القرآن المنهج والمخرج - الشيخ على بن عمر بادحدح

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
القرآن المنهج والمخرج - الشيخ على بن عمر بادحدح
القرآن المنهج والمخرج - الشيخ على بن عمر بادحدح


[frame="13 70"]
8urkacdbomxo21mvt78d


القرآن المنهج والمخرج - الشيخ على بن عمر بادحدح


روى الحاكم في مستدركه من حديث أنس - رضي الله عنه -، أن رسول الهدى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (( اللهم إني أحبه فأحبه ))

الراوي: البراء بن عازب المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3749
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


وهذا الذي نالته هذه الدعوة العظيمة، والخصيصة الجليلة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رآه أبو بكر - رضي الله عنه - فأسرع إليه وضمه إليه، وقال: بأبي شبيه النبي وليس شبيهاً بعلي، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - واقف يضحك ويتبسم.
هذا هو الذي أخذ بيده المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأصعده معه المنبر، ثم خاطب الأمة ملفتاً النظر إليه بقوله: ((إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)).

الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4662
خلاصة حكم المحدث: صحيح



عرفتموه!

الحسن بن علي - رضي الله عنه -

سليل بيت النبوة، ربيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الذي تشرّب القرآن، وعرف هدي المصطفى العدنان - صلى الله عليه وسلم -، في موقف فاصل، في خلاف كان عظيماً، في رؤىً كانت متباينة، نظر بنور القرآن، اهتدى بهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، آثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، نظر إلى مصلحة الأمة، وتعالى على هوى النفس وميلها؛ فتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه؛ فحُقنت الدماء، والتَفَت القلوب، وتوحدت الصفوف، وسمي العام: عام الجماعة.


إن المنهج والمخرج في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، إن الذين فقِهوا وفهموا، والذين عملوا والتزموا؛ استطاعوا أن يقودوا الأمة، وأن يكونوا رواد الأمم.

إن أمتنا اليوم أحوج ما تكون إلى هذه المنهجية التي تتحرك بها، وإلى تلك المرجعية التي تنظر إليها إذا ادلهمت الخطوب واشتبكت واختلطت الآراء والرؤى؛ ومن هنا في مثل هذا الموقف رأينا صورة فارقة بين ماضٍ وحاضر.

ووقفة أخرى أذكرها وقد ذكرت لها مثيلاً من قبل، لكي نقول مرة أخرى إننا أمة قرآن يحكم، أمة سنة تعصم، يجب علينا أن ننظر في كل أمر إلى ذلك، فلنقس رؤى وتحليلات السياسة في ضوء كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلننظر إلى تحليل الخبراء وأقوال الفقهاء في هذا الضوء أيضاً؛ ولذلك ونحن نرى أحداثاً تسيل فيها الدماء، وتزهق فيها الأرواح، ويقع فيها الاختلال والاضطراب، نذكر قول الحق - جل وعلا -: ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) (المائدة: 32)
ونتذكر ما ساقه الله - جل وعلا - لنا في أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية، وقدّم لنا النموذج الأفضل والأمثل فيها: ( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة: 28).


وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراما )) رواه البخاري في صحيحه وغيره.

لا بد أن ندرك حرمة دم المسلم: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) [النساء: 93]
ولم يرد وعيدٌ في شيء من الجرائم والكبائر مثل ما ورد في هذا الجرم العظيم باستثناء توحيد الله - سبحانه وتعالى -.

