إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-




إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم



الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
يقول ربنا تبارك وتعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]
فالسنة الإلهية أن تغيير الله على عبادة لابد أن يسبقه تغيير منهم فإن غيروا للخير غير الله ما هم فيه للأحسن وإن غيروا للشر سلبوا النعمة وحلت بهم النقمة وسنة التغيير الإلهية تجرى على البشر أفراد وجماعات.

أخي يا من تريد أن تتغير للأحسن:
تنام عن صلاة الفجر وتود المحافظة عليها فغير نفسك نم مبكرًا واعط بدنك نصيبه من النوم فالسهر من أسباب تركك لصلاة الفجر.

تتمنى أن يكون لك نصيب من قيام الليل ونعم الأمنية لكن لا يكفي ذلك غير نفسك وأبذل الأسباب التي تعينك على قيام الليل من نوم النهار والنوم مبكرًا وترك الإكثار من الأكل والشرب وأعظم الأسباب ترك المعاصي فالإصرار على المعاصي من أعظم أسباب الحرمان من الخير.

تشكو من عدم الخشوع في الصلاة فإذا كبرت تكبيرة الإحرام هجمت عليك الوساوس فلا تزال على ذلك حتى السلام تتمنى أن تخشع في صلاتك وتكون الصلاة قرة عينك فغير نفسك احضر للمسجد مبكرًا احضر قلبك حين القراءة تأمل ما تقوله من أذكار لا تداوم على ذكر معين فنوع في أذكار الاستفتاح والركوع والسجود والتشهد والصلاة الإبراهيمية فإذا غيرت ما في نفسك وجاهدتها تغيرت حالك مع الصلاة.

تريد أن تستغني عن ما في أيدي الناس ويزول عنك ذل المسألة فغير ما في نفسك دع الكسل وكثرة النوم واطرق أبواب الرزق وابدأ بالعمل وإن كان ليس الذي تتمناه فإذا بدأت تيسرت لك الأمور فغير يغير الله عليك.

لا تجد في نفسك تواضعًا مع إخوانك المسلمين تجد البعض ينفر منك لغلظة طباعك تتمنى أن تكون آلفا مألوفا تغبط البعض لحسن تعامله مع الناس وحسن الألفة بينه وبين الناس القريب والبعيد. فغير ما في نفسك اخفض جناحك للمؤمنين ابدأهم بالتحية والابتسامة تواضع للصغير قبل الكبير تعبدًا لله فهذه صفة أولياء الله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[المائدة: 54]

لا تر لنفسك حقًا على أحد من عاملك معاملة حسنة عده محسنًا ومن لم يقدرك قدرك لا يقع في نفسك عليه شيء فغير تعاملك مع من حولك تتغير حالك.

كنت تعد نفسك في عداد الصالحين المصلحين ثم بدأت تضعف بدأت تتساهل ببعض الواجبات وتترك بعض المستحبات وتقع في المنهيات بدأ التقصير عليك ظاهرا يلحظه الجميع فغيرت فغير الله عليك فارجع إلى حالك الأولى وجاهد نفسك.

تشعر أحيانا بضيق عارض في الصدر لا تعلم سببه فغير نفسك بلزوم الذكر والدعاء وكرر دعاء الهم حتى يزول ما تجده فعن عبدالله بن مسعود - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ قَالَ أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ "رواه الإمام أحمد (4306) بإسناد صحيح.

حينما تشعر بضيق الصدر وهجوم الهموم المستمرة فلا تهنئ في عيشك في اليقظة ولا في المنام ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124]
فغير ما في نفسك ليزول ما تجده فاستبدل المعصية بالطاعة واستبدل السماع المحرم بسماع ما يحبه الله ويرضاه حصن جوارحك عن المحرمات فلا تغيير من هذه الحال إلا بتغيير حالك إلى الأحسن.

نفسك تميل للتوبة وتكره المعاصي ولكنك مستمر عليها تهم بالتوبة ثم لا تتوب وإن تبت سرعان ما تعود تريد التخلص من المعاصي التي تضر بدينك ودنياك كالدخان لكنك وسط أناس مصرين على هذه المعاصي فلا تتخلص منها إلا إذا فارقت هذا المجتمع السيئ الذي يجرك للمعصية جرًا وتذكر قصة "الرجل الذي قتل مائة نفس فقال للعالم هل لي من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء "رواه البخاري (3470) ومسلم (2766) من حديث أبي سعيد الخدري فإذا غيرت ما في نفسك بتغيير جلسائك غير الله حالك.

