تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



عباد الله: إن الله -سبحانه وتعالى- أنزل كتابه مباركاً ونوراً، وهدى وشفاء وموعظة، أنزله لنتدبر آياته؛ وتلاوة القرآن لها أجر عظيم، وتجويده له أجر عظيم، ولكن تدبره هو الوظيفة الأساسية للإنسان. لماذا أنزل الله القرآن؟ لِيدَّبَّرُوا آياتِه.



التلاوة تعين على التدبُّر، والتجويد، ومعرفة الوقوف، وحق الحروف، وأما التدبر فإنه إعمال العقل في معنى الآية، وهذا يزيد الإيمان، ويدفع للعمل؛ ولذلك ذكر ربنا -سبحانه وتعالى- في كتابه أنه أنزله ليتدبروه.



والتدبر قد يكون من الإنسان وحده: (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ:46]، وقد يكون التدبر جماعياً، وهو عملية مدارسة القرآن التي ذكرها نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"، والسكينة هي الطمأنينة والوقار.



التدارس عبادة عظيمة نسيها أكثر الناس، اجتماعك بأهلك للمدارسة مع الزوجة والأولاد لمدارسة القرآن، في اجتماعك مع أصحابك لمدارسة القرآن؛ مجالسنا كثيرة، مناسباتنا متعددة، اجتماعاتنا ذات عدد، لماذا لا نستثمر فرصة الاجتماع للتدارس ولو لجزء من الوقت؟ هذه المدارسة قِمَّتُها أن تكون في المسجد عندما يقعد أهل الإيمان ويتنادون بقولهم: تعالوا نؤمن ساعة. ويتدارسون كتاب الله فيما بينهم.



عباد الله: إن هذا التدارس شأنه عظيم، وأجره كبير، وهذا التدارس هو القراءة بتمعُّن، معرفة المعنى، وإنزال المعنى على الواقع؛ هذه المدارسة عبادة عظيمة نكاد نفقدها اليوم، وأكثر ما يقوم الناس به تجاه القرآن هو التلاوة، لكن المدارسة قليل من يقوم بها، إنه يشملها حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعاهدوا القرآن"، لأن التعاهد مراجعة الحفظ والتلاوة، نعم، ويدخل فيها أيضاً تعاهدوا واهتموا بالقرآن، ومنه هذه المدارسة.



هذه المدارسة جعلت الصحابة مِن قبلنا يحرصون عليها؛ لأنها تزيد الإيمان، وتربط بالرحمان، وكل من فقه الكتاب أكثر اقترب منه أكثر، وكل من فهم مراده أكثر أحبه الله أكثر، وهذه هي أهمية المدارسة، أهمية التدبر، أن تقترب من ربك زيادة، أن يحبك ربك زيادة، وكذلك فإن هذا التدبر يعين على الحفظ، يعين على رسوخ القرآن بالنفس؛ لأنك إذا فهمت المعنى فإنه يصعب عليك بعد ذلك أن تنسى الآية.



وأيضا يحقق الترابط والتآلف؛ لأن التدارس اجتماع مؤمنين حتى لو كنت مع أهلك من أجل تحقيقه، إنه يُزكِّي النفس؛ ثم ماذا نريد أكثر من أن تتنزل علينا الرحمة والسكينة والملائكة؟
وأن يذكرنا الله فيمن عنده؟
وكل هذا مقابل هذه العبادة التي يقوم من قام بها.



رمضان قادم، نسأل الله أن يبلغنا رمضان، ومن السنن فيه كما جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنه- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فكانت المدارسة بين الرسول الملَكي والرسول البَشَري تتم ليلا، دليلاً على أهميتها.



والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب أن يسمع القرآن من غيره أحياناً، كما أمر ابن مسعود أن يقرأ عليه ليكون ذلك عونا على التدبر والتفكر، وأن تكون مدارسة.



كان الصحابة يجلسون في المسجد يتدارسون القرآن، يتعلمون الفرائض والسنن، ويذكرون الله -عز وجل-، وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم الإيمان مع تعليمه القرآن، كان الصحابة يجتمعون فتطرح قضية قرآنية، مثلا: أي آية في كتاب الله أرجى؟ هناك آيات تخيف، وآيات فيها ذكر رحمة تبعث على الرجاء، فمثلا يقولون: أخوف آية في كتاب الله: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء:123].



