إنكار المنكر - الشيخ إبراهيم الدويش

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
إنكار المنكر - الشيخ إبراهيم الدويش

kj98fmwnubkuwoojnqp3





الحمد لله على فضله وإحسانه، جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وأشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله حث أمته على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما في ذلك من الخير العظيم، والنفع العميم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.


أما بعد:


عباد الله: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وركيزة أصيلة من ركائز الجتمع الرباني، دلت على ذلك النصوص، وشهد به التاريخ، ونطق به الواقع؛ كيف لا؟! وهو حصن الاسلام الحصين، والدرع الواقي من الشرور والفتن، والسياج من المعاصي والمحن، يحمي أهل الإسلام من نزوات الشياطين، ودعوات المبطلين.


إنه الوثاق المتين الذي تتماسك به عرى الدين، وتحفظ به حرمات المسلمين، ولا تكمل أركان الخيرية لهذه الأمة إلا به: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].


ونحن بحاجة شديدة إلى إحياء هذه الشعيرة، خاصة في هذا الوقت الذي كثرت فيه المنكرات، وشاع الفساد، وتموج الفتن كموج البحر.


إن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست قضية أفراد أو هيئات فحسب؛ وإنما هي مهمة المجتمع، ومعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إصلاح المجتمع والحيلولة دون فساده، فهل يتصور مجتمع بدون أمر ونهي؟ وهل من المعقول أن يصلح المجتمع بدون توجيه للمخطئ والقول له بأنك أخطأت، والوقوف في وجه العابث، والأخذ على يده؟.


عباد الله: إن القضية مهمة جدا، والأمر بالغ الخطورة، فإن أعداء الاسلام في الداخل والخارج كل منهم قد أخذ معولا -بل معاول- ليخرقوا بها سفينة المجتمع؛ فهل نتركهم ونغرق، وكلٌّ يقول: نفسي نفسي!

وينتظر الآخرين ليقوموا بالدور؟
أم نصبح يدا واحدة، وكلُّ مَن رأى منكرا يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؟
ومَن لم يستطع ذلك فعليه السلام، فليس في قلبه حبة خردل من ايمان، أتدرون لماذا؟
لأنهما أمران: إما ظهور المنكر وهيمنته، أو ظهور المعروف وسيطرته، ولا ثالث لهما!.

فهل علمت أهمية هذا الموضوع أو تريد المزيد؟

أقول إن المسألة مسألة هلاك للمجتمع إن لم تقم فيه هذه الفريضة، والعقوبة كبيرة عندما يهيمن المنكر ويصبح المعروف غريبا، والمسألة مسألة عذاب كلي يحل بالأمة صالحها وفاسدها إن سكت الصالحون عن الإنكار: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25]، وفي حديث جرير الذي رواه أبو داوود: "ما مِن رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا".

أيها المسلمون: إذا لم نقم بأمر الله ونسعى في إصلاح مجتمعنا بالالتزام بدين الله؛ فمَن الذي يقوم ويسعى بذلك؟

وإذا لم نتكاتفْ على منع الشَّرِّ فكُلُّنا هالك، فعَن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يدِهِ أوشك أن يعمَّهُم اللهُ بعقاب".

الراوي: قيس بن أبي حازم المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4338
خلاصة حكم المحدث: صحيح


وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة؛ ولكن إذا عملوا المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم.


أسمعتم؟

فإنكم -أيها المصلون- صمام الأمان لهذه الأمة؛ قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله ان يبعث عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم".


الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2169
خلاصة حكم المحدث: حسن


يا إلهي! أحقا يدعو الناس فلا يستجيب الله لهم، وهو القائل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]؟

وماذا يبقى للناس إذا أوصدت دونهم رحمة الله؟ ولمن يلجؤون؟ إنه موقف ينخلع له القلب!.

ربِّ عفواً إن تمادَى قلَمي *** فهْو يجري بمدادٍ مِن دمي
حسرةٌ في القلب لا ترحمُني *** فأعِنْ قلبي عليها وارْحَم
رُبَّما تحترق الأوراق مِن *** أحرفٍ ممزوجةٍ بالألم
هي نارٌ أجّجت في خاطري *** وأنا أسكبها في نغَم
لمَ لا أبكي؟ فإني بشرٌ *** لستُ يا رباه مثل الصنم


فالمجتمع الذي تقام فيه هذه الشعيرة تظهر آثارها فيه بانتشار الفضيلة، وانكماش الرزيلة، واستتباب الأمن والأمان، واختباء الشر والخسران؛ فالأمر -إذاً- في غاية الخطورة، فإذا ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوي العكس، وهو الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وحينئذ يعظم الخطب، وتشتد المصيبة؛ لأن الأمور تجري في غير مسارها، وتوضع في غير مواضعها، وتعلن الحرب مع الله، فهل تصورنا عظم المصيبة وخطورتها أيها الإخوة؟.