وأمضي بكم لأننا لا بد لنا أن ننظر إلى الأمر من جميع جوانبه، وأن نأخذ النصوص مكتملة لا مجتزئة، متوافقة لا متعارضة.
قصة أخرى أبدأ بها حديثي أو اضاءات منهجية قرآنية فيما نحن فيه من الأحداث؛ خالد بن يحيى البَرمَكي الذي كانت له صولة وجولة في الدولة العباسية، وصار صاحب سلطة وثروة، وتغلغل نفوذه وعمَّ شرُّه وضُره، وتفشى ظلمه؛ فجرت أقدار الله، ومضت سنة الله؛ فأخذه الرشيد وأهلَه وقومه وأسرته بإحكام وتدبير، وكفَّ أمره وأنهى ضرره؛ فآل أمره إلى السجن، في غرفة منفردة ضيقة، ليس فيها ذلك الجاه والثراء والمُلك والنعمة، ابنه لم يتصور ذلك؛ فقال: يا أبت، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى ذلك، فقالها أبوه بلسان الاعتبار والادّكار والفقه والفَهم، قال: دعوة مظلوم سرت بليل إلى الله، غفلنا عنها ولكنّ الله لم يغفل عنها؛ أفلا يتذكر كل ظالم ليس حاكماً فحسب، بل مديراً ومسؤولاً، وأباً مع أبنائه، وزوجاً مع زوجه، هل نحن في مأمنٍ ألا تصيبنا سهام الليل التي لا تخطيء؟
دعوات المظلومين التي تفتح لها أبواب السماء ويأتيها قسم رب الأرض والسماء بأن يجيبها ولو بعد حين.


انظروا إلى آيات القرآن ولا أريد أن أعلق فهي تحكي الصورة، تروي لنا القصة، تبين لنا الذي رأيناه بأم أعيننا، وقد كنت أشرت من قبل إلى هذه المعاني، وأشير إليها اليوم بآيات أخرى؛ لأن كتاب الله فيه كل ما يمر بنا وكلُّ ما سيأتي في مستقبلنا، لو أقبلنا بقلوب ملؤها الإيمان والتسليم، وبعقول تتدبر وتتأمل: ( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) (البقرة: 165)
من صاحب القوة؟
من صاحب القهر؟
من تنفذ مشيئته؟
من يمضي قدره؟
إلا الله - سبحانه وتعالى -، مهما كانت قوة الملوك، وجبروت الجبابرة، وسطوة الظالمين؛ فإن قوة الله هي الغالبة، وإن سنته هي الماضية: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( الأنعام: 44-45).


ليس في أحداثنا هذه؛ هذه الآيات تنبض، قلبٌ ينبض، عين ترى، لسان ينطق، في كل تاريخ البشرية، في كل الأحداث والأحوال نجد الأنوار الكاشفة والحقائق الغائبة، كلها جلية واضحة في كتاب الله - سبحانه وتعالى -: ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (إبراهيم: 44 – 47)

لم لا نتذكر؟
لم لا نعتبر؟
نحن أنا وأنت معنيون بهذه الآيات، يوم نظلم، يوم نغفل، يوم لا نقيم الحق والعدل، يوم لا نستمع إلى صوت المظلوم ولا نرعى حقه، يوم ننافق الظالم ونسير في ركبه؛ أليست هذه آيات القرآن؟
ألسنا نقرأها في الليل والنهار؟
ألسنا نسمعها تتلى في المحاريب والصلوات؟
أين منها عقول تتدبر، وقلوب تتعظ، وأحوال تتغير، وإصلاح يجري؟
أم أننا نريد أن نشرب الكأس مراً، وأن نرى الحال وهو في أسوأ صورة؟
لم لا يتعظ كل الناس، حكاماً ومحكومين؟
لم يبقى الجميع في سكرة الهوى والغفوة؟
لم يرتعون في أوحال الظلم والمعصية؟
لم لا نفيق؟
لم لا نستفيق؟
لم لا نتعظ؟
لم لا نعتبر؟
لم لا نتواصى بالحق والصبر؟
لم لا نقول كلمة الحق، ونقومَ بالقسط كما كانت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ينبغي أن يكون هذا حالنا.