ما هي أرجى آية؟ حتى يعيش المسلم بين الخوف والرجاء، فقال بعض الصحابة: إن أرجى آية قول الله تعالى: (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) [غافر:1-3]؛ فقدم غفران الذنب على قبول التوبة، وقال آخر: إن أرجى آية: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) [الحجر:49]، فقدم المغفرة والرحمة على العذاب؛ وقال آخر إن أرجى آية في كتاب الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]؛ وقال بعضهم: إن أرجى آية في كتاب الله: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [يعني بشرك] أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].



وهكذا كانوا حتى في استقبال المسافرين والتعامل معهم تحصل مناقشات ومدارسات للقرآن، قال معمر: بلغني أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مر به ركب فأرسل إليهم يسألهم مَن هم؟ مَن أنتم؟
قالوا: جئنا من الفج العميق. قال: أين تريدون؟
قالوا: نريد البيت العتيق. فقال عمر: إن لهؤلاء نبأ! ما داموا بهذا الفقه وهذه الإجابات: جئنا من الفج العميق نريد البيت العتيق.



فأمر رسوله أن يسألهم: أي آية في كتاب الله أحكم؟
قالوا: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]، فأي آية أعدل؟
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل:90]، قال: فأي آية أعظم؟ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة:255]، قال: فأي آية أرجى، قالوا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].



وعمر -رضي الله عنه- كان يدخل ابن عباس، مع صغر سنه، على الصحابة الكبار معه في المجلس، ويقول بعضهم: عندنا أولاد في مثل سنه فلماذا يُدخله علينا؟ حتى سألهم عمر يوماً: ما تقولون في قول الله -عز وجل-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [سورة النصر]، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وهذا ظاهر الآيات! هذا كلام ليس به استنباط، هذا ظاهر السورة، وبعضهم سكت فلم يقل شيئاً.



فقال عمر لابن عباس: أكذلك تقول يا ابن عباس؟
قال: لا. قال: ما تقول؟
فقلت: هو أَجَلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلَمَهُ له، فقال: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فذلك علامة أجلك ودنو موتك وقرب انتقالك، فسبح بحمد ربك واستغفره. قال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول. فِعلاً هكذا!.



هذه الإشارة في السورة مَن يفهمها؟
أصحاب التدبر ومَن فتح الله عليه، وهذا ما دعا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفقِّهه الله في الدين، وأن يعلمه تأويل القرآن؛ وكذلك حصل في قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) [البقرة:266]، عمر يسأل ابن عباس عن هذه الآية، فقال ابن عباس: ضُربت مثلا لعمل. فقال عمر: أي عمل؟
فقال ابن عباس: لعمل. فقال عمر: رجل غني يعمل الحسنات ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.



مثل نقرأه ولكن من الذي يعرف مدلول المثل؟

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ)، جنة بستان عظيم ملتف الأشجار، وهذه الأشجار فيها بدائع وروائع الثمار نخيل وأعناب، ليس عنبا بل أعناب، لأن العنب أنواع، وبالإضافة إلى ذلك له فيها من كل الثمرات، كم نفاسة هذا البستان عنده؟ ما قيمة هذه الجنة عنده؟ كبيرة جداً، لنفاسة ما فيها.


هذه حاله المادية، ما هي حاله الاجتماعية؟

(وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ)، دخل في الشيخوخة، الآن هو ضعيف عن العمل، فهذا البستان بالنسبة له تقريباً كل شيء في رزقه، مصدر المال في المعيشة، يعيش عليه، أصابه الكبر، ليس عنده قدرة الآن على أن يكتسب شيئاً جديداً، فهو محتاج إلى البستان جداً، وليست القضية هكذا فقط، بل إنه كما قال الله (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ)، عنده ذرية صغار وعجز عن العمل لعاهة أو لمرض، أصابه اكبر وهم ذرية ضعفاء، فكيف سيكونون في حالة ضياع البستان؟
كم حاجته من هذا البستان؟
كم هي؟

ومن أجل أولاده كم هي؟.


كل الأمل في البستان، الحاجة ماسة لهذا البستان، فأصابه إعصار فيه نار فاحترق!

ما هي النتيجة؟
هذا المثــَل لماذا؟
مَن الذي قرأ هذه الآية؟

هذا المثل لماذا؟

مَن الذي قرأ هذه الآية؟
فكر فيها، ونحن ربما نقرأ وربما لا نقرأ، ونقصر، نمر بالآية: ما هو معناها؟
مثل ضربه الله لأي شيء؟
لشخص عمل بالحسنات وله أعمال طيبة كثيرة، يوم القيامة في حاجة ماسة إليها جدا، ولكن جاءه الشيطان في قضية الرياء والعجب، فصار يسمع ويتكلم ويسترحم.