ولا يظن أحد أنه إذا غاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ضعف أن المشكلة هي غيابه أو ضعفه فقط؛ بل هو غلبة المنكرات والفساد وفشوها وهيمنتها، فإما هذا وإما هذا، فماذا تختارون؟.


والمصيبة الأعظم عند هيمنة المنكر أن يدخل عليك المنكر في دارك، ويهجم على أهلك وصغارك، فهلا تصورنا خطورة ترك الإنكار؟.


وسنقف مع هذه الفريضة وقفات:
الوقفة الأولى: الناس حيال هذه الفريضة أنواع: منهم مَن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومنهم على العكس من ذلك، ومنهم من يخلط بين عمل الفريقين فيعمل عملا صالحا وآخر سيئا.


والأول حال المؤمن، لقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة:71].


والثاني حال المنافقين، لقوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة:67].


والثالثُ حال المقصِّرين والعصاة والمسرفين على أنفسهم.


الوقفة الثانية: اللين ضرورة شرعية للإنكار، وهو الأصل، مادام الأمر لا يقتضي الشدة والقسوة، فهل يفقه ذلك الأخيار؟ فلا شك أن القلوب تلين إلى من يحن ويرفق بها، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159]، وأمر الله موسى وهرون -عليهما السلام- فقال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:43-44].


وقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]، قال الزمخشري في تفسيره الكشاف: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين، من غير فظاظة ولا تعنيف. اهـ.


واسمعوا لهذه القاعدة النبوية: "إن الرفق لا يكون في شيء الا زانه، ولا ينزع من شيء الا شانه"؛ بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم من ولي من أمر أمتي فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي فرفق بهم فارفق به".


الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1828
خلاصة حكم المحدث: صحيح


وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه"، وقال -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى ومعاذ -رضي الله عنهما- لما بعثهما الى اليمن: "يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا".


فالمسلم الناصح يجب أن يكون رفيقا في أمره ونهيه ونصحه، وهذا مدعاة للمودة والحبة والقبول.


ونقصد باللين والرفق المداراة وليس المداهنة أو المجاملة على حساب شرع الله فنرى المنكرات وإعلانها فلا ننكر على أصحابها حياء أو مجاملة لهم؛ فإن هذا من قلة المبالاة بالدين، وهذا أمر محرم، فقد ذم الله المشركين بقوله: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم:9].


والمقصود بالين والرفق هو أن يكون أمره ونهيه خاليا من العنف والخشونة والشدة إلا في مكانها ومع من تحت يدك ومَن ولاك الله عليهم عند ارتكابهم للمنكرات، كإنكاره على عائشة، قالت -رضي الله عنها-: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا متسترة بقرام فيه صورة، فتلوَّن وجهه ثم تناول الستر فتكه وقال: "إن مِن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله".


الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5372
خلاصة حكم المحدث: صحيح


فكم من الصور في بيوتنا! فماذا فعلنا؟ وكم تقع نساؤنا وبناتنا في المنكرات ويتحجبن بألبسة لا تزيد المرأة إلا فتنة وتبرجاً! فماذا فعلنا؟.


عباد الله: لكل موقف أحواله وظروفه، ويرجع تقديره للمنكر، لكن لابد من العلم بأصول القواعد الشرعية، خاصة في الشدة عند الإنكار، واستشارة العلماء وأهل الرأي والرجوع إليهم، قال شيخ الاسلام ابن تيمية: فلابد من هذه الثلاث: العلم، والرفق، والصبر؛ العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاث لابد أن يكون مستصحبا في هذه الأحوال.


قال سفيان الثوري: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر الا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى؛ عدل بما يأمر، عدل بما ينهى؛ عالم بما يأمر، عالم بما ينهى.


