يدفعنا كل ما حولنا وبقوة لاستدعاء الشر من أعماق
إنسانيتنا السحيقة، لأن نسن أظفارنا بحجة الدفاع
عن النفس ومقاومة زمننا الذي هو زمن الغدر و الخيانة،
و انقلاب الأصدقاء وحقد الأقرباء، وقسوة الآباء وعقوق
الابناء وجنون النساء وأنانية الإخوة. كل هذا اضافة إلي
حوارات الأفلام وكلمات الأغاني وصفحات الحوادث
بالجرائد والمجلات تدفع بنا إلي حلبة طاحنة نتعلم فيها أن
نكون ذئاباً قبل أن تأكلنا ذئاب أخري، لأن نتحول الى كتلة
توتر يشوبها الحذر فقد تأتينا الضربة من حيث لا ندري.
كل ما حولنا يحاول اغتيال الطيبة بداخلنا، يحاول أن يفرض
علينا واقعاً مريراً أصبحنا نعيشه وعلينا أن نهيئ أنفسنا
لأن يغادرنا السلام للأبد إلا أنه ورغم تلك الضغوط علينا
أن نرفض أن نتنازل عن طبيعتنا المسالمة، علينا أن نقاوم
ونرفض تصديق أن الشر وحده أصبح الآن حراً طليقاً
يعيش في النفوس كل النفوس، ويقطع أواصر الحب
والرحمة.. علينا أن نرفض التسليم بذلك ما دام في حياتنا
أصدقاء تجمعنا بهم سنوات وسنوات وذكريات، ومواقف
قاسية كانوا لنا وكنا لهم فيها ملاذاً استمددنا منهم صلابتنا
وقوتنا، وملؤوا عروقنا بالدفء. قد يكون سقط بعضٍ منا
في طريق الحياة ، لكنا لم نسقط جميعا. إن ذاكرتنا لو
فتشناها قليلاً لوجدناها مملوءة باسماء ومواقف لا تحصى
لأناس كان يمكن لحياتهم أن تتحول للأجمل و الأسهل بكل
المقاييس لو كانوا خانوا أو غدروا لكنهم أبداً لم يفعلوها
يجب أن نرفض تصديق أن عنوان زمننا هو الغدر و الخيانة
فقط، ويكون رفضنا ليس بمنطق الرومانسية الكاملة وإنما
بمنطق العقل الناضج. فالخير موجود.. الخير موجود لكن
للشر قنوات يفضح من خلالها . للشر أبواقه الكثيرة، وللخير
صوت هادئ وربما يكون بلا صوت على الإطلاق.