ما العمل؟ وهذه محبطات للأعمال، الرياء والعجب محبطات للأعمال، فصار على هذه الشاكلة، فماذا سيبقى له من الأجر؟
لا شيء، سيأتي يوم القيامة وهو محتاج جدا إلى الحسنات في تلك الأهوال في المحشر عند الميزان إذا جاء الله لفصل القضاء، إذا وزعت الصحف وتطايرت، وأخذ كل كتابه، والنار أمامهم لها شهيق يسمعونه وزفير، فكم تكون الحاجة إلى الحسنات؟
فلا يجد شيئاً، لماذا؟ أذهبه العجب والرياء والاغترار والمـــَنّ، (لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى) [البقرة:262].



فوجد الله عنده فوفاه حسابه، كم تكون المصيبة حينئذ؟

كيف يكون الألم النفسي حينئذ؟
إنه وقع الصاعقة، وهذا مثل، لكن مَن الذي يتدبر في هذا المثل؟
مَعَ مَن نتدارس لاستخراج الكنوز القرآنية؟.


ولذلك النصيحة -أيها الأخوة- أن لابد أن تكون لنا مجالس مدارسة، ولو مع الزوجة والأولاد، نأخذ آيات ولو آية نستعرض معناها من كتب المفسرين، ثم يبدأ التدبر والنقاش في ظل هذه المعاني، ما ارتباطها بالواقع؟

ماذا نستفيد منها؟
ماذا يُستنبط؟
ما يستخرج؟
ما علاقة هذا بهذا؟
وهكذا يدور العقل في معاني ما أنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-.


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية:



الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر سبحانه لا إله إلا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، الله أكبر ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بديع السموات والأرض، لم تكن له صاحبة، وخلق كل شيء فقدره تقديراً.


وأشهد أن محمداً عبد الله إمام المتقين، وقائد الغُرِّ المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، حبيبنا وسيدنا وقدوتنا وأسوتنا، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وذريته الطيبين، وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



عباد الله: قضية التدبر هذه والتفكر والمدارسة وإعمال العقل في معاني التنزيل لا تكون إلا بعد معرفة التفسير، لو أخذت التفسير الميسر، ليس غالب الناس طلبة علم يستطيعون قراءة الكتب المطولة، ولكن هنالك كتب مختصرة تبين على الأقل الكلمات الصعبة ما معناها، وكتب في التفسير تبين المعنى الإجمالي للآية، وهذه خطوة جيدة أن يعرف المسلم المعنى الإجمالي للآية، وهذه المفردات التي تأتي أمامه ما معناها.



تساءل، أنت مسلم: ماذا تحفظ من قصار السور؟
ما معنى الصمد؟
لا أدري، ما معنى الفلق؟
لا أدري، ما هو الغاسق؟

لا أدري، ما معنى وقب؟

لا أدري، ما معنى لإيلف؟

لا أدري. هذه إذا كانت السور القصيرة وفيها كثير، والعاديات ضبحا.
ما معنى ضبحا؟

لا أدري. فما بالك بالسور الطويلة، وهذا القرآن أهم شيء في حياتنا، هذا أهم من رسالة الدكتوراة، هذا أهم من كل الشروحات والكتلوجات والأوراق ومواقع الإنترنت والجرائد.


للناس العجب! سبحان الله العظيم! يقرؤون الجرائد، ويقرؤون الكتب العامة، والتسلية، والقصص، والروايات، وربما أصر على أن يفهم كتاب شرح الجهاد؛ والكتاب الكريم، هذا الأصل، الكتاب العزيز المبارك القرآن، شرَفنا، عزّنا، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44]، (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) عنه، عرفتم معناه؟ أنزلناه من أجلكم، تعلمتموه؟ ولذلك لابد من إحياء مسألة التدبر والمدارسة، لأنها سنة مفقودة يا أيها المسلمون، إلا من رحم الله.



قال عالم لطلابه: هل محبة الله فرض أم لا؟

قالوا: فرض، قال: ما الدليل من القرآن؟
فما أجاب أحد، ما استحضر من دليل يوجِب، هناك آيات تصف (يحبهم ويحبونه) تصف المؤمنين بالمحبة، ولكن إن محبة الله فرض، قال لهم: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) [التوبة:24].إذن محبة الله فرض؛ لأنه لا يهدد على ترك مستحَب ولا مباح، لا يهدد إلا على ترك واجب.