الوقفة الثالثة: إن كثيراً من الناس ليس لديهم أدنى ريب في فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يشكون في فائدته للأمة ولدينها في الحاضر والمستقبل؛ ولكنهم -مع هذا- يتقاعسون عن ذلك، إما تهاونا وإما تفريطا أو اعتمادا على غيرهم وتسويفاً، وإما جبنا يُلقيه الشيطان على قلوبهم وتخويفا، والله تعالى يقول: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175].


ومن تصور عظمة الله عند انكاره صغر عنده كل شيء، وبعضهم يتعلل بقوله تعالى: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [المائدة:105]، ولقد قطع الطريق على هؤلاء أبوبكر -رضي الله عنه- حينما خطب فقال: أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة:105]، وإنا سمعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب".


إن بعض من يجلس عند المنكر أو يجالس أهله يعلل نفسه بأنه ليس مقراً لهم وأنه منكر عليهم بقلبه، ولهذا وأمثاله يقال: إن الإنكار بالقلب يستلزم المفارقة، بمعنى أن يفارق المنكِر بقلبه أهل المنكَر ومنكرهم، كما قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140].


قال الإمام القرطبي -رحمه الله- تعالى في تفسير الآية: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله -عز وجل-: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ)[النساء:140]، فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا رب لنا سواه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن أقام أمره واجتنب نهيه ودعا بدعوته واهتدى بهداه.


وبعد: الوقفة الرابعة: وسائلُ الإنكار كثيرة ومتنوعة: الكلمة الطيبة: كم أسرت من قلبٍ!

الكُتيِّب الصغيرُ كم صحح من مفاهيم!
الشريط الإسلامي كم هدى الله به من نفس!
المطويات كم عالجت من بليات! الهاتف كم أوقف من المنكرات!
الرسالة الشخصية كم أثرت في النفسيات!
الزيارة كم يسّر الله بها من الخيرات!
الكتابة عبر الصحف والمجلات، فأين أصحاب الأقلام والابداعات؟
الوقوف مع صاحب المنكر وقت الشدة والأزمات، والمقاطعة والهجر والتشهير بصاحب المنكر إذا لم يقلع عن منكره ودعا غيره إليه.

ولا تنس الإخلاص، والرفق، والقدوة، وحسن الخلق، والدعاء؛ فإن لها آثارا عجيبة في القبول، فإن لم يكن شيء من هذا كله فلا أقل من الاتصال بالجهات المختصة من هيئات وشرطة وعلماء وطلاب علم، وإطلاعهم على المنكر بعد التثبت منه.


الوقفة الخامسة: قلوب الناس فيها خير كثير، وتقبل النصيحة وتحب الناصح؛ لكن تذكر أن أكثر الناس يقع في المنكرات جهلا منه، والكثير -والحمد لله- يفرح أشد الفرح بتنبهه ومعرفة الصواب، وتصور وأنت تأمر بمعروف وتنهي عن منكر أنك مثل الطبيب مع مريضه، لابد من الرفق واللين والتواضع والابتسامة، فكم من منكر زال بابتسامة! وكم إنسان اهتدى بالمعاملة الطيبة!.


وعليك بالصبر! وتذكر دائما ان الآمر والناهي معرض للأذى، ولا تستعجل النتائج، فما عليكم إلا البلاغ، وتذكر دائما قول الله تعال:ى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [العنكبوت:14]، ومع هذا لم يؤمن من قومه إلا القليل، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم".



الراوي: سهل بن سعد الساعدي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4210
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


وعليك بالمبادرة إلى عمل المعروف ونشره بين الناس، وألا تقف عند حد إنكار المنكر فقط، واحذر الحماس والاندفاع المجردين من الحكمة والبصيرة.


الوقفة السادسة: واجبنا تجاه القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن نكون عونا للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، تحقيقا لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة:2].


وصور التعاون كثيرة: ومنها التبليغ عن أي منكر تقع عليه عينه أو تسمعه أذنه أو يعلم بوجوده مما يكون ضرره عاما، وإذا علم من نفسه أنه لا يستطيع إنكاره، وهذا واجب على كل مسلم، ولا تبرأ ذمة من رأى المنكر إلا بإنكاره أو بالتبليغ عنه.


وأيضا مواصلتهم بالزيارة في مواقع عملهم فيحدثهم ويستمع إليهم ويبث إليهم ما في نفسه من آراء وملحوظات، ويقيم روابط الود والمحبة معهم ليشعر هؤلاء الجنود المجهولون أن المجتمع يثمن جهودهم ويقدر سهرهم وعناءهم.