الخطبة الثانية
لا يغير الله على عباده ويسلبهم نعمة. نعمة الأمن في الأوطان ورغد العيش وصحة الأبدان واجتماع الكلمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من تبديل شرع الله وتعطيله وترك المأمورات والوقوع في المنهيات يقول ربنا تبارك وتعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].

فإذا غير الناس في الأرض جاء التغيير من الله يقول الله تعالى ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53].

حينما تركت الأمة الجهاد في سبيل الله وتركت الاحتساب أصيبت بالذل والهوان فكل الأسباب المادية لتفوق المسلمين موجودة من كثافة سكان وموارد طبيعية و جغرافي وغير ذلك إلا أن اليهود والنصارى يتحكمون بمصير هذه الأمة لا تملك قرارها فشرذمة قليلون يحتلون فلسطين والنصارى يحتلون بعض بلاد المسلمين تارة بجيوشهم وتارة بمن ينصبونهم على المسلمين وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الواقع وبين لنا المخرج منه فعن ابن عمر (قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ "رواه أبو داود (3462) ورواته ثقات فالحل في رجوع المسلمين إلى دينهم كما أمرنا ربنا تبارك وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]
فلابد من التغيير بالقيام بشعائر الإسلام كلها في كل شؤون الحياة حسب القدرة وترك ما يخالفها.

نريد وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم كما حكم ربنا تبارك وتعالى بقوله ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92]

فلنغير ما بأنفسنا لنحسن التعامل مع إخواننا المسلمين ونقدرهم جميعا نواليهم على حسب ولائهم لله لا لوطن ولا لون ولا لقبيلة أو مصاهرة أو نسب فالكل مسلمون والرابطة التي تجمعنا جميعا هي رابطة الإسلام فنحن نعبد ربا واحدا وأتباع دين واحد فإذا غيرنا ما في أنفسنا تغير واقع تقسيم المسلمين الذي فرضه المستعمر النصراني.

التغيير سنة الإلهية فإذا أردنا أن نغير من واقعنا أفراد وجماعات فلنساهم في مدافعة الشر وفي إشاعة الخير نساهم في إصلاح المسلمين كل بحسبه.

التغيير لابد له من تضحيات تضحية ببعض حظوظ النفس بالتخلي عن بعض المكتسبات بالتخلي عن بعض الشهوات.

تأملوا التغيير الذي أحدثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في نقل هذه الأمة من مجموعة من القبائل العربية المتنافرة المتقاتلة التي يعمل بعضها للفرس والبعض للروم.
لم تحدث هذه النقلة إلى أمة لها حضارتها وقيمها وفرضت قوتها وهيمنت على العالم بعدلها لم يحدث بمجرد أماني بل حصل ذلك ببذل وعطاء وتضحيات ولن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

الشيخ أحمد الزومان
كتبت : سنبلة الخير .
-
كتبت : دندوونه
-
اسمحى لي ابدي اعجابي بقلمك وتميزك واسلوبك الراقي وتالقك
كتبت : منتهى اللذة
-
جَزْاك الله خَير الجًزاء
كُل الشُكْر والتَقْدِير لَك
ولطَرْحِك القَيْم ..
احترامي وَتقْديرْي
كتبت : حنين للجنان
-


ما شاء الله خطبه راائعه
جزاكِ الله خيرا
على انتقاء الرائع
لا حرمتي الاجر والمثوبه

كتبت : دكتورة سامية
-
والله إنك رائعة أخيتي
والله أدعو أن يجعل ذلك ثقيلاً في الميزان
يوم لا ظل إلا ظله

اللهم اشرح صدرها
ونور قلبها واختم

بالصالحات أعمالها

اللهم ثبتها بأمرك
وأيدها بنصرك
وارزقها من فضلك

وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه



الصفحات 1 2 

التالي

واجبات بين المسارعة والمجادلة - الشيخ على بن عمر بادحداح

السابق

من هدايات السنة النبوية - حديث صلاة داود وصيامه

كلمات ذات علاقة
الله , بأنفسهم , تقول , دبي , يغير , يغيروا