وهكذا كان السلف -رحمهم الله- إذا اجتمعوا، أحاديثهم ومداولاتهم كلها في هذا، أكثرها في هذا القرآن، وكان في العهد القديم عند الفتح في الحرم المكي جلسة مدارسة عشرات السنين، فيها من الأكابر وطلبة العلم ما في هذه الحلقة، تخصص، مدارسة، ليست حلقة تجويد ولا حلقة إقراء ولا حلقة تحفيظ، بل "حلقة مدارسة ".



الدعوة إلى هذا الموضوع وإطلاق المبادرات حتى على الشبكة الالكترونية في إنشاء مدارس مدارسة الكترونية يتم فيها جمع عدد من الأخوات حتى من البعد ليكون موضوعها هذا مدارسة القرآن، هات آية، اعرض معانيها من كلام المفسرين، ثم يبدأ التداول في المعنى، وظلال المعني، وامتدادات المعنى، وأمثلة المعنى، والتطبيق على الواقع.



أيها المؤمنون: كان علماؤنا وسلفنا يحرصون على ذلك، حتى كان الواحد منهم لا يخرج بعد صلاة العصر حتى يجلس مع صاحبه يتدارسان مع بعضهما ولو آية؛ وكان بعضهم يرتب أياما معينة، كل أسبوعين مرة أو مرتين، وهو كبير العائلة، يأتي الأولاد والأحفاد الذكور في يوم، والإناث في يوم، فالموضوع مدارسة القرآن، ولو آية، لأننا سنسأل عنه يا عباد الله، سنسأل عن هذا الكتاب.



وهناك آيات تحل إشكالات كثيرة، هناك آيات إذا فهمت تعطي تحصينات قوية ضد شبهات مطروحة في الأجواء اليومية، هناك آيات تثبت الإنسان أمام المواقف الصعبة، الناس يتعرضون للحرام، شهوات، لكن لو تدبر قول الله تعالى: (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) [يوسف:23]، لو تفكر الواحد وجلس في ظلال هذه الكلمات! وأحيانا جملة من آية تكفي تغطي كل الجلسة.



يوسف كان شاباً وكان عذبا وكان يدخل ويخرج بلا ريبة لأنه خادم في القصر، وكان عبداً له الطاعة لسيدته، وكانت المرأة جميلة وكانت صاحبة منصب وكانت سيدته، وغلقت الأبواب، وغاب الرقيب، والزوج قليل الغيرة؛ لأنه قال يا يوسف أعرض عن هذا! ولم يقتلهما بعد الحادثة! والذهن يمر ويجول في الآية ليقول يوسف: معاذ الله! ألتجئ إلى الله، ما الكلمة التي يقولها الشاب إذا عرضت عليه فتاةٌ الحرامَ، أو مر بموقف كهذا في سيارة، في شقة، في مكان ما؟ ماذا يقول؟ أو عرض عليه الكترونيا أو هاتفياً أو في رسالة جوال، ماذا سيقول؟ ثم يُفَضِّلُ يوسفُ السِّجْنَ: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي) [يوسف:33]، ما يدعونني إليه أنا أفضل السجن عليه!.



وهكذا، ولما تتأمل (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب:33]، وتتأمل حل مشكلات النساء الآن على ضوء الآية، لأن القرار في البيت الاستقرار، يعني أكثر الوقت في البيت، (وَقَرْنَ)، ما قال واجلسن، القر في المكان: ملازمة المكان، ستحل لك إشكالات كثيرة في ظل الدعوات التي تخرج اليوم في موضوع تحرير المرأة من الشريعة ومن الأحكام.أُذن لكنَّ أن تخرجن لحوائجكن، إذن فلابد أن هناك حاجة، وعلاقة الآية بالحديث، وكيف يفسر الحديث الآية؟ ارتباطات بين الآيات.



يحل لك مشكلة الربا في النسب القليلة قول الله -عز وجل-: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) [البقرة:278]، ما بقي من الربا، يعني ولو نسبة "نص" في المائة!.



آيات لو تدبرها الإنسان يجد لها حل المشكلات العالمية والمحلية، الاجتماعية والنفسية، كله في هذا القرآن، لكن أين التدبر والتفكر والمدارسة؟.



اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اجعلنا ممن يحل حلالك ويحرم حرامك...