وهنا انتقل بكم إلى تصوير أعظم وأظهر، تنخلع له القلوب المؤمنة، وترتدع به الأمة المسلمة: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 26)
هو مالك الملك، مالك مُلك الدنيا والآخرة؛ كما قال أهل التفسير.
ثم هو مالك الملك، والمُلك اسم جنس أي كل أنواع الملك هو مالكها - سبحانه وتعالى -؛ فيا من ملكت ملكاً اعلم أنه ليس ملكك بل هو ملك الله - عز وجل -، وإنه كما آتاك إياه ففي لحظة ينزعه منك، وتأملوا هذه الكلمة، ينزع بكل ما تحويه من معنى، ومن لفظ، ومن جرس، ومن ظهور؛ لقوة وقهر الله - سبحانه وتعالى - وملكوته وجبروته - جل وعلا -، أمره بين الكاف والنون - سبحانه وتعالى - لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، لا قوات الحلفاء، ولا الجيوش المدججة، ولا الجنود المجندة، ولا العروش المحروسة؛ لأنه - سبحانه وتعالى - هو مالك الملك، هو الذي يعز، وهو الذي يذل، وفق حكمته وسنته - سبحانه وتعالى -.

من يعترض؟
لا اعتراض، هو - سبحانه وتعالى - العالم بكل شيء: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 22، 23).

أين سكرة الهوى وغفلة الحياة الدنيا؟
ما بالنا مع كل هذا الذي نقرأه؟
كل يوم آيات تنزلت على سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، جاءتنا عبر القرون ونُفذت واحتذى بها المسلمون في كل آن ومصر وعصر.

ثم نحن اليوم أمة الإسلام؛ لا نرجع إليها، لا نهتدي بها، لا نحتكم إليها، لا ندرك تماماً أنه لا بد لنا قبل أن نخطو خطوة وقبل أن نقول كلمة وقبل أن نرفع راية أن ننظر هل هذا هو شرع الله؟
هل هذه هي المصلحة التي تتحقق لأمة الإسلام والمسلمين؟
هنا ينبغي أن تكون العصمة من الفتنة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

كل الأمر لله: ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) (الزخرف: 32)
(الله أعلم حيث يجعل رسالته)، هو - سبحانه وتعالى - بيده كل شيء، وإليه مرجع كل شيء، وهو الذي يجري قدره بكل ما أراد - سبحانه وتعالى -.

وانظروا إلى صورة أخرى كأني بكم إذا سمعتم هذه الآيات تتابعون الأحداث على الشاشات: ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (القصص: 5-6)
أتعرفون قصة فرعونَ مع موسى - عليه السلام -؛ قيل لفرعون: سيكون نهاية ملكك على يد غلام أو رجل من بني إسرائيل؛ ماذا صنع فرعون؟
قال: لا يُولد مولود ذكر إلا ويقتل، يقتل!
هكذا!
نعم، احتياطاً بعد عشر سنين عشرين سنة قد يكون هذا الغلام هو الذي يقتله، لم يرتكب ظلماً، لم يرتكب جريمة، لا يعي شيئاً في الحياة؛ يقتل لأجل فرعون، ولأجل ملك فرعون.

لكن انظروا: جاء موسى بقدر الله، يسوقه ماء ال إلى قصر فرعون، ساقته العناية الإلهية، ويدخل إلى قصر فرعون، ويلقى الحماية منه، ويتربى في بيته وقصره؛ ثم تكون النهاية على يده؛ أليس في هذا حكمة وعبرة أن قدر الله نافذ: ( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (آل عمران: 154)
( وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (النساء: 78)، لا ينفع، ليست هناك خطط محكمة، ليست هناك قوات مانعة، هناك قدرٌ يجري بسنة الله على كل ظالم، على كل من بغى وتجبر
وقد ورد في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن عقوبتين تعجلان في الدنيا قبل الآخرة؛ البغيُّ والعقوق، لهما مقدمات في العقوبات، البغيُّ والظلم والعدوان والتسلط والقهر، والعقوق للوالدين ولكل من له حق وفضل؛ يلقى المرء شيئاً من عذابها، ومن مر علقمها في دنياه قبل أخراه.


( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ) (القصص: 5)
قال بعض أهل التفسير: نزيل عنهم مادة الاستضعاف، ونقويهم على من يقاومهم، ونخذل من يناوأهم؛ وهنا مسألة مهمة لا بد أن ندركها، لا تقل: نحن فعلنا، نحن انتصرنا، نحن قلنا وفعلنا؛ بل قل الأمر لله، والنصر من الله، وهذا فضل الله، وبهذا جرى قدر الله؛ واعتبر بالنموذج الأمثل والصورة المثلى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتَح مكة دون قتال ودون أن تراق الدماء، بعد أن أحلت له ساعةً من نهار، دخل المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن منتشياً مفتخراً، لم يكن مستعلياً مستكبراً - عليه الصلاة والسلام -؛ بل دخل متواضعاً ذليلاً لله - سبحانه وتعالى -، مطأطأً رأسه حتى قال بعض أهل السير أنه لمست لحيته ظهر دابته؛ لماذا؟

لأنه يستحضر هنا نعمة الله، لأنه هنا يخفق قلبه بشكر الله، لأنه يعرف ضعفه وأن القوة لله، ولأنه يعرف قلة حيلته وأن الحول والقوة لله؛ وعندما دخل وطاف بالكعبة وأخذ محجنه أي عصاه يطعن بها في الأصنام حول الكعبة، وهي تتهاوى وتتحطم؛ ماذا كان يقول؟
هل قال جاء محمد؟
هل قال عدت إليكم بعد أن أخرجتموني؟
كان يطعنها ويسقطها ويقول: ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (الإسراء: 81)

((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراءُ صبر وإن أصابته سراءُ شكر)).

الراوي: صهيب بن سنان المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2999
خلاصة حكم المحدث:
صحيح


لا يكون مع الضر كفر بل صبر، ولا يكون مع اليسر بطر بل شكر، يتقلب المؤمن المسلم القرآني من أمة وأتباع محمد دائماً بين المنهج الرباني والمخرج القرآني والهدي النبوي؛ لا نخرج عن ذلك، لا نغفل عنه، لا نرفع شعارات ولا رايات، ولا نأخذ مناهج ولا خطط، إلا ونحن نسترشد بكتاب الله وبهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومقام هذا القصيد ربما رأينا فيه أن كل شيء في كتاب الله ولو طال المقام وكثر العلماء الذين يتحدثون لانتهى كلامهم ونفد علمهم وكلام الله ما زال متدفقاً، ما نفذت كلامات الله، لو كانت البحور كلها مداد، ولو كانت الأشجار كلها أقلام؛ ما نفذت كلامات الله؟
لماذا نحرم أنفسنا؟
لماذا لا نراجع؟
لماذا لا نتعظ ونعتبر؟
جميعاً نحن أمة الإسلام، حكاماً ومحكومين، وفي كل الأحيان وفي كل المستويات، ورجالاً ونساءً وصغاراً وكباراً؛ لماذا لا نعود؟
لماذا لا نتعاون على البر والتقوى؟
( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف: 137)

يجب أن نجد في ذلك العظة والعبرة، وأن نقرأ فيه الحكمة والرحمة، وأن نرى فيه العطية والنعمة من الله - سبحانه وتعالى -.

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) (الحج: 39، 40).
أيضاً صورة أخرى، نحن نقول: لا بد لنا أن نحذر من الفتن ومن الاضطرابات، وأن نمنع ما يؤدي إلى إزهاق الأرواح وسفك الدماء، ولكننا قد قلنا ونقول: (( إن لصاحب الحق مقالاً )) كما قال - صلى الله عليه وسلم -، وكما قال الحق - جل وعلا -: ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (النساء: 148)
وكما قال هنا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بعد أن صبروا وقتاً طويلاً ولقوا أذىً كثيراً: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39]

قدير أن ينصرهم وإن لم يجاهدوا، قدير أن ينصرهم وإن لم يطالبوا بحقهم، قدير أن ينصرهم وإن لم يأمروا بمعروف وينهوا عن منكر؛ لكن سنته مضت بأن يقولوا الحق، وأن يعملوا به، ويدعوا إليه، ويذودوا عنه، ويدفعوا كل ما يلحق به من العدوان؛ حتى يتنزل عليهم نصر الله - سبحانه وتعالى -: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج: 40، 41).

