"لمن كان له قلب" د. ديمة طارق طهبوب

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : بحر الجود
-



لطالما استوقفتني تلك الآية الكريمة
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).

هل هناك أناس لهم قلوب و آخرون بلا قلوب؟ كيف يكون الإنسان بلا قلب؟ أوليس وجود القلب من دلالات الحياة؟ هل هناك أناس بقلوب حية و أحياء بقلوب ميتة؟

و في غمرة التساؤل

واجهني الجواب الرباني أن بعض الخلق يملكون قلباً كأي عضو آخر في أجسامهم، و لكنه ميت لا يتحرك، بطّال بلا وظيفة، ينبض بغير دماء
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

و ما أعظم المعجزة القرآنية

التي لا تنقضي عجائبها التي جمعت بين القلب و العقل، على عكس ما يتوهم البعض من أن القلب مستودع المشاعر فقط، فها هو ذا القرآن يبين أنه إذا وقع في القلب الحي –عضواً و وظيفة- نتج عنه فهم لغاية خلقه، و عقل يسبح بحمد خالقه، و حركة تلين لها الجلود و القلوب و الحياة كلها.
ألم يقل ابن مسعود -و هو أندى صوت قرأ باسم ربه-:

"إذا جلست أقرأ الحواميم(السور التي تبدا بحم) فكأنما أجلس في روضات دمثات(جميلات) أتأنق فيهن"!!

لذا كان بعض الصالحين يقولون:

"هلموا بنا إلى مائدة القرآن"؛ لأنه كان غذاء لروحهم و قلوبهم و حياتهم؛ كلما أكلوا منه زادوا نهماً و إقبالاً.
فأين نحن من القرآن في شهر القرآن

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)؟!

ألم يصف ربنا -جل و علا- القرآن بأنه "كتاب عزيز"؟

فهل هو عزيز في قلوبنا له الأولوية و بعده يأتي كل شيء؟ هل هو عزيز في جوارحنا فلا نقوم بأي عمل أو معصية قد تنتقص من معزته؟! هل هو عزيز في حياتنا و أخلاقنا و تعاملنا مع الغير، كما كان في حياة المصطفى؛ إذ وصفته أمنا عائشة -رضي الله عنها- قائلة: "كان خلقه القرآن"؟!

سؤال و تذكرة لمن كان له قلب...


"فانظر بماذا يقيمك"

يقول ابن عطاء:
"إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر بماذا يقيمك"؛ أي يشغلك، و من منا لا يحب أن يعرف قدره عند الله؟! أو لا يحب أن يكون صاحب قدر و منزلة و مكانة عند الله؟! نحب علو المنزلة في الدنيا و هي زائلة متاعها متاع الغرور، أفلا نحبها و نطلبها عند الله (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى)؟
و لقد أعطانا الشرع دليلاً على قدرنا عند الله، فإن كان شغلنا في الدنيا بتوافه الأمور و معاصيها فقدرنا عند الله أحط و أدنى، و أما إن كانت حياتنا كما وصف حياته أحد السلف؛ إذ قال: "لا أحب أن تأتي عليّ ساعة من ليل أو نهار إلاّ و أنا من عمال الله".. عندها فلنبشر بخير منزلة، و أرفع درجة، و أقرّ عين، و أهنأ قلب لحديث المصطفى "من كان همّه الآخرة جمع الله له شمله، و جعل غناه في قلبه، و أتته الدنيا راغمة" -أما من كانت الدنيا تسكن سويداء قلبه فليحذر إذا- "فرّق الله عليه أمره، و جعل فقره بين عينيه، و لم يأته من الدنيا إلاّ ما كُتب له".


بقلبي كله ...و بجهدي كله

رحم الله الإمام الشافعي؛ فقد كان من أصحاب القلوب الحية. كان من ديدنه أن يدعو "اللهم أعنّي أن أحبك بقلبي كله، و أن أطيعك بجهدي كله".