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد-صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



عباد الله: خلق الله الزمان وهو يقسم بما شاء من مخلوقاته والزمن منها، ونرى في كتاب الله -سبحانه وتعالى- أقساماً متنوعة: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) [الليل:1-2]، (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر:1-2]، (وَالضُّحَى) [الضحى:1]، (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر:1-2].



فأقسم الله تعالى بأجزاء من الزمان: الليل والنهار والفجر والضحى، وأقسَمَ بالزمان كُلِّه فقال: (وَالْعَصْرِ)، وإذا أقسم الله بشيءٍ مِن خَلْقِهِ فإنه يدلُّ على شرف ذلك الشيء وأهميته، على فضله ومكانته.



نحن لا يجوز لنا أن نُقْسِم بغير الله، واللهُ يُقْسِمُ بما شاء من مخلوقاته، فإذا أقسَمَ بشيءٍ لفت النظر إلى مكانة هذا وأهميته، فالزمن هو العمر، وهذه أجزاؤه، والنعمة التي غُبِنَ فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ. يحاسَبُ الإنسان عن عمره وعن شبابه تحديداً، ولذلك جاءت الوصية بالاغتنام.



العمر أنفاس، ودقات قلبِ المرءِ تُنَبِّهُه على ما يمر به من هذا الزمان، والفراغ في الإسلام مشغول بالطاعة، بل إذا فرغ من عبادة يقوم في أخرى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح:7-8].



وهكذا ينبغي استثمار الأوقات في طاعة الله -سبحانه وتعالى-، ومِن ذلك الكدّ على الأهل، والترويح عنهم، وينبغي أن يكون سعيُنَا في الآخرةِ أشدّ مِن سعينا للدنيا.



وتمر الآن بأولادنا إجازات، وقد جهَّز كثير من الناس أنفسهم بحيث تكون إجازاتهم مع إجازات أولادهم، فبأي شيء ينبغي أن تستثمر مثل هذه الإجازة؟.



الإنسان قابل للتعلم، وقد أودع الله فيه طاقات في الحفظ والفهم، ونحن قد فهمنا أشياء كثيرة من أمور الدنيا، في الأجهزة، في الشبكات، في الدراسات المتنوعة، والوظائف؛ فإذا سألتَ نفسك عن معاني هذا الكتاب الذي أنزله اللهُ من أجلك فقلتَ: يا نفسُ، هل تعرفين معنى الفلق؟ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق:1]، وما هو الغاسق؟
وما هو وقب؟
وما معنى الصمد؟
وما المقصود بقوله: لِإِيلَافِ؟
وما المقصود بقوله: ضبحا؟
ونحو ذلك من الكلمات الموجودة في قصار الصور، فربما لا تجد جواباً!.



وعند ذلك يعاتب المرء نفسه، كلام ربي لا أعرف معناه! وإذا سأل ولده ربما لا يعرف أيضا، فضلا عن معرفة طوال السور وما فيها، فتنبعث النفس عند ذلك باستثمار الأوقات في معرفة معاني الآيات، وأن ينظر الإنسان في هذا الكتاب فيعطيه جزءاً من وقته، وربما حفِظ الولد بعض السور في أثناء العام الدراسي، فإذا جاءت الإجازة وتوقفت بعضُ الحِلَق نسي شيئاً.



فإذا قال الأب: أنا وابني، أنا والأولاد، أنا والأسرة، يكون لنا في هذه الإجازة النصيب من كتاب الله حفظاً. أولاً كيف نحفظ؟
من القواعد السهلة عند الحُفَّاظ قراءة المحفوظ أو ما يراد حفظه عشرين مرة بعد أذكار كل صلاة فقط، فإذا أردت أن تحفظ نصف صفحة من القرآن فما عليك إلا أن تقرأها عشرين مرة بعد أذكار كل صلاة، وبالتأكيد ستكون حافظ لها. ثم إذا أرشدتَّ أهلك وأولادك إلى مثل هذه الطاعة لأن للقرآن داخِل النفس بركة، والصدر إذا حوى القرآن صار نفيساً عند الله.



ومن أسباب مباعدة النار عن الجسد هذه الآيات إذا صارت مستودعة فيه، ثم إن قراءة شيءٍ من مثل التفسير الميسَّر فيه المعني الإجمالي للآية ومعنى المفردات التي لا تكون واضحة عند عامة الناس كفيل بأن يعطيك -يا مسلم- الفرصة لشيء من التدبر، وهو الذي من أجله أنزل الله القرآن: (لِيَتَدَبَّرُوا آياتِهِ) [ص:29].



