في ظلال آيه ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم )

مجتمع رجيم / أرشيف رجيم
كتبت : * أم أحمد *
-






{ وَ عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }





قال الإمام ابن القيم - رحمه الله :-

" في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد "

فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه

لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة
من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب فان الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد
وأوجب له ذلك أمورًا منها:-
2459167982_dc4bf17f2
أنه لا أنفع له من امتثال الأمر وإن شق عليه في الابتداء
لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وإن كرهته نفسه
فهو خير لها وأنفع.
وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهى وإن هويته نفسه ومالت إليه
وإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب
وخاصيَّة العقل تحمُّل الألم اليسير لما يُعْقِبه من اللذة العظيمة والخير الكثير
واجتناب اللذة اليسيرة لما يُعْقِبها من الألم العظيم والشر الطويل.
فنظر الجاهل لا يجاوزُ المبادئ إلى غاياتها
والعاقل الكيِّس دائمًا ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها
فيرى ما وراء تلك السُّتور من الغايات المحمودة والمذمومة
فيرى المناهي كطعامٍ لذيذٍ قد خلط فيه سم قاتل
فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السمِّ ويرى الأوامر كدواء كريه
المذاق مُفْضِ إلى العافية والشفاء وكلما نهاه كراهة مذاقه
عن تناوله أمره نفعه بالتناول ولكن هذا يحتاج إلى فَضْلِ علمٍ تُدْرَك
به الغايات من مبادئها وقوة صبر يوطِّن به نفسه على تحمل مشقة الطريق
لما يؤمِّل عند الغاية فإذا فقد اليقين والصبر تعذَر عليه ذلك
وإذا قوى يقينه وصبره هان عليه كل مشقة يتحمَّلها
في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة.
ومن أسرار هذه الآية :-
2459167982_dc4bf17f2

أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور
والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة.
ومنها :-
2459167982_dc4bf17f2
أنه لا يقترح على ربه،ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم
فلعل مضرته وهلاكه فيه وهولا يعلم فلا يختار على ربه شيئًا
بل يسأله حسن الاختيار له وأن يرضِّيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك.
ومنها :-
2459167982_dc4bf17f2
أنه إذا فوَّض إلى ربه ورضي بما يختاره له أمدَّه فيما يختاره له
بالقوة عليه والعزيمة والصبر وصرف عنه الآفات
التي هي عُرْضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره له
ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.
ومنها :-
2459167982_dc4bf17f2
أنه يُرِيُحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات
ويُفرِّغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منه في عَقَبةٍ
وينزل في أخرى ومع هذا فلا خروج له عما قُدِّر عليه فلو رضي باختيار الله
أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوفٌ به فيه
وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه
لأنه مع اختياره لنفسه.
ومتى صحَّ تفويضه ورضاه،اكتنفه في المقدور العطف عليه
واللطف به فيصير بين عطفه ولطفه فعطفه يقيه ما يَحْذَره
ولطفه يهوِّن عليه ما قدَّره.
إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تَحَيُّله في رده
فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحًا كالميتة
فإن السبع لا يرضى بأكل الجيف !


2459167982_dc4bf17f2
.
.
المرجع: فوائد الفوائد
الإمام ابن القيم -رحمه الله
2458693417_233a527b2

التالي

تعدد الزوجات

السابق

ياريت كلة يقرأى ويشاركنى بالرد ضرورى

كلمات ذات علاقة
ليه , من , لكل , تكرهوا , خيرٌ , شيئا , علاء , وعسى , وهو