الخطبة الثانية
المنهج والمخرج في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأشرت إلى ما أشرت إليه، وأقولها واضحة جلية في هذه الأحداث المتوالية، لا بد لكل أحد أن يغير وأن يصلح؛ لم لا يبادر حكامنا في بلادنا العربية والإسلامية أن يمدوا أيديهم إلى شعوبهم ومواطنيهم، أن يصدقوا ولا يكذبوا، أن يفعلوا ولا يخادعوا، أن يعطوا الحقوق ولا يمنعوها؛ ماذا سيضرهم؟
سيكونون ملء الأعين والأبصار، سيكونون في سويداء القلوب وسواد العيون، لا أحد يريد لهذه الأوطان أن تتمزق، لا أحد يريد لهذه الشعوب أن تتصارع وتختلف، لا أحد يريد لأمتنا وبلادنا أن ينزع عنها الأمن والاستقرار؛ ولكن لا أحد يريد أن يبقى الاستبداد، وأن يستشري الفساد، وأن يعم الظلم، وأن تنتهك المحارم، وأن تُسلب الحقوق، وأن تضيع الكرامة؛ لماذا؟
لماذا وكل بلاد الدنيا تتغير وهي ليس عندها كتاب ولا سنة؟
تتغير من الناحية الإنسانية إلى صور أفضل وأحسن وأكثر إيجابية؟
لماذا لا نبادر نحن جميعاً بذلك؟
هذا واجبهم، وهذه هي الفرائض التي شرعها الله - سبحانه وتعالى - وأوجبها عليهم، وقد ذكرنا من ذلك ما ذكرنا فيما هو كافٍ في هذا الأمر.

وكذلك كل أهل الإسلام رعية من العلماء والدعاة، والخبراء والمتخصصين، وعموم الناس أجمعين لا بد أن يسهموا في التغيير والإصلاح، لا بد أن يقولوا كلمة حق بمنهج سديد وقول حكيم ورؤية واضحة، لا بد أن يطلبوا ما لهم من الحق بجرأة وبقوة وبأدب وبمنهجية.
ولذلك هنا لا بد نسمع أقوالاً أعتقد أنه لا بد لنا أن تخلى عنها، أقوال النفاق الكاذب، لا تصلح لنا في هذه الأوقات، هذه الأقوال التي تغطي على العيوب أو تجملها فإن الأمر لم يعد يحتمل مثل ذلك، أقوال النفاق الباطل التي توجب سكرة الهوى، وتغطي العين عن البصر والبصيرة؛ فإنها تضر ولا تنفع، تضل ولا تهدي، تفسد ولا تصلح، أحسنوا القول وقولوا للناس حسنا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبرنا بذلك في تلك الأحاديث التي أشرت إلى كثير منها ولا أعيدها في هذا المقام، نحن جميعاً معنيون بذلك.
وانظروا أن لا يكون الفعل كالفعل مع الفارق ثم يقال هو هذا كذاك؛ فإننا نرى اليوم في هذه الأحداث، اعتداءً وعدواناً، ولم نر كما كان في مصر حركة سلمية أصرت على ألا تكون بداءة وعندما دافعت كانت في أقل درجات دفاعها وسلّم الله البلاد والعباد، لكننا أيضاً رأيناها كتلة واحدةً، وجمهوراً واحداً متحداً لأنه كان جمهور إقرار حقٍ وطلب هذا الحق وإقراره، وليست أموراً متعلقة بفئات أو طوائف، وليست أموراً متعلقة بإثارة فتنة أو نحوها. ينبغي لنا أن ننظر كما قلت في هذا المنهج والمخرج؛ حتى لا نضل ولا نزيغ؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - جاء في كتابه كلُّ شيء؛ فلننظر إلى هذا ولننظر إلى ما يقابله، ولننظر إلى الأمر ولننظر إلى ما يكون فيه النهي؛ فإن النصوص تتكامل تجتمع ولا تفترق، تأتلف ولا تختلف، تتعاضد ولا تتعارض.