ومن صور التعاون أيضا الدعاء لهم، فهم يتولون القيام بهذا الفرض بالنيابة عنا جميعا.


ومن التعاون الذب عن أعراضهم من ألسنة الطاعنين، فقد يخطئ الفرد منهم خطأ غير مقصود فتتناوشه الألسنة والأقلام من كل حدب وصوب لا يرقبون فيه إلّا ولا ذمة، ويصبح فاكهة المجالس بنقده ولومه، فيا عجبا من ذلك الشامت!.


لم كُلّ هذا التحامل والتشفي؟

أليس "كل بني آدم خطاء

أليس الموظف قد يخطئ في بعض عمله؟
أليس المدرس قد يخطئ في مدرسته فيضر طالبا وينفع آخر على حساب الأول؟

بل أليس الطبيب معرضا للخطأ في عمله فيزيد المرض سريانا وقد يتسبب في وفاة المريض؟
إن تضخيم خطأ المحتسبين نوع من الحقد والجرم في حقهم، وذنب عظيم ممن أطلق لسانه وقلمه في آحادهم أو جماعتهم أو جهازهم.

فإن تعذر عليك هذا كله فلا أقل -أخي- من الالتزام بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه-: "تكف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك".


الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 84
خلاصة حكم المحدث: صحيح

ولا نرضى لك بحال أن تنحاز إلى فئة المستهزئين الساخرين الذين توعدهم الله تعالى فقال: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:95]، وقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66].

الوقفة السابعة: ما المقياس والضابط في معرفة المعروف والمنكر؟ هل هو العرف والتقاليد أم هي الأهواء والرغبات؟ والحق أنه لا هذا ولا ذاك! فإن عرف الناس متقلب فقد يعرفون اليوم شيئا ويألفونه ويعتادونه ثم غداً ينكرونه، كإعفاء اللحى مثلا، فإنه في بعض المجتمعات أمر منكر ومستغرب لم يعتده الناس، وكتقصير الثياب ورفعها إلى ما فوق الكعبين في حق الرجال، وكذلك حجاب المرأة في بعض البلاد، وغيرها من الأمثلة.


وأيضا؛ كم من منكر أصبح معروفا مألوفا في بعض المجتمعات؟

كالغناء مثلا! منكر واضح!
لكن حين يقول إنسان ببيان تحريمه وعرض الأدلة تجد بعض الناس يستغربون ذلك، ولسان حالهم يقول: كيف يكون الغناء حراما ونحن نسمعه في الاذاعات والتلفاز والأشرطة، وتقام له المهرجانات والجلسات؟
وكذلك الربا!
وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام".


الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2083
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


وعلى هذا فإن المقياس الصحيح والضابط لمعرفة المعروف والمنكر هو الشرع، فإن كل ما حث عليه الشرع وأمر به فهو معروف، وكل ما حذر منه الشرع ونهى عنه فهو منكر، ولا يمكن للعقل الصحيح والفطرة السليمة أن يعارضا الشرع أبداً، ومن هنا يتضح أيضا فساد قول من ينادي بالحرية(الحيوانية)، فلا يمكن أبدا أن نجد في العالم كله حرية مطلقة؛ بل لابد من ضوابط وقيود، حتى في البلاد التي تدعي الحرية فإن هناك حدوداً يجب ألا تنتهك، وإن اختلفت هذه الحدود والقيود سعة وضيقا من بلد لآخر.


وهنا سؤال يطرح نفسه: من يضع الحدود والقيود للإنسان؟ فإن قلنا إنه إنسان آخر فلابد -إذا- من ميل للأهواء وحظوظ النفس والرغبات؛ لكن ما رأيكم -إخوة الإيمان- بضوابط وحدود وضعها للإنسان من هو أعلم بخلقه وتكوينه وما يصلح له وما لا يصلح؟

(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14]؟.

إننا -نحن المسلمين- مستسلمون لله، لنفخر كل الفخر ونشعر بالعزة والاستعلاء أن حدودنا وحريتنا شرعت من فوق سبع سموات، شرعها الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والذي قال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70].


فلا تكريم لك -أيها الأنسان- إلا بما شرعه الرحمن، فحسبك به! فما أمرك بأمر إلا ولك فيه خير، وما نهاك عن شيء إلا وفي تركه خير، فكن ممن قال: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [النساء:46]، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].