ثم تنطلق مع أهلك في البيت أو حتى في مكان النزهة، إذا نزلت في مكان كي تتدبر وإياهم آيات الكتاب العزيز، وتكون المدارسة التي فيها رحمة وسكينة وهي الطمأنينة والوقار، وتنزل الملائكة وتحف، والذكر عند الله تعالى.



هذه المدارسة سنة التي قام بها الرسول الملَكي مع الرسول البشري، ورمضان قادم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدارس جبريل القرآن في كل ليلة من رمضان، يعرض هذا ويعرض هذا اللفظ والمعنى، هذه المحاورة والمبادرة والعرض والمعارضة، كلٌّ يتلو، وكلٌّ يقول أموراً من جهة المعنى تُحْيِي الإيمان في النفس، وتزيد أهمية الكتاب العزيز عندها.



وعند ذلك لا تمر بك الآيات بلا فهم ولا وعي، والله -سبحانه وتعالي- يضرب لنا أمثالا في القرآن، لكن كثيراً من القارئين يمرون بها ولا يدرون ما المقصود؟
وما المعني؟
وما الهدف من وراء ذلك؟.



ضرب الله لنا مثلا: رجلا -وهذا نقوله على سبيل المثال- له جنة من نخيل وأعناب، جنة، بستان، شجر ملتف، اللون الأخضر عارم في هذا البستان؛ ولذلك صار جنة، فيه من الأشجار النفيس النخيل، وليس نوعاً وحيداً من العنب، بل أعناباً، وليس الأمر مقتصراً على النخل والأعناب؛ بل وله فيها من كل الثمرات.



هذه المزرعة العظيمة وهذا البستان نفيسا جداً عند صاحبها لأجل ما فيه، هذه حالته المادية، أما حالته الاجتماعية، فقد قال الله (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ) إذاً قدرته الآن على الكسب ضعيفة، حاجته إلى بستان قوية، وليس هذا فقط وإنما له ذرية ضعفاء، صغار في السن، مرضي، غير قادرين على الكسب، فصار البستان من أجل ذريته مهماً جداً، فكم تكون القيمة؟
وكم يكون المقدار في النفس لهذا البستان وهذه الجنة؟.



الحاجة ماسة جداً، والبستان جميل جداً، ومفيد جداً، وغني جداً، وفجأة: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) [البقرة:266]، هذه من سورة البقرة، فما مدى خيبة الأمل؟
وما حجم الكارثة؟
وما هول المأساة التي وقعت على هذا الإنسان؟
كأن المستقبل قد ضاع!
وانهار كل شيء!
وبقي وأولاده فقراء.



هذه الصورة المؤثرة العاطفية هي في الحقيقة يا عباد الله مثل، (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة:266].



ضربت مثلاً لأي شيء؟
سأل عمر ابن عباس قال: ضربت مثلاً لعمل. أي عمل؟
قال: ضربت لعمل، فأخبر عمر -رضي الله عنه- عن هذا في المثل بحاجة الإنسان يوم القيامة إلى الحسنات والأعمال الصالحة التي عملها في الدنيا حاجة ماسة، وقد رأى هذه النار التي قربت تلظى لها زفير وشهير، وهؤلاء العباد والحساب والصراط، ثم كل الأعمال الصالحة وكل الأعمال التي فعلها في الدنيا تبخرت، بأي سبب؟
رياء، اغترار، منّ، أذى!.



رجلٌ عمِل أعمالا ثم ضيعها، وعمل سيئات كثيرة أذهبت الحسنات، سيئاته أكثر من عشرة أضعاف حسناته، وإذا عمل حسنة يعمل في المقابل أكثر من عشر سيئات، مصيبة!
الالتفات لمعنى هذا المثل كيف سيكون إذا لم نقرأ التفسير؟ ولذلك فإن التفسير مهم جداً يا عباد الله.



ومعنى الحديث أيضا مهم، فإذا أخذت من جوامع الأحاديث كالأربعين النووية ما قرأت أيضا في معانيها فسيكون عندك أشياء من القرآن والسنة لك وللأولاد، برنامج للأسرة من هذا الكتاب والحديث، وبالتالي عندك ثروة، خرجت من الإجازة يا عبد الله بكنوز نفيسة.