عجبا يا إمام!! هل من الممكن ألا نحب الله -سبحانه و تعالى- و هو الخالق الودود الرحمن الرحيم الحنان المنعم المتفضل؟ هل من الممكن أن نحب الله بنصف قلب أو ربع قلب أو بلا قلب على الإطلاق؟!

نعم يقول أحد الصالحين: "إذا دخلت الأهواء إلى قلب ابن آدم خرج منه حبّ الله".

و هل أكثر من الأهواء في رمضان؛ فعلى الرغم من تصفيد الشيطان إلاّ أن أتباع الشيطان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لا يتركون وسيلة إلاّ حاولوها لينفذوا إلى قلوب المؤمنين.

تلفاز يغص بألوان الفاحشة و اللهو و تزيين الدنيا.

خيام عبث و خسران تسرق الأعمار و الأوقات في شهر تضاعف فيه كلاهما.

قلوب خاوية من ذكر الله بصلاة كنقر الديوك، و قراءة ترد الى أصحابها لا ترتفع فوق رؤوسهم!!
آذان و أعين تقارف زنا السمع و النظر إلى ما حرّم الله.

اجتهاد في المعصية و تفنن في البعد عن الله؛ حتى لكأن الإنسان يتحول إلى شيطان نفسه دون الحاجة إلى شيطان أكبر.

فلنفحص قلوبنا و للنظر أين هي من حب الله؟
و لنقس أعمالنا أين هي من خدمة الله و دين الله و عباد الله؟


إلاّ التسبيح

وُصف الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا يعيشون الدنيا بطعم الآخرة، و قد يكون هناك صفقة أربح من تلك التي عقدها الصحابة؛ أن نعيش الدنيا بطعم الجنة، و الحل بسيط و التنفيذ أبسط؛ فالعبادات كلها ترفع في الجنة؛ لأنها دار جزاء و ثواب لا عمل إلاّ عبادة واحدة من العبادات، إنها عبادة التسبيح؛ إذ يروي الحديث الشريف في وصف الجنة أن أهل الجنة يُلهمون التسبيح كما يلهمون النّفَس!!

فلنتخيل أنفسنا..

شهيق مسبّح، زفير مسبّح، لجسم يدب على الأرض، و روح تدبّ في الجنة..
أليست صفقة رابحة؟!


شاب في طاعة الله

كل ما في الصيام جميل و هين إلاّ ذلك الحرّ الذي يوهن البدن، و يضعف القوى، و يؤلم الرأس، و يجفف الحلق، و لكنها مشقة لها أجرها؛ ففي آخر اليوم رواء في الدنيا، و ريان في الآخرة، و زيادة من الله ذي المن و الفضل لذخر هذا الدين، و لعماد الأمة و لأساس النهضة.. للشباب، و لكن لِمَ كان الشباب أحد أهم سبعة أصناف من أمة محمد استحقوا ظل المولى –عزوجل- و الناس تغرق في عرقها بذنوبها؛ فمنهم من تغرق قدماه، و منهم من يغرق حتى وسطه، و منهم من يلجمه العرق حتى فمه؟!


لماذا الشباب؟!

لأنه سبحانه و تعالى يعلم شدة الفساد و الأهواء التي ستوجه لهم دون غيرهم من الناس؛ لأنه بفسادهم تفسد الأمة، و بصلاحهم تصلح.
و لنسأل أنفسنا: هل رأينا عرضاً للأزياء و العارضون فيه من العجائز؟!

هل رأينا أغنية براقصة أو راقص في الستين من العمر؟!

هل رأينا إعلانات مساحيق التجميل و العطور تنادي أصحاب الشعر الأبيض و الظهر المحدودب؟!


هذه بضاعة الدنيا

أما بضاعة الآخره فهي لفتية (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)
يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه.

أيها الشباب،

هل فُتن أحد أكثر من أجمل شباب الدنيا يوسف -عليه السلام-، و لكنه في ثباته كان إماماً لشباب الدنيا و الآخرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
أيها الشباب: إن أحدنا ليؤثر الظل على الشمس ثم لا يؤثر الجنة على النار.