ومن هنا نعلم -عباد الله- أن الميزان في معرفة المعروف والمنكر إنما هو شرع الخالق لا المخلوق، فلا يلتفت -إذاً- لأصوات نشاز تدس السم بالعسل لتنقض عرى الدين عروة عروة باسم الحرية والفكر والتقدم والتنوير، وربما كانت باسم الثقافة أو الدين!.


فاتقوا الله عباد الله، وكونوا حماة لعقيدتكم، حراسا لشريعتكم، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسير الأمة إلى غايتها الكبرى من العلم النافع والعمل الصالح والريادة والرقي والحضارة الصادقة؛ ومِن ثَم يمكّن الله لها في الأرض وتقوم بخلافة الله في تنفيذ أمره ونهيه، قال تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:40-41].


أما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن شأنه أن يحول المجتمع إلى جحيم المعاصي، ويجعله لقمة سائغة لأعدائه ينفثون فيه سمومهم، وبالتالي تتزعزع العقيدة في نفوس أبنائنا، ويتمكن أعداؤنا من سلب الأمة من ريادتها، وإنزالها من عليائها إلى الحضيض، حتى تستحق العذاب، فيرفع الله عنهم رحمته، نسأل الله أن يرحمنا برحمته.


فْلنتَّعِظْ ولْنَعْتَبِرْ، واتقوا الله عباد الله، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وخذوا على أيدي السفهاء تنجوا وتنج سفينتكم.



td1douc63dwrywebu4iv


كتبت : دكتورة سامية
-

أختي الفاضلة
جزاكِ الله عنا خير الجزاء وأجزله وأوفره

اسأل الله تعالى أن
يثقل ميزانكِ بكل حرف سطر في هذه الصفحة
وأن يجعل كل ما خطته يمينننا في هذا
المنتدى حجة لنا لا علينا
ويبيض به وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه

لكِ
مني وافر الشكر وأجزله
ونسأل الله تعالى أن يجمعنا جميعا في جنات النعيم وأعلى
عليين
وأن يجزل لكِ العطاء ويجزيكِ بخير ما يجازي به عباده الصالحين

ويوفقكِ لخيري الدنيا والآخرة ويجعل الفردوس الأعلى مآواكِ ومآوانا

إنه ولي
ذلك والقادر عليه
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصَحْبه
وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

كتبت : * أم أحمد *
-
جَزَآْك رَبِّيْ خَيْرَ الْجَزَآْءْ ~
وَ جَعَلَهُ فِيْ مَوَآْزِيْنِ حَسَنَآْتِك ~
وَ بَآْرَك فِيْك وَ أَثَآْبَك الْجَنَّةْ بِ غَيْرِ حِسَآْبْ ~
لَآْ حُرِمْنَآْك ~
كتبت : سنبلة الخير .
-
آللهْ يعطيكِ آلفْ ع ـآفيهْ
جع ـلهُ آللهْ فيّ ميزآنْ حسنآتِك
أنآرَ آللهْ بصيرتِك وَ بصرِك بـ نور

آلإيمآنْ شآهِد لِكِ يومـ آلع ـرض وَ آلميزآنْ
وَ ثبتِك علىـآ آلسُنهْ وَ آلقُرآنْ
لِكِ جِنآنَ آلورد مِنَ آلجوريّ


كتبت : شهريار
-
جَزَآْك رَبِّيْ خَيْرَ الْجَزَآْءْ ~

وَ جَعَلَهُ فِيْ مَوَآْزِيْنِ حَسَنَآْتِك
كتبت : || (أفنان) l|
-
ياقلبي

بارك الله جهودكِ الطيبة
اسْأَل الَلّه ان يُجْزِيْك خَيْرَا عَلَيْه وَان يَجْعَلُه فِي مِيْزَان حَسَنَاتِك
بأِنْتِظَار كُل مَاهُو مُفِيْد وَقِيَم مِنْك دَائِمَاً
كل الشكر لكِ مع خالص الود والتقدير
الصفحات 1 2 

التالي

باب الصبر من كتاب رياض الصالحين للعلامة الشيخ بن العثيمين رحمه الله

السابق

المنهج النبوي التطبيقي في الفتن - الشيخ إبراهيم الدويش

كلمات ذات علاقة
المنكر , الدويس , الصحى , إبراهيم , إنكار