وإذا كان سلفنا يرحلون في طلب العلم تحت الشمس والبراري والصحاري، وربما هلك بعضهم وجاعوا كثيراً دخلوا في مجاعات من أجل طلب الحديث الواحد، ونحن اليوم بين أزرار نستحضر الآيات والأحاديث والشروح والمتون وتعليقات أهل العلم، والسبل ميسرة، لكن الهمة تحتاج إلى رفع. كانت السُبل عند أسلافنا صعبة لكن الهمم عالية، فبارك الله لهم فيما حصلوا، وأخذوا كثيراً.



واليوم -يا عباد الله- ينبغي أن نجعل من عالم الشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي ورسائل البريد ورسائل الجوال، يجب أن يكون هناك تبادل لأمور العلم الشرعي من الكتاب والسنة والأحكام والمواعظ مع المعرفة بصحتها؛ لأن كثيراً من المتبادلات غير صحيحة، موضوعة مكذوبة فيها مجازفات؛ ولذلك فإن الحرص على انتقاء المواقع الموثوقة للإرسال من خلالها والنسخ أمر مهم جداً. ولعل جلسات مدارسة القرآن الالكترونية من البعد والقرب تكون لنا ذخراً يوم الدين.



اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:


الحمد لله وسبحانه الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم، بديع السماوات والأرض، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صَلَّى الله عليه إمام المتقين، وقائد الغُرّ المحجَّلين، والشافع المشفع يوم الدين، أمين الله على وحيه، وصفيه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



عباد الله: شيء من السيرة النبوية مع الأولاد والأسرة في الإجازة أمر عظيم، شأنه كبير، ما هي السيرة النبوية؟
هي التطبيق النبوي العملي للكتاب والسنة للوحي، الوحي التطبيق العملي له هو السيرة النبوية، عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن، وما أوحي إليه من السنة هو السيرة، فالسيرة إضافة مهمة جداً لما تقدم، ثم المسالة تحتاج إلى عمل أيضا، ممارسات، عبادات نعلمها لأنفسنا وأولادنا.



ومن الناس من يأخذهم في عمرة، وهذا جيد جداً وجميل، وصلة الرحم، وأيضاً أشياء فيها تقوية للأبدان من السباحات والرياضات المفيدة، وتعلُّم المهارات، والدورات المفيدة، وما يكون من الملتقيات، والمدارس الصيفية والمراكز، في فرصة أيضا لتعليم أولادنا بجهد غيرنا.



عباد الله: إن الفرصة لحفظ الأذكار مع الأسرة في هذه الإجازة وممارسة هذا بقولها على أوقاتها، والتطبيق العملي لصلة الرحم، حتى يرى أولادك أنك بنفسك تقوم بهذه العبادة وليس فقط أنك تحثُّهم عليها، وكذلك في زيارة المريض، واتباع الجنازة، والدعوة إلى الله.



وبعض الناس إذا سافر همه السياحة والراحة، وبعضهم يكون لإخوانه من نفسه نصيب، حتى الذين يسافر إليهم، وسيجد في أرض الله الواسعة من المسلمين ما تعجب النفس منه في انتشار دين الله، فتقول هنا مركز إسلامي، ها هنا مسجد، هاهنا مسلمون.



ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ومعنى ذلك أن الإسلام سيعم الأرض ويطبق العالم، ونحن نرى بشائر ذلك اليوم حتى فيما وضع من هذه الشبكات، كيف صارت هذه الوسائل الالكترونية معمورة بما جاء به هذا الدين.



عباد الله: إن ولائم الأعراس لها خاص بالشريعة؛ لأن الشريعة تحث على النكاح، وبالتالي مشاركة المسلم فرحته في هذا الشيء التي حثت الشريعة عليه أمر بالغ الأهمية، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله".



الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1432
خلاصة حكم المحدث: صحيح


فإجابة الدعوة يجب أن تولي عناية، ونحث أنفسنا على العمل بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ...) [النور:32].



فشروط إجابة الدعوة ما يلي: شروط الوجوب: أن يكون الداعي مسلماً. أن يكون مال الداعي حلالاً. ألا يكون في المناسبة منكر. ألا يكون الداعي ظالماً أو مبتدعاً. أن لا يتضمن الحضور ضرراً للمدعو. أن لا يخص الدعوة الأغنياء ويترك الفقراء.