فيا عجباً للجنة كيف نام طالبها، و يا عجباً للنار كيف نام هاربها!!


بالعمر كله

إن من طبائع الفطرة البشرية أن تكره الموت و تحب الحياة، و لكن أي حياة هي التي نسعى إليها؟ حياة كحياة الذين أشركوا
(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ).

أَمَا حياة ذات قدر، لإنسان ذي قدر، من أمة ذات قدر في ليلة من ليالي الله، ليلة القدر؟

علم الله -سبحانه و تعالى- حبنا للحياة و تمسّكنا بها، فأرادها لنا حياة قيّمة، حياة ربانية تُصنع على عينه، يزيد عمر ابن ادم فيها كل عام أربعاً و ثمانين سنة، مضافة إلى عمره المقدر، و لكنه عمر طاعة و حسنات مضاعفة، في شهر أجر النافلة فيه بأجر االفريضة، و أجر الفريضة بسبعين فريضة.

عمر طاعة طويل لعمر حياة قصيرة

كم عشنا من عمر نوح عليه السلام؟!
فلننظر إليه ماذا أجاب عندما سُئل: "يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا قال: دار لها بابان، دخلت من أحدها، و خرجت من الآخر!!
و رُوي عن امرأة زمن نوح ذهبت إلى السوق لتشتري طفلاً عمره مائة و خمسون سنة فسألها البائع: كيف لو كنت في أقوام عمر أحدهم ما بين الستين و السبعين؟! قالت: لو كنت فيهم لقضيتها في سجدة"!!

و صدق من قال: "الدنيا ساعة فاجعلها طاعة"

لأعينك على الحفاء..!!

يُروى أن صحابيين كانا يسيران في طريق، فانقطعت نعل أحدهما، فخلعه، فخلع أخوه نعله، و سار معه على الرمضاء الحارقة حافياً، فاستوقفه أخوه فسأله: لِمَ فعلت هكذا؟! فأجابه: لأعينك على الحفاء!!

كم من المسلمين من انقطعت نعله، و بلي ثوبه، و وهن جسمه، و رقّ عظمه، و هُدم بيته، و رُمّلت زوجه، و يُتّم ولده؟

كم من المسلمين في صوم وصال دائم، بل إن الإفطار لديهم أمر شاذ؟!

كم من المسلمين يطوى الليالي، لا ينفعه و لو وضع على بطنه كل أحجار الدنيا لتسكت جوعه!!
كم مسكين لا يجد ما يسدّ حاجته دلّنا عليه المصطفى "ليس المسكين من يطوف بالناس تردّه اللقمة و اللقمتان، و لكن المسكين من لا يجد غنى يغنيه، و لا يُفطن له فيتصدق عليه، و لا يقوم فيسأل الناس"!!

كم من مجاهد في سبيل الله لم يجد من عباد الله القاعدين من يخلفه في أهله و ماله؟!

إن لم نستطع أن نكون رياحاً مرسلة -كما كان رسولنا- فلنكن هبة نسيم خيرة تنفع الناس، و تمكث في الأرض، لعل الله يكرمنا بعيد لباسه جديد، و حسناته تزيد، و خيراته إلى مزيد!!

د. ديمة طارق طهبوب
الأسلام اليوم
كتبت : زهره الاسلام
-
بارك الله فيك اختى جود
موضوع رائع
جزاكِ الله خيرا
كتبت : سنبلة الخير .
-
كتبت : بحر الجود
-
كتبت : ~loOoOoOoly~
-
[align=center]
بارك الله فيك
جزاك الله خيرا
وادخلك فسيح جناته
[/align]


التالي

تظن أنها محجبة ..لا يسعنا السكوت فنحن غدا بين يدي الله ..حملة تصحيح الحجاب

السابق

الحلقه الخامسه من مسابقة(لعلكم تتقون)

كلمات ذات علاقة
لمن كان له قلب , حيلة , طارق , طهبوب