ينبغي أن نقول إذا قلنا إن لصاحب الحق مقالاً، وأنه يستطيع أن يطلب حقه، ينبغي أن نقول إن له حدوداً ألا يكون متعدياً على حق غيره، وهكذا.
والمهم أنني أريد أن أقول: إن كل واحد منا سبب فيما يجري من الخير أو يجري من الشر؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد: 11].
ونحن نوقن ونعلم أنه كما تكونوا يولّى عليكم، وأن ما عندنا من خلل نعرفه ولا نحتاج أن نعرف به، وما لدينا من تقصير ولا يحتاج أن يشار إليه، وما نعرفه عن أنفسنا من تعدٍ وظلم وانتهاك للمحارم أو وقوعٍ في المعاصي؛ كلنا بهذا نكون سبباً في أن يحرمنا الله - سبحانه وتعالى - من كثير من الخير، وأن يحل بنا بسنته وقدره ما يجري به وما يقدره من البلاء والفتنة، أعاذنا الله وإياكم.
ارجعوا ولنرجع إلى الله - سبحانه وتعالى - فلنكن كما يريد الله - سبحانه وتعالى - لنا، ولنترسم خطى نبينا - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح.
بدأتكم بهذه القصة والحدث العظيم في تاريخ أمة الإسلام والمسلمين، كيف كانت هذه الصورة المشرقة التي رأينا فيها التزام العصمة ومنع الفتنة، التي رأينا فيها الحرص على الوحدة ومنع الفرقة، التي رأينا فيها الانتصار للمصلحة والتنازل عن الذات والأنانية؛ هكذا ينبغي أن تكون أحوالنا، والحديث قد يطول ولكنا نتضرع إلى الله - سبحانه وتعالى - أن يبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وأن يمكن في أمتنا لأهل الخير والرشاد، وأن يقمع أهل الزيغ والفساد، وأن يعصم دماء المسلمين ويحقنها، وأن يحفظ الأرواح والأعراض، وأن يسلم الأموال والممتلكات، وأن المسلمين في ديارهم، وأن لا يجعلنا من أهل الفتنة والاضطراب، وأن يعيذنا - سبحانه وتعالى - من ضلال الفتن وشرها وضرها، وأن يجعلنا من أهل الحق الذين يستمعون إليه فيتبعون أحسنه.





[/frame]
كتبت : منتهى اللذة
-

سلمت يداك لمـآاطرحتِ
دمتي مبدعة متـآالقه
في سمـآاء هذا ـآالصرح ـآالشامخ

تقبلي مروري ـآالمتواضع




كتبت : سنبلة الخير .
-
كتبت : دكتورة سامية
-
أختي الغالية

أحسن الله إليكِ

اللهم اجعلها تحبك بقلبها كله

وترضيك بجهدها كله
اللهم اجعل حبها لك كله
وسعيها كله في مرضاتك
اللهم ما زويت عنها مما تحب
فاجعله قوة لها فيما تحب
واجعلها لك كما تحب
اللهم حببها إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك وجميع خلقك
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه



التالي

أعظم ريحانةٌ في هذه الحياة

السابق

مفتاح النصر والنجاة - للشيخ على بن عمر بادحدح

كلمات ذات علاقة
المنهج , الصحى , القرآن , بادحدح , على , عمر , والمخرج