فإذا توفرت الشروط وجبت الإجابة، وهذا الزواج -مع الأسف- أيها الأخوة والأخوات صارت فيه تلاعبات مريبة، حتى جعلوا له مصيافاً، وزواجاً مؤقتاً، فيقول بعضهم: أنا أذهب إلى البلد الفلاني، يذهب إلى مكان معين فيه بنات وأولياء ومأذون، قال: فأتزوج أسبوعين ثم أطلق، هو والولي والمرأة والمأذون يعلمون أن هذا الشخص قدم لزواج مؤقت سيطلق بعده ويترك البنت ويمشى.



قال ثم أذهب إلى البلد الثانية فأتزوج أسبوعين ثم أُطَلِّقُ وأمشِي، ثم أذهب إلى البلد الثالثة فأتزوج أسبوعين ثم أطلق وأمشي، والله -سبحانه وتعالى- وصف الزواج بأنه ميثاق غليظ، فكيف يتم التلاعب به إلى هذه الدرجة التي لا يكون فيها بعد ذلك أي سؤال ولا اهتمام بما قد ينشأ في الأرحام من الأجنة التي لها حقوق في النسب والاسم والنفقة والسكن، وكذلك لهذه الحامل، هذه تضييعات -يا عباد الله- ولا يمكن أن تقر الشريعة أمثال هذه التلاعبات. والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فلا يقولُنَّ: ما كتبناه في العقد؟ نقول: لكن المكان الذي ذهبت إليه قد تعارف مَن فيه على ذلك.



شاع بين كثير من الناس -يا عباد الله- ونحن في شهر رجب، وهو شهر الحرام، أن الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من رجب، قال أبو هشام -رحمه الله-: وذكر بعض القُصَّاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب.



وقال ابن رجب -رحمه الله-: وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فرُوِى أن النبي-صلى الله عليه وسلم- ولد في أول ليلة منه، وهذا لم يصح، وأنه بعث في السابع والعشرين من رجب، وهذا لم يصح، وكذلك الإسراء والمعراج راجحا أنه لم يكن في رجب، وإن كان هذا عند كثير من الناس مشهوراً، ويعملون له احتفالات.



وفي الحقيقة -أيها الإخوة- إنَّ قراءة السيرة النبوية كلها عبر السَّنة -وليس في أيام معينة- أمر مطلوب لمعرفة الحركات العملية والخطوات المباركة للنبي محمد-صلى الله عليه وسلم-، دون أن يتحول الدين إلى احتفالات.



أيها المسلمون: إن شأن ديننا عظيم وإن الاهتمام به على مَرِّ السَّنَة مهم جداً، سواء في إجازة أو غيرها، حضراً أو سفَراً.



نسأل الله تعالى أن يبارك لنا فيما آتانا، وأن يعيننا على طاعته...



اللهم اغفر لنا ذنوبنا.

كتبت : دكتورة سامية
-
أختي الغالية
مميزٌ هو جهدكِ
ورائعة هى انتقاءاتكِ
اللهم خذ بيدها في المضائق
واكشف لها وجوه الحقائق
ووفقها إلى ما تحب وترضى
واعصمها من الذلل
ولا تسلب عنها ستر إحسانك
وقها مصارع السوء
واكفها كيد الحساد وشماتة الأعداء
والطف بها في سائر متصرفاتها
واكفها من جميع جهاتها
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه
كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاك الله خير الجزاء ونفع بك
على الطرح القيم وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران وجعلك ممن يظلهم اللَّه
في يوم لا ظل إلاظله وعمر الله قلبك بالايمان
على طرحك المحمل بنفحات إيمانية ولا حرمك الاجر
كتبت : || (أفنان) l|
-



أختي الغالية
جزاكِ ربي كل الخير وكتب أجركِ
وسلمتي ياقلبي موضوع مهم
وانار الله قلوب الجميع بذكر الرحمن
جزاك الله كل خير فائدة عظيمة جعلها الله في موازين حسناتك
لكِ ودى وتقديرى وتقييمي لك ياقلبي,,,

كتبت : ام ناصر**
-
جزاك الله خير
وجعله فى ميزان حسناتك
وانار دربك بالايمان
ويعطيك العافيه على طرحك
ماننحرم من جديدك المميز
خالص ودى وورودى
الصفحات 1 2 

التالي

يا حامل القرآن - الشيخ سليمان بن حمد العودة

السابق

سنن الله في خلقه وإمداد المستغيث - الشيخ محمد صالح المنجد

كلمات ذات علاقة
محمد , المنجد , الصحى , القرآن , تدبُّرُ , شامي , ومُدارَسَةُ