ..
كانت تعتبرني شيئاً أقل منها .. ربما خادمتها .. لم تعاملني أبداً على أنني أختها .. لكنني لم أكرهها برغم ذلك ..
لم يتعلم قلبي الكراهية .. و لا تدنس بمشاعرها أبداً .. و كنت أغفر لها و أسامحها دائماًُ .. و أصرت { غادة } ان تحصل على أكبر حجرة في المنزل لتكون حجرتها فلم تمانع أمي .. و صار نصف معاش أبي يصرف على ملابسها و زينتها فلم تعترض أمي .. و رسبت { غادة } في الثانوية العامة ثلاث مرات فلم تلمها أمي أبداً ..
كتبت : متلثمه بشعرهـــــــــا
-
كانت أختي تحتل من أمي كل مشاعرها و اهتمامها .. و لم يكن لوجودي أية قيمة في عيني أمي ..
صنعت أمي من تمثالها الجميل .. أنانية و تقديساً للذات بلا حدود .. و أنطلقت { غادة } تمارس أنانيتها و غرورها على الجميع .. حتى أمي ..
في دولابها عشرات الفساتين و الأحذية .. و أدوات الزينة و الروائح .. و لم أكن أجرؤ حت على إلقاء نظرة إلى كل هذه الأشياء .. و لكن ذلك لم يدفع بأي كراهية إلى نفسي .. فهي جميلة الجميلات .. و ست الحسن و الجمال .. و من كان لهن مثل هذا الجمال .. يكون من حقهن امتلاك أشياء أخرى كثيرة .. لا يحق لمن كانت مثلي امتلاكها أبداً ..
كنت أجد آلاف المبررات لأختي .. كي أستمر في حبها .. برغم كل ما تفعله بي ..
و ذات يوم و أنا في الجامعه .. فوجئت بها تذهب إلى هناك .. كان في عام الليسانس منذ ست سنوات .. كان عمرها ستة عشر عاماً .. كانت في بداية اكتمال انوثتها و تمام مراهقتها .. و قد أضفى عليها احساسها بجمالها و فتنتها رونقاً و بهاءً .. وجهها و جسدها كانا يشعان بتلك الأنوثة الفوارة .. و عيناها تطمحان إلى الانطلاق إلى أجواز السماء فوق جواد جمالها الجامح غير العادي .. و كأنما حدث انقلاب في الجماعة بوصول تلك { الغادة } ..
و تقاطر الطلاب و الطالبات لرؤية تلك الفاتنة الساحرة .. فالجامعة كلها لم يكن لها فتاة لها مثل جمال { غادة } .. أختي .. حتى بنات الأثرياء و العظماء لم يكن لهن مثل فتنة { غادة } .. كانت فلتة من صنع الإله لا تكرر ..
و ما إن عرف الزملاء بتلك الصلة التي تربطنا .. حتى أصابهم ذهول عظيم .. كأنهم لا يصدقون أن مثل ذلك الجمال يمكن أن ينتمي بأي صلة إلى تلك الوحاشة ..
و أحسست يومها أنني أكاد أسقط في بئر .. تجلت المقارنة بيننا واضحة في عيون الآلاف .. كأنهم في كل لحظه كانوا يمدحون جمالها .. كانوا يسقطون علي في نفس اللحظة فيضاً جارحاً من تعبيرات السخرية و الشفقة المزعومة ..
الصفحات 1 2  3  4  5  ... الأخيرة